حُسن الخُلق يُحَب لذاته. فكيف لو اجتمع مع حسن الخلق حُسنُ الخَلق ؟! ذلكم هو المصطفي - صلي الله عليه وسلم -.وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله - صلي الله عليه وسلم -. خيلاً قبل نجد . فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثُمامة بن أثال سيد أهل اليمامة فربط الصحابة ثمامة بن اثار في سارية - أي عمود من أعمدة المسجد النبوي - وهو من أعدي أعداء النبي يتفنن في إيذاء رسول الله وفي الكيد للإسلام والمسلمين. فلما دخل النبي - صلي الله عليه وسلم -. ورآه مربوطا في المسجد اقترب منه وقال له : "ما عندك يا ثمامة ؟" قال : عندي خير يا محمد إن تقتل تقل ذا دم - يعني أنتبه إن قتلتني قتلت رجلا له قبيلة وعشيرة ولن تترك قبيلته وعشيرته دمَه يضيع هدراً ابدا - إن تقتل تقتل ذا دم وإن تُنْعِم تنعم علي شاكر. وإن أحسنت إليَ وأطلقت سراحي لن أنسي جميلك ومعروفك أبدا ما حييت وإن كنت تريد المال فَسَل تُعطَ من المال ما شئت فتركه النبي - صلي الله عليه وسلم -. وفي غير رواية في الصحيحين أمر النبي الصحابة أن يحسنوا إليه. وأراد النبي أن يظل ثمامة في المسجد. ليسمع القرآن وليري النبي - صلي الله عليه وسلم - بين أصحابه وليسمع حديثه. فدخل عليه في اليوم الثاني وقال : "ماذا عندك يا ثمامة ؟" قل: عندي ما قلت لك: إن تقتلْ تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط من المال ما شئت فتركه النبي - صلي الله عليه وسلم -. ودخل عليه في اليوم الثالث وقال : "ماذا عندك يا ثمامة ؟" فأخبره بما قاله فقال النبي للصحابة: "أطلقوا ثمامة أي لا نريد مالا ولا جزاء ولا شكورا ولا نلزمه بالإسلام ولا نكرهه علي الإيمان أطلقوا ثمامة" ففكوا قيده. هذا الرجل الأصيل اغتسل في حائط - أي في بستان - بجوار المسجد وعاد إلي المسجد النبوي» ليقف بين يدي الحبيب ليقول : أشهد أن لا إله إلا الله واشهد إنك لرسول الله. تدبر هذا الحوار الصريح قال ثمامة: يا رسول الله والله ما كان علي وجه الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك. فأصبح وجهك الآن أحب الوجوه كلها إليّ. والله ما كان علي وجه الأرض دين أبغض إليّ من دينك. فأصبح دينُك أحبَّ الدين كله إليّ. والله ما كان علي وجه الأرض بلدى أبغض إليّ من بلدك فأصبحت بلدك أحبَّ البلاد كلها إليّ. يا رسول الله لقد اخذتني خيلك وأنا أريد العمرة" " أو وهو الشرك والكفر فقد كانوا يحجون ويعتمرون إلي البيت وهم علي الكفر والشرك. كان أحدهم يلبي فيقول: لبيك اللهم. لبيك لبيك لا شريك لك. فإذا سمع النبي هذا النداء يقول: "قط قط" أي قفوا عند هذا الحد لا تزيدوا عليه. ثم يزيد أحدهم فيقول: لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك - ولو تدبر أحدهم في الإضافة بتعقل لوجد الملك "هو لك تملكه وما ملك" أي ولا يملك لنفسه شيئاً. ورحم الله من رأي يوما علي صنمه بولا فنظر حواليه فوجد ثعلبا يلعب بالقرب من معبوده فعلم أن الذي فعل هذه الفعلة الشنعاء هو هذا الثعلب. فنظر إلي إلهه والنجاسة تنسال من علي وجهه ففكر وتدبر في الأمر وقال بعقل راجح راشد : يقول ثمامة: يارسول الله لقد أخذتني خيلك وانا أريد العمرة فماذا تري ؟ فبشره رسول الله - قال الحافظ ابن حجر: أي بشرة بخيري الدنيا والآخرة. أو بشره بالجنة أو بشره بمحو الذنوب والسيئات - ياله من فضل!! فبشره رسول الله - صلي الله عليه وسلم -. وأمره أن يعتمر. فانطلق ثمامةُ أول من رفع صوته بالتلبية في مكة فقال قريش من هذا الذي اجترأ علينا - أي جهر بالتلبية بين أظهرنا - ؟ من هذا الذي أجترأ علينا ؟ فهو أولُ من جهر بالتلبية في مكة فأخذته قريش وقالوا: من هذا الذي اجترأ علينا ؟ فأخذوه وضربوه ضربا شديدا حتي قال قائلهم: دعوه فإنه فلان فأنتم تحتاجون من الميرة اليمامة وعرفوا ثمامة. وفي رواية ابن اسحاق: لما جهر ثمامةُ بالتلبية فأقبل عليه المشركون فضربوه وقال أبو سفيان: ألا تعرفون الرجل ؟ إنه ثمامة سيد أهل اليمامة فأنتم تحتاجون إلي الحنطة - أي القمح - والميرة من اليمامة . فلما جلس ثمامة قال: والله لا تصل إليكم بعد اليوم حبة حنطة - أي حبة قمح - إلا أن يأذن رسول الله .خلع الرجل رداء الكفر علي عتبة الإيمان أقول من أول لحظة دخل فيها ثمامة الإسلام جعل كل طاقاته وكل قدراته وإمكانياته في خدمة التوحيد والإسلام. وضع كل ما يملك من قدراته وطاقاته وإمكانياته في خدمة الدين الذي أعتنقه وأنار الله قلبه به. وبالفعل أدي العمرة. وأود أن أقف أيضا مع جزئية أخري فريدة ألا وهي أن أسر ثمامة كان سببا لنجاته. وكان سبب سعادته في الدنيا والآخرة. لو علم أن أسره سيكون سبب سعادته في الدنيا والآخرة لرحب به . فلقد خرج ليؤدي العمرة علي الشرك فأبي الله ألا أن يؤدي العمرة علي التوحيد ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. إذا لابد أن تسلم لكل أقدار الله. ولابد أن تعلم يقيناً أن قدر الله دائما هو الخير. وقد ينظر أحدنا إلي قدر من وجهة نظره. فيراه شرا عليه لكن الله جل وعلا يقول: - وَعَسَي أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرى لَكُمْ وَعَسَي أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرّى لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ- "البقرة - 216" قال تعالي : - وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرّي فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْري فَهُوَ عَلَي كُلِّ شَيْءي قَدِيرى - "الأنعام : 17" انطلق ثمامة إلي اليمامة فمنع الميرة عن قريش وقال: والله لا تصل إليكم حتي اليوم حبة قمح حتي يأذن فيها رسول الله. إنه الولاء والبراء لله ولرسوله وللمؤمنين - والله لا تصل إليكم حتي اليوم حب قمح حتي يأذن فيها رسول الله - أنه البراء المعلن من الشرك والمشركين. لابد من هذه المفاضلة. لابد من هذا الفرقان. إن عشت طوال حياتك حالة الغبش التي يحياها كثير من المسلمين اليوم لن تنصر دينا ولن تنصر سنتة. لا تكن مذبذباً بين هؤلاء وهؤلاء. فهناك صنفان من الناس. صنف كالشاة الحائرة بين غنمين تيعر إلي هذه مرة. وتيعر إلي هذه مرة. هذا شأن النفاق وأهله المذبذبين بين ذلك. لا إلي هؤلاء ولا إلي هؤلاء. فتراه إن جلس مع المسلمين إن جلس مع أهل الالتزام وأهل السنة قال: الله جل وعلا. قال النبي -. أنا والله احب اللحية واحب الحجاب وأنا الزم بناتي بذلك. فإن جلس مع غير هذا الصنع الكريم. فإذا جلس مع العلمانيين. ممن يعزفون علي وتر التحرر والمدنية والبعد عن الرجعية. والتخلف إلي آخر هذه التهم المعلبة قال: أعوذ بالله . عقول متجمدة متخلفون رجعيون متنطعون أصوليون وصوليون . أعلن ثمامة المفاصلة الحاسمة. أعلنها الآن بصدق لا تعش حالة الغبش حالة التذبذب بين الإيمان والنفاق بين أهل الإيمان تارة وأهل النفاق تارة بين أهل السنة تارة وأهل البدع تارة. لا تصح لك حياة بهذه الشاكلة وبهذا الغبش الذي يحياه كثير من الناس . لابد أن نعلن المفاصلة. لابد أن تستبين سبيل المجرمين من سبيل المؤمنين. لابد من إقامة الفرقان الإسلامي الآن. والتخلي عن التلون وركوب كل موجة ! فمنهم من يتغني بالاشتراكية. إن كان الحاكمُ اشتراكياً ويرقصون ويعزفون علي الديمقراطية المزعومة إن كان الحاكم ديقراطيا. فهم يركبون كل موجة ويعيشون في كل بيئة. ويتلونون بلون كل أرض حالة غبش وتذبذب لا ينبغي لمسلم صادق يحترم نفسه أن يعيش هذه الحياة أبداً . وللحديث بقية العدد القادم بمشيئة الله