لم أكن أنوي الكتابة عن حجاب المذيعات لأننا صنعنا قضية من لا قضية.. وكنت أعتقد ولا زلت أن إثارة مثل هذه القضايا من قبيل العار في مجتمع مسلم. فما بالك.. لو كان الأمر يتعلق بمصر بلد الأزهر والدين والمتدينين والعلم والعلماء.. لم أكن أتصور أن يتم التعامل مع قرار السماح للمذيعة بالظهور بهذا المنكر المسمي بالحجاب وكانه فتح عظيم وأنتصار كبير!! هالني تلك التبريرات في أرتداء الحجاب علي أنه مسالة حرية شخصية.. والأمر يرجع لمزاج الست المذيعة.. إن شاءت أرتدته وإن شاءت خلعته.. وهذه أول مرة أعرف فيها أن الدين بالمزاج.. ولست أدري هل نحن ما زلنا في حالة خوف من الإعتراف بأن الحجاب للمرأة من الدين وليس مسالة أختيارية.. من شاءت غطت ومن شاءت خلعت؟ هل ما زال موقفنا من القضايا الدينية والأحتكام إلي الأزهر أنتقائيا وبحسب هوي وغرض فلان أو علان أو ترتان.. ؟ هل ما زلنا نخجل من الإعتراف بتديننا وأننا ملتزمون بقواعد الدين؟ هل مازالت تطاردنا مخاوف الإتهامات بالأصولية والتشدد إذا ما تمسكنا بأي شكل من أشكال الدين أو أي فعل يشير إلي التزامك وتمسكك بأهداب الدين؟ هل ما زال هذا الأمر عيب وحرام وأن الأفضل لإرضاء القوي الكبري.. أن تخلع وتريح دماغك من حكاية التطرف والأصولية إياها.. ؟ كنت أود من الأخر والصديق العزيز صلاح عبدالمقصود وزير الإعلام أن يحيل من يثيرون الإتهامات والشبهات حول الأخونة في الإعلام والتلفزيون إلي مؤسسة الأزهر وشيخها الفاضل الأمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب لمعرفة الحكم الشرعي في الحجاب.. ليعزز موقف المذيعات الحاصلات علي أحكام قضائية بحقهن في الظهور بالحجاب بحكم واضح وصريح من المؤسسة الدينية.. وبالتالي يقطع الطريق علي محاولات اللعب بالحجاب.. وتسرب الهوي للمذيعات أن شئن لبسنه وأن شئن خلعنه.. وكذلك يكشف حقيقة الإتهامات بالإخونة أو غيرها من إتهامات سياسية هذا التوقيت علي وجه الخصوص.. إستفزني كلام أول مذيعة محجبة علي النيل للأخبار وهي تقول أن المسئولين أكدوا لها أنها يمكن أن تتراجع عن حجابها في أي وقت ولن تكون هناك مشكلة.. !! قالت كلامها من باب التدليل علي مرونة المسئولين أو أنه لا يوجد فرض أو إلزام بالحجاب.. والحقيقة هذا كلام خطير ومستفز أيضاً إذ تشعر وكأنك أمام لعبة وليس أمام حق وواجب شرعي.. لا يجب أن نبالغ في واقعة الحجاب ونتصور أننا فتحنا عكا كما يقولون.. وأن كان هذا لا يقلل إطلاقا من جهد وجهاد وصبر عدد من المذيعات من أجل الحصول علي الحق أيضاً أمام سلطان جائر.. القضية الحقيقية في القدرة علي العمل والكفاءة وإثبات الوجود العلمي والعملي.. حتي لا نحمل الحجاب كل سوءاتنا وعيوبنا وتقصيرنا وأعمالنا وضعفنا العملي وتراجعنا الثقافي بين الأمم.. وندخل في مهاترات مع من يزعجهم الحجاب أو يصيبهم رؤية المحجبات بالعصبي أو الإرتكاريا.. وهؤلاء لا يجدون حرجا أو غضاضة في إلصاق أي تهمة بالإسلام وإسناد أي نقيصة للإسلاميين.. والقضية الحقيقية أيضاً تتركز في أن هناك حجابا حقيقيا نريد أن نرفعه ونخلعه بلا تردد خاصة بعد الثورة.. سيزول هذا الحجاب إذا ما أجبنا علي السؤال والأسئلة التالية صراحة.. لماذا نقبل الدنية في ديننا؟ لماذا نتعامل مع الأمور وثيقة الصلة بالدين والمتدينين بحساسية مفرطة؟ لماذا نتردد ونصور الأرض علي أن هناك كارثة ستقع؟ لماذا نخدع أنفسنا والناس من قبل؟ لماذا لا نجاهر ونعلن صراحة الإحترام الواجب لكل أمر له صلة بالدين أو الشريعة؟ الم يكفينا مأمور وفات من سنوات أستهزاء وأستهتار وتلاعب وتسقيه وتشوية للدين والمتدينين؟؟ حتي وأن زعموا حربا للإرهاب أو مواجهة للمتطرفين.. !! مطلوب حالة تصالح حقيقة مع أنفسنا وديننا إذا أردنا أستقرار أو أمانا ودفعا لعجلة التنمية للإمام.. إذ لا يمكن للأمور أن تستقيم والجميع في حالة خصام وتنافر وتناحر.. في حالة تربص وخوف.. والإيجاء للآخر بالشكوك والظنون أن الخطر قادم لا محالة.. وإن الإسلاميين أو المتأسلمين سيقلبونها راسا علي عقب.. وأنتظروا الخراب أن آجلا أو عاجلا.. السؤال الأن كيف تتم عملية التصالح هذه ويتم وإزالة الحساسية ضد كل ما هو أسلامي حتي نعيش في مجتمع طبيعي منسجم ومتآلف مع بعضه البعض لا يعاني من شيزوفرينيا بغيضة؟ وهل عملية التصالح هذه ستكون سهلة أو مستحيلة في ظل حالة صراع القوي علي الساحة وحملات التشكيك والتخوين والرغبة في التقسيم بين إسلاميين وغير إسلاميين.. والعزف دائماً علي هذا الوتر.. ظنا من أن هذا التوجه سيضرب الإسلاميين أو علي الأقل يضعف من شوكتهم؟ أن البعض يتغافل عن الخطر القاتل لمثل هذه التوجهات.. خاصة تكريس الإنقسامات وتدعيم النزعات الإنفصالية والدفع الدائم نحو الصدام الإجتماعي بين أبناء الوطن الواحد.. وأيضا منح توكيل علي بياض بإن فئة بعينها هي المتحدث الرسمي والحصري بإسم الإسلام.. لأن المعركة تدور أمام الجميع وتصور علي أنها بين الإسلاميين وغير الإسلامين وهذا هو الفخ الذي يأبي الطرف الآخر المناوئ للإسلاميين أن يدركه ويتجنب خطيئة الوقوع فيه.. أتصور أننا إذا كنا جادين في الأمر وخلصت النوايا فإن فترة التصالح والوصول إلي أتفاق لن تطول.. مطلوب أعلان نوايا من كل الأطراف.. التزام حقيقي أمام الجماهير.. أحترام كامل للإرادة الشعبية والبعد عن محاولات التفكير في تزييفها أو العبث بها لصالح هذه القوة أو تلك.. أو أعلان التحدث بإسمها دون تفويض أو توكيل رسمي في أي من المحافل المحلية أؤ الإقليمية أو الدولية.. سنحتاج فقط إلي بذل الجهود في عمليات التصحيح وتصويب الأخطاء وستكون عمليات الإقناع سهلة وبسيطة في حالة توقف القصف العشوائي المميت وزوال الرغبة في الإقصاء والأبعاد والتشويه.. أعتقد أن الأمر سيكون في مصلحة الجميع.. ولن يتمكن طرف من المتاجرة بالدين أو أستخدامه في خداع الآخرين.. والأهم من كل ذلك أن الدين لن يضيع بين الخائفين عليه أو بين الخائفين منه..