إستنزف الإسلاميون كثيرا من رصيدهم عند الشعب المصري بعد ثورة 25 يناير وتحول التعاطف مع الجماعات وأتباع التيارات الدينية التي لاحقها ونكل بها وحاصرها جهاز أمن الدولة في عهد حبيب العادلي.. إلي غضب وسخط علي هذه الجماعات التي علا صوتها وزاد ضجيجها وتعددت سلوكياتها المرفوضة التي تخوف الناس من الاسلام وتدفعهم إلي فقدان الثقة في أية جماعة ترفع شعارات دينية. لقد سبق وحذرت في هذا المكان من النزاع والخلاف والتشاحن بين الجماعات الدينية في مصر وقلت إن هذا التشاحن وحده كفيل بتسوية الوجه المشرق لمناخ الحرية الذي تعيشة مصر بعد الثورة.. وحدث ما حذرت منه حيث بدأ نذير حرب طاحنة بين هذه الجماعات خلال الأيام الماضية فالصوفيون أعدوا العدة للتصدي للسلفيين إذا ما طالت أياديهم أضرحة جديدة وعقدوا عدة اجتماعات وتناسوا خلافاتهم الداخلية ووحدوا جبهتهم ضد الخطر القادم من السلفيين علي حد تعبير أحدهم في قناة فضائية. جماعة الاخوان المسلمين هي الأخري شنت هجوما علي السلفيين وانتقدت سلوكياتهم وطالب الدكتور عصام العريان أحد قادة الجماعة السلفيين بمراجعة موقفهم وسلوكياتهم المفروضة حتي لا يكونوا فزاعة جديدة لتخويف الناس. أيضا جماعة الإخوان هي الأخري تعرضت لانتقادات وهتافات معادية من الجماهير في ميدان التحرير وفي عدد من وسائل الإعلام خلال الأيام الماضية بسبب تأجيجها للاحتجاجات وإصرارها علي استمرار المظاهرات وزيادة حالة الفوضي في البلد.. رغم أن الشعب المصري تعاطف كثيرا مع قيادات ورموز الجماعة الذين تعامل معهم النظام السابق بكل عنف وقسوة ونكل بهم دون مبرر وكانوا ضيوفا دائمين علي السجون بدون تهم حقيقية. الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد خسر كثيرا هو الآخر بعد الضجيج الاعلامي الذي صاحب خروج عبود وطارق الزمر من السجن ودفع كثيرا من الناس إلي المطالبة بمقاطعة هذه الجماعة التي تتبني كما يقولون فكر التكفير الذي ينشر الرعب والخوف بين فئات المجتمع المصري. أعلم أن بعض هذه التخوفات مبالغ فيها وأن الإسلاميين الذين حرموا من الحرية خلال عقود مضت لا يشكلون خطرا علي أهلهم لو التزموا بمنهج الإسلام الوسطي الذي تميزت به مصر الأزهري عبر العصور.. لكن سوء تقدير وتصرف بعض عناصر هذه الجماعات وأتباع التيارات الدينية هو الذي يجلب لهم سوء الظن وهو الذي يخوف الناس منهم. بعد صلاة الجمعة الماضية التي أديتها في مسجد يخطب فيه أخ سلفي سألني أحد الجيران أثناء العودة من المسجد: هل عجبك كلام خطيب الجمعة؟ قلت له: لي عليه ملاحظات بالتأكيد وخاصة وأنه يعظ الناس ويسير بهم إلي طريق الهداية وهذا يفرض عليه أن يكون موضوعيا ويحترم خصوصية المنبر الذي يقف عليه.. لكن علينا أن نلتمس العذر لهؤلاء الذين حرموا من حرية الكلمة لسنوات طويلة بسبب جبروت النظام السابق وعندما سنحت لهم الفرصة لم يستغلوها بالشكل الأمثل. رد علي جاري بانفعال: هل منابر المساجد هي المكان المناسب الآن للحديث عن تجاوزات الرئيس السابق وزوجته وإبنيه؟.. يكفي ما نقرأه ونسمعه ونشاهده كل يوم في كل وسائل الإعلام المصرية عن مافيا الفساد التي حكمتنا طوال عقود مضت.. لكننا نذهب إلي المساجد لنعيش في أجواء دينية بعض الوقت.. لنستمع إلي موعظة دينية تفيدنا في حياتنا التي أصبحت كلها مخالفات وتجاوزات.. نريد أن نعرف بعض ما قاله الله ورسوله لتنظيم حياتنا وضبط سلوكياتنا اليومية التي صارت زفتا وقطرانا.. خسيب المسجد كما سمعت يردد ما تنشره الصحف ومواقع الانترنت عن الفساد الكبار ونحن مللنا من الكلام عن الفساد والفاسدين حتي أصبح الانسان يشك في نفسه وفي كل المحيطين به. لم أجد ما أرد به علي جاري العزيز.. فمعه كل الحق في ملاحظاته علي آداء خطيب الجمعة "السلفي" الذي نفس عن نفسه وجلب لنا المزيد من الإحباط. كل هذه التجاوزات الفكرية والسلوكية للجماعات والتيارات الدينية المتصارعة في مصر الأن تؤكد أن هؤلاء يستنزفون كل يوم من رصيدهم من ثقة الناس ولو استمروا علي هذا الحال فسوف يكونوا أكبر الخاسرين من الثورة. يارب ** اللهم إني أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رهبة ورغبة إليك لا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك.. اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت. من دعاء النبي صلي الله عليه وسلم عند النوم.