كثر الكلام في هذه الأيام والهجوم على الإسلام والإسلاميين، خاصة بعد فوز التيار الإسلامي في مرحلتيْ البرلمان الأول والثانية، وادعى العملاءُ الخونةُ الأجراءُ أن المسلمين سوف يقتلون ويمنعون السياحة ويعتدون على غير المسلمين ويفعلون كذا وكذا.... إلخ، وهذا إن دلَّ فإنما يدل على حقد وكره وجهل مَنْ يروجون لهذا وعمالتهم، فلقد رسم الإسلام لأتباعه منهجًا للتعامل مع غير المسلمين، حيث وضع ضوابط مهمة ودعا إلى التزام أخلاق راسخة كانت سطورًا مضيئة حفلت بها كتب التاريخ الإسلامي العريق. لقد كرّم الله تعالى النفس الإنسانية فحرم الإسلام قتل النساء والشيوخ والأطفال وكل مَنْ لا يحارِب -أما المحارب والمعتدي فيخرج من هذا التحريم- ونهى عن التمثيل في القتل، فعَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ نَبِىُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا بَعَثَ جَيْشًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ:«انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ». فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: «وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا طِفْلاً وَلاَ امْرَأَةً وَلاَ شَيْخًا كَبِيرًا وَلاَ تُعَوِّرُنَّ عَيْنًا وَلاَ تَعْقِرُنَّ شَجَرًا إِلاَّ شَجَرًا يَمْنَعُكُمْ قِتَالاً أَوْ يَحْجُزُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَلاَ تُمَثِّلُوا بِآدَمِىٍّ وَلاَ بَهِيمَةٍ وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تَغُلُّوا» (السنن الكبرى للبيهقي: 9/90)، وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: "اغزوا باسم اللّه وفي سبيل اللّه، وقاتلوا من كفر باللّه، اغزوا ولا تغدروا، ولا تغلُّوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا" (رواه أبو داود)، وفي حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري، قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النُّهْبَى والمُثْلة" (رواه البخاري). فهذا أبو دجانة الذي أخذ سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، وقد ربط عصابة الموت الحمراء على رأسه، وأخذ يقاتل، يقول الصحابة، رضي الله عنهم، رأينا قتاله عرفنا أنه يستحق السيف في ذلك اليوم يضرب هذا ويقتل هذا ويصرع هذا، يقول أبو دجانة عن نفسه: رأيت فارسًا ملثمًا، يقول فذهبت إليه وتوجهت إليه، فلما وصلت عنده ورفعت السيف على رأسه وَلْوَل وصاح، فعرفت أنه امرأة، ولم يكن رجلاً كانت هند بنت عتبة يقول فأكرمت سيف رسول الله أن أقتل به امرأة في تلك المعركة وتركها رضي الله عنه. وكذلك نهى الإسلام عن قطع شجرٍ أو نخلٍ أو ذبح شاةٍ إلا لطعام أو غير ذلك من أشكال التخريب والدمار، فقد ورد في وصية أبي بكرٍ الصديق -رضي الله عنه- لأسامة بن زيد -رضي الله عنه- حين بعثه لفتح بلاد الشام: "لا تعقروا نخلاً، ولا تحرِّقوه، ولا تقطعوا شجرةً مثمرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرةً ولا بعيرًا إلا لمأكلة، وسوف تمرون بقومٍ فرَّغوا أنفسهم في الصوامع –يعني الرهبان- فدعوهم وما فرَّغوا أنفسهم له"، هكذا ينهى الإسلام عن التخريب في البلدان وهدم المباني وحرقها وقطع الشجر المثمر وقتل الحيوانات بغير مصلحة. وأيضا أمر الإسلام بإحسان معاملة الأسرى فقد قال صلى الله عليه وسلم: "فكوا العاني، وأطعموا الجائع، وعودوا المريض" (رواه البخاري)، وفكوا العاني أي خلصوا الأسير. أخلاق النبي الكريم وعن أبي هريرة قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قِبَل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثُمامة بن أثال، سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: "ماذا عندك يا ثمامة؟" فقال: عندي، يا محمد خير، إن تَقْتُل تَقْتُل ذا دم، وإن تُنْعِم تُنْعِم على شاكر، وإن كنتَ تريد المال فسل تُعْطَ منه ما شئت، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان بعد الغد. فقال: "ما عندك يا ثمامة؟"، قال: ما قلت لك، إن تُنْعِم تُنْعِم على شاكر، وإن تَقْتُل تَقْتُل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان من الغد. فقال: "ما عندك يا ثمامةُ؟" فقال: عندي ما قلت لك، إن تُنْعِم تُنْعِم على شاكر، وإن تَقْتُل تَقْتُل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أطلقوا ثمامة". فانطلق ثمامة بن أثال إلى نخلٍ قريبٍ من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، يا محمد، والله، ما كان على الأرض وجهٌ أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبَّ الوجوه كلها إليّ، والله، ما كان من دينٍ أبغض إليَّ من دينك، فأصبح دينك أحبَّ الدين كله إليّ، والله، ما كان من بلدٍ أبغض إليَّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبَّ البلاد كلها إليّ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: أصبوتَ؟ فقال: لا، ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا والله، لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطةٍ حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم" (رواه الشيخان)، وكان كفار قريش إذا أرادوا طعامًا من أهل اليمامة استشفعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم كي يشفع لهم عند ثمامة كي يعطيهم القمح من أرض اليمامة. نلاحظ هنا أن الرسول الكريم لم يُجبر ثمامة على الإسلام، وأطلقه بدون مقابلٍ أو فداء، فلا انتقام، ولا تمثيل، ولا حقد، بل كرم خُلُقٍ ومنّ، علما بأن ثمامة بن أثال هو الذي تخفى وجاء متسللا لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولك أن تقارن كل ذلك بما فعله الصليبيون في ممارساتهم خلال الحروب الصليبية، أو فعلهم في الأندلس عند سقوط الخلافة الإسلامية، وما محاكم التفتيش بخافيةٍ على أحد، كذلك ما فعلته أمريكا في اليابان وألمانيا في الحرب العالمية وما احتلال العراق منا ببعيد وما حدث فيها من تدمير وتخريب وقتل للعلماء وأساتذة الجامعات من أهل السنة خصوصًا، وما جرى وما زال يجري في أفغانستان من انتهاكاااااات ترتكبها أمريكا وجنودها الأنذال، وما فعلته من قبل في بلاد الصومال والسودان، فمن هو الإرهابي؟!!، ومن أراد المزيد فليقرأ كتابات الدكتور نبيل لوقا باباوي عن الإرهاب ومن هو الإرهابي حقيقة؟!!. أخلاق صلاح الدين لقد حقَّق البطل "صلاح الدين الأيوبي" -يرحمه الله- انتصارات باهرة ضد الصليبيين؛ لأنه أخذ بعوامل النصر، فقد شجَّع صلاح الدين الأيوبي المسلمين في بلاد الشام بالذات على الزراعة، وعلى التعليم الديني، وعلى الصناعة، وأعدَّ الأمة للجهاد، امتثالاً لقول الله تبارك وتعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]. وأعد الأمة إعدادًا عقديًّا دينيًّا. وقد ذكر التاريخ الإسلامي أن صلاح الدين –يرحمه الله- كان يتفقد خيم الجند، فمرَّ بخيمة فسمع المجاهدين يصلون ويقومون الليل، وآخرين يقرءون القرآن الكريم، وخيمة ثالثة يذكرون الله عز وجل، ومرَّ على خيمة فلم يسمع أصواتًا للجند. فقال عبارته المشهورة: "من قِبَل هؤلاء تأتي الهزيمة". كما أن صلاح الدين الأيوبي كان زاهدًا في دنياه، يعفّ نفسه عن المال العام، فلم يُبنَ لصلاح الدين الأيوبي بيتا يسكنه، بل كان يعيش في خيمة ينقلها حيث ارتحل. وعندما توفاه الله عز وجل لم يجد المسلمون في خزانته مالاً ثمنًا لكفنه، فكفَّنه صديقه القاضي. بمثل هذه الأخلاقيات حقَّق المسلمون في عصر "صلاح الدين الأيوبي" الانتصارات على الصليبيين، وفتحوا القدس وحرَّروا المسجد الأقصى وطهَّروه من الصليبيين، اللهم حرر الأقصى من أيدي اليهود، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. المزيد من مقالات جمال عبد الناصر