* يسأل علي محمد عبدالعزيز من القاهرة: كثيرا ما يتفاءل الإنسان بشيء. وكثيرا ما يتشاءم من شيء فهل لذلك أصل في الشريعة الغراء؟ وما حكمه شرعا؟ ** يجيب الشيخ حسين مخلوف مفتي الديار المصرية الأسبق: إن شعور الإنسان بالتفاؤل والبشر عند سماع الكلمة الطيبة. أو رؤية الشيء الحسن. وشعوره بالتشاؤم والانقباض عند سماع الكلمة المستكرهة أو رؤية الشيء القبيح أمر فطرت عليه النفوس البشرية كما يشير إليه حديث: "ثلاثة لا يسلم منهن أحد: الطيرة. والظن. والحسد" "والطير بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن التشاؤم". والناس في ذلك متفاوتون. فمنهم من ينمو هذا الشعور في نفسه ويقوي بالاعتياد وشدة الانتباه ودقة الملاحظة. حتي لا يكاد يفارقه في كل شئونه. ومنهم من يقل إحساسه به ويضعف شعوره حتي يكاد يتلاشي. وفيما بين ذلك درجات ومراتب. فإذا اعتمد الإنسان في شئونه علي التفاؤل والتشاؤم بحيث يجعل لهما سلطانا علي نفسه وتحكما في إرادته وتأثيرا في عزيمته وهما أكثر ما يكونان بالشيء يعرض عفوا ويحدث مصادقة. فقد آوي إلي وهم وركن إلي سراب وضل السبيل. فإن الإقدام علي الشيء أو الإحجام عنه إنما يعتمد علي العزم والتصميم بعد إعمال الفكر والروية وتقليب الأمر علي مختلف وجوهه. فإذا عزم الأمر أخذ في الأسباب. وأنفذ ما صمم عليه متوكلا علي الله تعالي. فلا يصرفه عن وجهه ولا يثنيه عن قصده كلمة عابرة يتلقفها سمعه من إنسان لا يقصده ولا يعرف عنه شيئا. أو وقوع بصره علي شيء لا تعلق له به يتوهم فيه الشر. أو صوت غراب ناعب أو بروح طير طائر. أو تحذير كاهن أو عراف ونحو ذلك مما لا يستقيم في العقول السليمة أن له دخلا فيما تجري به الأقدار. وعن عكرمة قال: كنت عند ابن عباس فمر طائر فصاح. فقال رجل: خير خير. فقال ابن عباس: ما عند هذا خير ولا شر وقد كانوا في الجاهلية يعتمدون في أمورهم علي الطير. فإذا خرج أحدهم لأمر فإن رأي الطير طار يمنة تيمن به واستمر في قصده. وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع. ويسمون ما طار يمنة السانح وما طار يسرة البارح. وربما كان أحدهم يهيج الطير ويزجره ليطير ليعتمده في أمره معتقدا أن تيامنه يجلب نفعا وتياسره يستعقب ضرا. ومع أنه ليس في شيء من سنوح الطير وبروحه وهو حيوان لا ينطق ولا يميز- ما يسوغ في بداهة العقل أن يبعث علي الإقدام أو الإحجام أو يكون له تأثير في النفع أو الضر بل ذلك إغفال للعقول الموهوبة وتكلف بتعاطي ما لا أصل له وطلب للعلم من غير مظانه. لعمرك ما تدري الطوارق بالحصي ولا زاجرات الطير ما الله صانع. وكانوا يتشاءمون بنعيب الغراب وصوت البومة ومرور الظباء وسموا كل ذلك تطيرا حيث كان أصله زجر الطير وإزعاجه. وقد نهي الشارع عنه فقال صلي الله عليه وسلم: "الطيرة شرك" كأنهم أشركوا مع الله غيره. وإذا اعتقدوا أن السنوح يجلب الخير والبروح يجلب الشر. وقال صلي الله عليه وسلم: "لا طيرة" وقال: "من تكهن أو رده عن سفره تطير فليس منا" وذلك إذا اعتقد أن الذي رآه من حال الطير يوجب ما ظنه من خير أو شر ولم يضف التدبير والتقدير إلي الله تعالي. وقال صلي الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يسلم منهن أحد: الطيرة. والظن. والحسد. فإذا تطيرت فلا ترجع. وإذا حسدت فلا تبغ. وإذا ظننت فلا تحقق". وعن أبي هريرة مرفوعا: "إذا تطيرتم فامضوا وعلي الله فتوكلوا". فالمنهي عنه في التطير أن يكون باعثا علي الإحجام والعدول عن الأمر كما كانوا في الجاهلية يحجمون عنه إذا خرج القدح الذي عليه علامة الشر في الاستقسام بالأزلام. والأدب في ذلك أن يمضي الإنسان في سبيله ثقة بالله وتوكلا عليه غير آبه بما رأي من طير ونحوه كما يشير إليه ما في السنن: "فإذا رأي أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت. ولا يدفع السيئات إلا أنت. ولا حول ولا قوة إلا بالله". وما رواه ابن عمر مرفوعا: "من عرض له من هذه الطيرة شيء فليقل: اللهم لا طير إلا طيرك. ولا خير إلا خيرك. ولا إله غيرك". أما الفأل وأكثر ما يستعمل في الخير فقد كان يعجب النبي صلي الله عليه وسلم وكان إذا خرج لحاجة يعجبه أن يسمع -يا نجيح- ياراشد وقد لقي في سفره للهجرة رجلا فقال: ما اسمك؟ قال يزيد فقال صلي الله عليه وسلم: يا أبا بكر يزيد أمرنا وفي حديث انس عن النبي صلي الله عليه وسلم "ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة" رواه البخاري وعن أبي هريرة مرفوعا: كان يعجبه الفأل ويكره الطيرة وعن بريدة أن النبي صلي الله عليه وسلم "كان لا يطير من شيء" قال الحليمي: وإنما كان صلي الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن لأن التشاؤم سوء ظن بالله لغير سبب محقق. والتفاؤل حسن ظن بالله والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله علي كل حال.. انتهي وقال الطيبي: معني الترخص في الفأل والمنع من الطيرة هو أن الشخص لو رأي شيئا ظنه حسنا محرضا له علي طلب حاجته فليفعل ذلك. وإن رآه بضد ذلك فلا يقبله بل يمضي لسبيله فلو قبله وانتهي عن المضي فهو الطيرة. وجملة ذلك أن الإنسان إذا تفاءل أو تشاءم يمضي لسبيله في عمله دون أن يعتمد علي تفاؤله أو تشاؤمه وأن يجعل ذلك موجبا للفعل أو الترك. ومن هذا يظهر أن التشاؤم الموجب للإحجام والصد منهي عنه شرعا. وأن التفاؤل بحيث لا يكون هو الموجب للإقدام علي الفعل جائز شرعا. بل كان مما يحبه رسول الله صلي الله عليه وسلم والله أعلم.