فجأة انطلقت السهام النارية تجاه تجربة البنوك الإسلامية في مصر حيث يري بعض خبراء الاقتصاد ان تجربة البنوك الإسلامية محليا والتي تمتد لنحو 40 عاما أثبتت عدم نجاحها. و أن حصة هذه البنوك السوقية تتراوح ما بين 3% و4% فقط. وأرباحها لا تتعدي 1% مقابل أرباح وحصة سوقية كبيرة للبنوك التجارية. مستشهدين بأن في السعودية 90% من البنوك العاملة فيها ¢تجارية¢. بعد عدم نجاحها في تجربة البنوك الإسلامية خلال الثمانينيات. يري أصحاب هذا الرأي أنه لا فارق فني بين الصكوك الإسلامية وصكوك التمويل. حيث تحمل الأولي طابعاً إسلامياً والثانية طابعاً تجارياً باستثناء مدي الاتفاق مع معايير الشريعة الإسلامية. وأن كلتيهما يتم إعطاء فائدة بمقتضاها حيث تسمي فائدة للسندات وتسميها البنوك الإسلامية ¢إيجارة¢ وكلتاهما سواء من وجهة نظره. عقيدتي فتحت ملف البنوك الإسلامية وطرحت علي خبراء المال في جامعة الازهر وعلماء الدين قضية التجربة المصرفية الإسلامية وهل فشلت بالفعل في مصر ولماذا لم تساعد الإقتصاد المصري في تلك الفترة الحرجة التي يمر بها؟ أسئلة رصدنا إجاباتها في التحقيق التالي: يقول الدكتور رفعت العوضي : البنوك الإسلامية تجربة عمرها ما يقرب من أربعين عاما وعندما تنجح بشهادة المصرفيين الغربيين في الإستحواذ علي ما يقرب من خمس عشرة في المائة من الأموال المتداولة عبر المصارف العالمية فإن هذا يحسب لها وبقوة في مواجهة آلة إعلامية جبارة تروج للمصرفية الربوية وتشن حرب شائعات شرسة ضد المصارف الإسلامية بدعوي أن الإسلام دين لا علاقة له بمتطلبات العصر الحديث من اقتصاد وغيره. ويضيف د. العوضي أن من يقولون ان المصارف الإسلامية لم تساعد الحكومة المصرية في ازمتها واهمون بل بالعكس فإن المشروعات التي تقيمها المصارف الإسلامية علي قلتها هي من ساعدت في دعم الاقتصاد المصري في الفترة الماضية وكل ما تحتاجه تلك البنوك لتقديم مزيد من يد العون والمساعدة للاقتصاد المصري هو قيام الحكومة المصرية بإيجاد صيغة إسلامية للتعاون مع تلك البنوك حتي تستطيع البنوك الإسلامية المساعدة بحق في دفع عجلة الاقتصاد للأمام لا ان تكتفي بتقديم القروض مرتفعة الفائدة فحسب. إلي الخراب من جانبه يقول الدكتور محمد عبد الحليم عمر مدير مركز الإقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر : إن هذه الأزمة الطاحنة تؤكد أن الربا لا يؤدي إلا إلي الخراب والله تعالي ورسوله توعد الربويين بالحرب كما في قوله تعالي : "يأيها الذين أمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون" البقرة : 279 : 278. وها هي الحرب قامت في صورة إعصار مالي عالمي علي جميع المؤسسات الربوية والمتعاملين معها وللأسف الشديد فإن العرب والمسلمين اتبعوا الغرب في الترويج والإستثمار في الإقتصاد المالي والإبتعاد عن الإقتصاد الحقيقي رغم أن الإقتصاد الحقيقي وهو ما دعا إليه الإسلام يدور حول توفير السلع والخدمات لإشباع الحاجات الإنسانية من خلال وظائف اقتصادية مثل الإنتاج والتوزيع والإستهلاك وهذا الأمر يتطلب التبادل لأنه لا يوجد أحد يمكنه إنتاج ما يحتاجه من سلع وخدمات بنفسه والتبادل يحتاج إلي تمويل ومن هنا وجد الاقتصاد المالي لخدمة الإقتصاد الحقيقي ولكن السوق المالية انفصلت عن السوق الحقيقية وأصبح يتم التعامل في النقود والتمويل ذاته بيعا وشراءا من خلال المديونيات والإئتمان وترتب علي ذلك حجم التمويل المتاح من خلال الإئتمان أضعاف قيمة الإقتصاد الحقيقي مما أدي إلي خلل في التوازن بينها ولما كان الإقتصاد المالي أصبح لا يستند إلي قاعدة من الأصول وإنما إلي أهرامات من الديون الربوية التي ركبت بعضها فوق بعض في توازن هش ومن أجل كسب المزيد من العوائد في صورة فوائد ربوية وفروق أسعار لذا فإنه عند وجود خلل في إحدي حلقات الديون المركبة كما حدث في توقف المقترضين في سوق التمويل العقاري عن سداد القروض فانهار البناء المالي بكامله وحدثت الأزمة . أما في الإقتصاد الإسلامي فإن أي تيار مالي لابد أن يقابله تيار سلعي في ربط محكم ولا يسمح الإسلام بجني أرباح من خلال التيارات المالية وحدها وإلا كان هذا ربا ولذا جاء القرض الحسن الذي يمثل تيارا ماليا شرع من أجل سد حاجة المقترضين للإنفاق علي السلع والخدمات وبدون أن يحصل المقرض علي زيادة علي قرضه. سبب الفشل ويري الدكتور نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية أن البنوك الإسلامية لم تفشل بالمعني المتعارف عليه والدليل أن الكثير من البنوك التقليدية اضطرت لفتح نوافذ اسلامية بعدما اكتشفت مدي الاقبال علي البنوك الإسلامية وإن كانت بعض البنوك الإسلامية فشلت في التطبيق الكامل لمباديء وأحكام المال في الشريعة الإسلامية فإن هذا لا يعني أبدا أن التجربة بكاملها قد فشلت بالعكس فالشواهد تؤكد نجاح المصرفية الإسلامية فقط التجربة تحتاج إلي مزيد من الوعي والمساعدة من جانب الحكومة فللأسف فإن الحكومة لا تعمل علي مساعدة تلك البنوك في عملها وتطبق عليا لبنوك الإسلامية نفس قواعد ومعايير البنوك التقليدية وهو ما يؤدي إلي وجود أعباء عديدة علي البنك الإسلامي فهو يدفع ضرائب من ناحية ومن ناحية أخري يلتزم بغخراج زكاة المال وبالبطع فغن كل ذلك يتم حسابه من أرباع الإستثمارات وهو ما يؤدي إلي قلة الارباح مقارنة بفوائد البنوك الربوية التي لا تدفع إلا الضرائب المستحقة . ويطالب الدكتور واصل الحكومة المصرية ومعها الحكومات العربية بمحاولةا لعمل علي إيجاد آلية خاصة للتعامل مع البنوك الإسلامية تتيح لها العمل بسهولة ويسر وإذا تم إيجاد تلك الآلية فلن يمر وقت طويل إلا وستجد كل البنوك في مصر إسلامية وستطبق وقتها المباديء الإسلامية بما يصب في صالح الإقتصاد المصري والعربي لان البنوك الإسلامية لن تشارك وقتها إلي في المشروعات التنموية الحقيقية بعكس البنوك الربوية التي تشارك في المشروعات الاستهلاكية التي تأخذ من سيولة الخزانة المصرية علي حساب مشروعات التنمية . الرقابة الشرعية ويري الدكتور عبد الفتاح الشيخ رئيس لجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية أن البنوك الإسلامية لم تفشل ولكنها تتعرض لعدة مشكلات بعضها متعمد لإفشالها والبعض الاخر بسبب قصور الرؤية لدي القائمين ومن امثلة ذلك عدم الإحاطة بقواعد المعاملات الإسلامية. من قبل جميع العاملين في المصارف الإسلامية. في هذا الوقت الذي تعقدت فيه الصور التجارية. وانتشرت أنواع جديدة من المعاملات التجارية كبطاقات الائتمان. والحسابات بأنواعها. والتجارة الإلكترونية التي لا توجد لها أحكام في المصادر الفقهية القديمة. وإن وجدت الأحكام فإن المصرفيين القائمين علي النشاط المصرفي غير مؤهلين للكشف عنها بأنفسهم ولابد أن يعي القائمون علي المصارف الإسلامية أن وجود الرقابة الشرعية في المصرف يعطي المصرف الصبغة الشرعية. كما يعطي وجود الرقابة ارتياحا لدي جمهور المتعاملين مع المصرف. بينما قد تظهر كيانات مالية واستثمارية غير جادة تنص نظمها الأساسية وقوانين إنشائها علي أنها تعمل وفقا لأحكام الشريعة. دون وجود رقابة تكفل التحقق من ذلك فالرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية أمر ضروري ومهم. ولا تقوم البنوك الإسلامية إلا به. والرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية لها مرجعيتها. وإن اعتماد المعايير الشرعية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية والإسلامية في البحرين أمر جد ضروري» لأنه يضبط معاملات البنوك الإسلامية. ويوحد الفتاوي الصادرة عن هيئات الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية. ويقلل الخلافات بينها. إزعاج يقول الدكتور حسن الشافعي رئيس مجمع اللغة العربية : لابد أن نعي أن نجاح المصارف الإسلامية أزعج الكثيرين ولهذا فهم لا يتركون فرصة دون محاولة النيل من تلك المصارف سعيا للقضاء عليها ومن وسائلهم في ذلك الشائعات الخبيثة ولهذا فأنا أؤكد بداية أنه قد آن الاوان أن تقوم الحكومات العربية بدعم تجربة المصارف الإسلامية بالفعل لا بالقول فحسب وأن تفكر جديا في صبغ كل تعاملاتها الإقتصادية بالصبغة الإسلامية إن لم يكن من أجل الربح فليكن من أجل أن يرضي الله عنا . أما القول إن المعاملات المالية من خلال المصارف الإسلامية قد تتشابه مع مثيلتها المعروضة من البنوك الأخري فمردود عليه بأن الفرق واضح للغاية بينهما في أسلوب التطبيق والعلاقة بين المصرف والعميل ففي حالة المصارف الأسلامية تكون العلاقة في معظم المعاملات المالية هي علاقة شراكة متساوية في الحقوق والواجبات وتؤكد أنه لن يربح أو يخسر طرف علي حساب الطرف الآخر . وهو ما لايتحقق بالنسبة لنفس المعاملات المالية مع البنوك فالمصارف الإسلامية تعمل في ظل نظام الإقتصاد الإسلامي والذي بني علي مباديء الشريعة الإسلامية والتي تقضي بالمساواه بين جميع أفراد الشعوب في تعاملاتها المالية والتجارية وتضمن لكل ذي حق حقه وبما يحقق العدالة الاجتماعية إضافة إلي أننا لابد ألا ننكر سعادتنا في وجود المؤسسات التي تراعي شرع الله في معاملاتها وهي تسير علي الدرب الصحيح وتنتقل من نجاح الي نجاح ومن امثلة ذلك البنوك الاسلامية وهناك العديد من الدراسات والإحصاءات التي تحدثت عن ذلك بالفعل والدليل علي ذلك ان البنوك التقليدية التي تتعامل بالفوائد الربوية اضطرت مؤخرا الي تخصيص فرع او أكثر للمعاملات الإسلامية في محاولة لجذب رؤوس أموال المسلمين الذين يرفضون التعامل بالربا وهذا كله يؤكد ما سبق وقلناه عن عظمة الشريعة الاسلامية وقدرتها علي بناء مجتمع قوي ومتماسك من كافة الوجوه اقتصاديا واجتماعيا .