أواصل اليوم ما بدأته الأسبوع الماضي من الحديث حول الإعلام المنضبط والإعلام المنفلت. وكيف أن دول الغرب وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية تقيد حرية إعلامها وتبارك فوضي إعلامنا. وفي هذا المقام أشير إلي حوار صحفي أجريتُه من قبل مع رئيس إذاعة صوت أمريكا ومما قاله الرجل : لا نتمتع أبدا بحرية إعلامية بل نعاني قيودا ونتلقي أوامر وأكد أن إذاعته تذيع تعليقا سياسيا صباح كل يوم يأتيها من البنتاجون . وقال: لا نعرف من يكتبه وما علينا إلا أن نذيعه فقط وهذا التعليق يلخص توجهات السياسة الأمريكية. ولن نذهب بعيدا ففي يوم الخميس الماضي الثامن والعشرين من فبراير 2013 بدأت محاكمة الجندي الأمريكي برادلي مانينغ الذي سرب لموقع ويكيليكس وثائق حول قتل جيش بلاده للمدنيين العراقيين والأفغان. وقال الجندي أمام المحكمة لقد أردت أن أقوم بعمل أخلاقي أكشف من خلاله للرأي العام أن أمريكا تقتل الناس بدون سبب .إذن أمريكا تحاكم جنديا سرب وثائق حقيقية لموقع إليكتروني. أما مصر فتجبن وتتهاون في محاكمة أولئك الذين يختلقون وثائق وهمية يدعون بها وقائع غير حقيقية ويبثونها علي شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الخبرية ويتبادلونها في جماعات النقاش. والأكثر من هذا تتعامل فضائيات الفتنة معها علي أنها حقائق مسلم بها وهكذا يتشكل رأي عام مضلَّل بناء علي معلومات خاطئة . لا نريد خنق رأي أو حجب خبر ولكن ننشد إعلاما يمثل أداة بناء لا معول هدم. ويعود أولئك الذين أضروا بمصر إلي رشدهم ويدركوا أن هنا مستقبلهم ومستقبل أولادهم حتي نكمل بناء ما تهدم في الفترة الأخيرة وشاعرنا العربي يقول وإنَّ عناءً أن تُفَهِّم جاهلاً - فيحْسَب جهلاً أنه منك أفهم متي يبلغ البنيان يوماً تمامه - إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم متي ينتهي عن سيءي من أتي به - إذا لم يكن منه عليه تندُّم ظهرت مواقع علي شبكة الإنترنت كما انطلقت فضائيات وانبرت صحف ومجلات لا هم لها غير بث الشائعات في المجتمع المصري وقد رموا وراء ظهورهم قول الله عز وجل : ¢ يا أيها الذين آمنو إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين ¢ الحجرات آية 6. ففي الآية الكريمة أهم معايير العمل الصحفي وأخلاق المهنة المتمثلة في التثبت والتبيّن في نقل الأخبار .ولقد أراد الله بهذه التوجيهات تطهير المجتمع من الشائعات. فكم هدّمت الشائعات من وشائج وعطلت قضاء الحوائج . وكم فككت الأكاذيب من أواصر وعلاقات وحطّمت من أمجاد وحضارات. وكم دمّرت من أسر وجماعات وأهلكت من حواضر ومجتمعات. وبما أن اليأس موجود والأمل مفقود في أن تستحضر فضائيات الفتنة وإعلاميو الزيف والضلال قول الله تعالي في سورة ق آية 18 : ¢ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ¢ فإننا نتوجه إلي جمهور المتلقين والمشاهدين والقراء مناشدين إياهم أن يحذروا الفتن والشائعات ويقلعوا عن التعاطي مع الإعلاميين الذين أشبههم بالخمر إثمهم أكبر من نفعهم . والله سبحانه وتعالي أخبرنا أننا مسئولون أمامه عما نشاهد وعما نسمع فقال جل في علاه : ¢ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمى إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ¢ الإسراء: 36. أما نشطاء الإنترنت الذين يتلقفون أية أكاذيب وشائعات ويقومون بعمل مشاركة لها share أو إعجاب like فإني أحيلهم إلي حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي يقول فيه: ¢ كفي بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع¢ وفي رواية: ¢ كفي بالمرء إثماً ¢. أخرجه الإمام مسلم في صحيحه فهذا الحديث ينطبق عليهم حتما والله من وراء القصد .