ان لانتصار علي هوي النفس وكيد الشيطان مهمة عسيرة وهو الهدف الأسمي الذي يسعي إلي تحقيقه كل مسلم. في هذه الحياة الزاخرة بصنوف الفتن. ومن هنا جاء تبشير الرسول الكريم لنا بأعظم بشري نتوق إليها جميعاً وهي محبة الله ورحمته و عطفه. حيث يعد الرسول صلي الله عليه وسلم أصنافاً سبعة من الناس بالراحة والأمن والأنشراح. وهذه الأصناف السبعة ما هي إلا أمثلة ونماذج للإنسان الذي يمر به وضع خاص أو حالة من الحالات التي يصعب عليه تجاوزها بسلام. ولكنه يلتزم فيها بأمر الله عزوجل فلا يسقط في حبائل الشيطان الذي لا يقدر عليه إلا صاحب العقيدة الراسخة والإيمان العقيق المستنير. ومما لا شك فيه أن النبي صلي الله عليه وسلم لا يقصد بالسبعة حقيقة العدد وإنما التمثيل. فقد أشار في مواضع عدة إلي نماذج أخري من الناس. أعد لهم ربهم هذا النعيم منها قوله عليه السلام: "من أنظر معسراً أو وضع له. أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله". وهذه الأصناف السبعة هي: أولاً: الإمام العادل. فقد افتتح الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم قائمة الصالحين الموعودين برحمة الله عزوجل بالإمام العادل صاحب الولاية العظمي الذي جاءته السلطة عن طريق مشروع فلم يفرض علي الأمة فرضاً. بل اختارته حرة غير مكرهة. وبايعته عن رضاً وقناعة ليحكم فيها بشرع الله. إن الإمامة العظمي العادلة أساس العمران والحضارة والدنيا وهي وحدها الكفيلة بإقامة المجتمع الرباني الذي يسعي الإسلام إلي تحقيقه. فتطبق فيه قيمه ومبادئه وبها ينتشر الأمن بعد الخوف. والعدل بعد الجور. وفي القرآن الكريم نماذج شتي لمن أوتوا الحكم فلم يعطوه حقه. واغتروا به فكانوا من الخاسرين» وإلي جانبهم أمثلة للحاكم والمسئول العادل الذي جعل السلطة تكليفاً لا تشريفاً. فرعاها حق رعايتها. وقدرها واستخدامها رغم إغراءاتها في خير الإنسان دنيا وآخرة. مستحضراً قول النبي صلي الله عليه وسلم : "أربعة يبغضهم الله يوم القيامة.. وذكر منهم الإمام الجائر". وثانياً: الشاب الذي نشأ في عبادة الله. فالشاب هو المرحلة الصعبة من حياة الفرد. فهي فترة المراهقة. بما فيها من ثورة الغرائز. وتحرك الشهوات والجري وراء اللذة الفانية والاندفاع وراء مغريات الحياة وزينتها. لقد أقرت واقعية الإسلام بأن عاطفة الشاب والشابة قد تناسق بهما وراء إغراءات الشيطان الذي يسهل عليه أن يستحوذ عليهما ويقنصهما بأساليبه ومكره. فلا يقف في وجهه إلا شاب نشأ في عبادة ربه وتحصن بالتربية الدينية فاكتسب عقيدة صافية. وإرادة قوية أساسها الثقة في الله تعالي ونصره وشباب المسلمين في صدر الإسلام ".. شباب والله مكتهلون في شبابهم غضيضة عن الشر أعينهم. بطيئة عن الباطل أرجلهم. أنضاء عبادة. وأطلاح سهر. قد نظر الله إليهم في جوف الليل منحنية أصلابهم علي أجزاء القرآن إذا مر أحدهم بآية فيها ذكر الجنة بكي شوقاً إليها وإذا مر بآية فيها ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم في أذنيه.." وثالثاً: رجل متعلق قلبه بالمساجد. وهو رجل لا يجد راحته إلا في بيوت الله. يقيم فيها صلاته ويذكر ربه. فإذا خرج من مسجد يظل في شوق إليه لا يتأخر عن الجماعة ولا يتقاعس عن حضور حلقات الذكر والعلم. يدرس فيه كتاب الله ويخلو فيه إلي نفسه يحاسبها عما فرطت في جنب الله عزوجل. ورابعاً: التحاب في الله. فقد تختلف موازين الإسلام للأمور عن موازين غيره. فإذا كان شأن أكثر الناس أن يقيموا علاقاتهم علي أساس المصلحة الدنيوية بل ويتبادلون المحبة فيما بينهم علي هذا فإن الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم يدعو إلي التحابب في الله. ويرفض المقاييس المادية الجامدة. للمشاعر الإنسانية. فيقيم العلاقات بين الأفراد علي ما هو أدوم لها. ويجعلها في سبيل مرضاة الله تعالي والرغبة فيما عنده. إن الحب في الله بين المسلمين فريضة من الله لا تقل أهمية عن الصلاة والزكاة والجهاد. خامساً: رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه بالدموع. وهو الصنف الخامس من المكرمين يوم القيامة رجل فكر في أمره. وفيما قدمت يداه فاستشعر عظمة الله تعالي. وتذكر حقه عليه من الطاعة والعبادة. وحاسب نفسه فوجدها مقصرة في جنب الله. منكرة لجميله إزاء نعمه. زاهدة فيما عنده. ومقبلة علي الدنيا الفانية فبكي علي ذلك تعبيراً عن معاني الخوف والتوبة والرجاء. إن "الذكر" الذي عناه رسول الله الكريم أكثر من مجرد النطق بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها "كالباقيات الصالحات" ونحوها. وهي أكثر من المواظبة علي العمل بما أوجبه أو ندب إليه كتلاوة القرآن ومدارسة العلم والتنفل بالصلاة. إن الذكر المقصود هو ما كان باللسان نابعاً من القلب مع استحضار معاني ما يذكر من تعظيم الله ونفي النقائض عنه وسادساً: رجل دعته امرأة ذات حسن وجمال فقال: "إني أخاف الله". أنها فتنة عظيمة وامتحان عسير أن تبادر المرأة فتراود الرجل عن نفسه وتدعوه إلي اللذة الحرام. هذه المرأة التي طالما سجد عند أقدامها أقوي الرجال إرادة وعزيمة إن الشيطان ليزين صنيع الغواني. ويأتي الرجال من قبلهن. ويسهل عليه غوايتهن لتيقنه أن الرجل خلق ميالاً إليهن لحكمة أرادها الله عزوجل. إن رجلاً يجد نفسه وجهاً لوجه مع امرأة فاتنة وفي ريعان شبابها أوتيت حسناً ونسباً وجمعت كل دواعي الغواية والإغراء. ولا أحد من الناس يرقبه حتي يخاف الفضيحة في الدنيا. إنها لحظات امتحان عسير قد يعيشها.