قضى الإسلام على كثير من خرافات الجاهلية؛ ولعل من أهمها التشاؤم الذي كان يسيطر على الأمم من قبل، حيث أخبر خاتم الرسل- صلى الله عليه وسلم- الناس أن ما من خير أو شرّ قليل أو كثير وما يصيبهم من بلاء ومرض ونقص في الأموال والأنفس والثمرات هو بمشيئة الله تعالى وقضائه وقدره. والتشاؤم ليس بالأمر الجديد ولكنه أمر قديم عاشت في ظله أمم قديمة كقوم موسى، حيث قال تعالى عنهم "فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطَّيروا بموسى ومن معه" الآية من سورة الأعراف. وتشاءم قوم صالح- عليه السلام- بصالح. "قالوا اطَّيرنا بك وبمن معك" من سورة النمل. وتشاءم أهل أنطاكية برسلهم- عليهم السلام- "قالوا إنا تطيرنا بكم" الآية من سورة "يس". وكان الرد الإلهي "ألا إنما طائرهم عند الله"، "طائركم معكم" وحسب المؤمن بالله عز وجل "وكان أمر الله قدرًا مقدورًا"، وحسبه "وكان ذلك في الكتاب مسطورًا".
وحول النهي الشرعي عن التشاؤم قال الدكتور علي جمعة - مفتي الديار المصرية-: التشاؤم والتطير من عادات الجاهلية التي جاء الإسلام للتحذير منها وهدمها، وقد ورد عن النبي- صلى الله عليه وسلم-: "لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل. قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة"، كما بيّن النبي- صلى الله عليه وسلم- حرمته ونهى عنه، فقال صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من تطير أو تُطير له، أو تكهن أو تُكهن له".
موضحًا: "إذا اعتبر المسلم ما يتشاءم منه موجبًا للضرر إذا يظنه، ولم يضف التدبير لله عز وجل؛ فقد أساء الظن بالله عز وجل، ولم يتوكل عليه، وربما يوقع الله عز وجل به ما اعتقد؛ عقابًا له على اعتقاده الفاسد، لكون الأمور إنما تجري بمشيئة وقدرة الله عز وجل وليس لأي مخلوق التدخل في قدره وقضائه".
ويقول الدكتور أحمد محمود كريمة - أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر-: التشاؤم من العادات الموروثة التي كثيرًا ما تؤثر على النفوس الضعيفة وتخرجها من نور الحقائق وميدانها الواسع إلى ظلمة الأوهام ومنافذها الضيقة، وتتناسى قول الله عز وجل "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم".
كما أكد ، أن التشاؤم الموجب للإحجام والصد منهي عنه شرعًا، فيجب تجنبه والأخذ بالأسباب وحسن التوكل على الله – سبحانه وتعالى- "فإذا عزمت فتوكل على الله"، مضيفًا: "وقد نبَّه علماء الإسلام ومنهم الإمام الألوسي على سوء اعتقاد من يتشاءم، فمما قاله: والحق أن كل الأيام سواء ولا اختصاص ليوم بنحوسه ولا لآخر بسعد. وإنه ما من ساعة من الساعات إلا وهي سعد على شخص وبلاء على آخر، باعتبار ما يقع فيها من خير على هذا ومن الشر على ذاك. ولا شأن للوقت أو المكان أو الأشياء في نحوس المرء أو تعاسته، لذا فيجب تطهر النفوس من الأوهام والهواجس، والإقبال على الحياة بعقلية أن الأمور تجري بمقادير الله تعالى، لينعم بالتوازن النفسي والعقلي".
كما أوضح أن علاج التشاؤم التوكل واللجوء إلى الله –عز وجل-، كما بين النبي- صلى الله عليه وسلم- "إذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بالله"، وأيضًا "اللهم لا طير إلا طيرك. ولا خير إلا خيرك. ولا إله غيرك"..