أفسدت الأمطار الأيام الأولي لمهرجان » كان« بغزارتها الشديدة التي لم تتوقف طوال الوقت مما أصاب الكثيرين من النقاد والصحفيين الذين يبلغ عددهم مايقرب من أربعة آلاف وخمسمائة بالبرد والسعال.. في انتظارهم الطويل لمشاهدة فيلم بعد الآخر.. بينما لم تزعج هذه الأمطار الصفوة من النجوم الكبار.. وكان التنافس بين نجوم العالم علي أكثر الملابس أناقة وإثارة وهو مالم يمنع أيضا الجمهور العريض من الانتظار أمام قصر المهرجان، مرتدين ملابس السهرة بحثا عن تذكرة لمشاهدة فيلم هنا وهناك والصعود علي السلالم الشهيرة.. معظم الأفلام التي عرضت حتي الآن مليئة بالعنف والشذوذ الجنسي.. وهي ظواهر باتت تشاهد في الكثير من الأفلام ومن بين الأفلام المميزة التي عرضت ومرشح بقوة للسعفة الذهبية الفيلم الإيراني »الماضي« للمخرج »أشجار فرحاتي« وبطولة النجم الصاعد »طاهر رحيم« وبيرنيس بيجو« والإيراني »علي مصطفي« وهو أول فيلم يقوم بإخراجه »أشجار« خارج إيران.. وتم تصويره بالكامل في إحدي ضواحي باريس.. وذلك بعد النجاح الساحق الذي حققه فيلمه الأخير »انفصال« الذي حصل به علي جائزة »الدب الذهبي« من برلين.. و»السيزار« من باريس.. وأوسكار من هوليوود.. هاهو ينتظر السعفة الذهبية في »كان« حيث إنه مرشح لها بقوة »أحمد« يعود إلي فرنسا بعد غياب أربع سنوات أمضاها في إيران ليوقع علي الأوراق الخاصة بطلاقه من زوجته الفرنسية »ماري« التي قام بتربية ابنتها الكبري وإن كان لديه منها طفلة صغيرة... يفاجأ »أحمد« بأن ماري علي علاقة بشخص آخر تريد الزواج منه ويقيم معها في نفس المنزل مع ابنه الصغير.. يستطيع أحمد اكتساب ثقة الجميع ويصبح هو الوحيد القادر علي حل مشكلة الابنة الكبري التي باتت لا تتفق مع والدتها ولا »سمير« هذا الرجل الذي تعتبره غريبا عنها تماما.. »أحمد« يدرك جيدا إنه لم يخلق ليعيش خارج إيران مغتربا مهاجرا.. ولذلك انفصل عن »ماري«.. أما ماري وهي حامل من »سمير« إلا أنها تريد الاستقرار والزواج من جديد.. لكن في نفس الوقت هناك زوجة في غيبوبة كاملة لا تشعر بشيء حولها.. وذلك علي إثر محاولاتها الانتحار نتيجة لحالة من الاكتئاب.. نكتشف ازديادها بمعرفة أن »سمير« علي علاقة ب »ماري«. وتتشابك الأحداث عندما تصرح »لوسي« ابنة »ماري« لأحمد إنها السبب في انتحار زوجة »سمير« حيث أرسلت إليها »الإيميلات« المتبادلة بينه وبين والدتها.. وبالتالي تشعر بالذنب الشديد.. لكن أحمد يحاول تجميع الخيوط.. لتعرف في النهاية بأن العاملة التي تعمل معه في محل التنظيف هي التي قامت بالرد علي لوسي وأعطتها الإيميل. وفي نهاية مفتوحة نجد أن الصغير فؤاد يعود ليقيم مع »ماري«.. بينما يذهب »سمير« في محاولة مستميتة لكي تفيق الزوجة من غيبوبتها عن طريق حاسة الشم للعطر الذي تفضله عليه.. لتسيل دمعتها كنوع من الإيجاب بأنها تدرك.. لكن هذا لايعني أنها بالضرورة ستعود للحياة.. وهل سيبقي »سمير« معلقا بينها وبين »ماري«.. أسئلة كثيرة يتركها المخرج مع علامات استفهام للمشاهد كل يتخيلها وفقا لما يشاء لأنها هكذا هي الحياة.. بواقعها المتناقض. لقد نجح تماما »أشجار« في اختيار أبطاله »فطاهر رحيم« يعد من أفضل الممثلين الشباب استطاع أن يلفت إليه الأنظار منذ أول فيلم قام ببطولته »النبي« الذي عرض في مهرجان كان سنة 9002 إخراج »چاك أوديار« والحائز علي الجائزة الكبري »لكان« والذي قوبل بحفاوة بالغة.. كما حصل »طاهر« عن نفس الفيلم علي جائزة سيزار لأفضل ممثل شاب.. وأيضا جائزة »باتريك ديور« وهذا يعد رابع فيلم يقوم ببطولته أما علي مصطفي« فقد بدأ حياته 1991 ممثلا ثم قدم بعد ذلك عدة أفلام تسجيلية وقصيرة.. كما قام بإخراج فيلمين روائيين الأول »صورة لامرأة من بعيد«.. والثاني »الخطوة الأخيرة« وقد شاركت في بطولتهما زوجته »ليلي حاتمي«. إن فيلم »الماضي« يظل واحدا من أجمل الأفلام الإنسانية الذي عرض بالمهرجان هذا العام.. و لولا أن مخرجه إيراني لاستطعنا أن نضع مكانه أي جنسية أخري فهو ليس عن أسرة فقط بل عن مهاجرين لا يستطيعون الابتعاد عن أوطانهم مهما كانت جراحهم منها.. لايحبون الغربة ولا يقدرون عليها.. مهما كان مايحيط بهم من أجواء عائلية. »صوفيا كوبولا« بعيدة عن المنافسة »صوفيا كوبولا« إبنة المخرج العظيم »فرانسيس فورد كوبولا«.. تعود للمرة الثالثة للمشاركة في مهرجان »كان« لتعرض خامس أفلامها »the Bling ring« في برنامج »نظرة ما« ليكون فيلم الافتتاح لهذا القسم.. صوفيا شاركت المرة الأولي في »كان« سنة 9991 من خلال فيلمها »Virgin suicides« في قسم اسبوعي المخرجين.. أما المرة الثانية فكانت سنة 6002 بفيلمها »ماري أنطوانيت« وقد اختارت صوفيا هذه المرة حادثة حقيقية وقعت أحداثها في »لوس أنجلوس« منذ عدة سنوات وهزت المجتمع الأمريكي وهي عن عدة سرقات ارتكبها مجموعة من الشباب المراهقين جميعهم أعمارهم لا تتعدي السابعة عشرة »أربع فتيات.. وشاب« قاموا بالاستيلاء علي مجوهرات وملابس قيمتها ثلاثة ملايين جنيه من بيوت مشاهير الفنانين وذلك عن طريق الإنترنت بعد معرفة »الأجندة« الخاصة بسفرياتهم وغيابهم عن منازلهم ومن بين المنازل التي تمت سرقتها »باريس هيلتون، أورلاندو بلوم، راشيل بيلسون«. في البداية تقول صوفيا إنها قرأت أخبار هذه العصابة الصغيرة دون أن تعطيها أهمية كبري.. لكن فقط عند قراءة مقال للصحفية »نانسي جوسيلز« في »فانيتي فير« أثار الموضوع اهتمامها فقامت بالاتصال بها والتي أبدت رغبة كبيرة في التعاون معها وبالفعل أعطتها حصيلة لقاءاتها والأبحاث التي توصلت إليها.. وعلي الرغم من أن الفيلم شديد الخفة إلا أن المؤسف والمحزن أن هؤلاء المراهقين الخمسة لم يقوموا بالسرقة بدافع الاحتياج لكن فقط للرغبة في التمتع بارتداء أحدث الأزياء والنظارات والأحذية.. وتقليد المشاهير من النجوم الذين يغرم بهم معظم هؤلاء المراهقين.. إن الفيلم يعكس واقع المجتمع الأمريكي الواقع تماما تحت الإعلام وقد باتت اليوم مئات الجرائم التي تستخدم التكنولوجيا الحديثة.. وهكذا يتطور اللصوص من المحترفين والهواة.. كما تتطور الأدوات والوسائل.. ويبقي فيلم »صوفيا كوبولا« حالة من مجتمع الرفاهية .. لكن بعيدا عن المنافسة القوية لأي من الجوائز. ❊ بعد يومين من بداية المهرجان شهد الشاطئ اللازوردي أكثر من حادثة مفزعة.. الأولي عندما أطلق أحد الحاضرين طلقات نارية بالقرب من الشاطئ حيث يوجد استديو »كنال بلوس« فكان أن قطع الإرسال وساد هرج ومرج بين الحاضرين بعد حالة من الذعر الشديد لكن لم تسفر الأمور عن مصابين وتم اعتقال الشخص الذي قيل إنه »مخبول«.. ولم تكد الأمور تهدأ بعد حتي كانت كلها تتحدث عن السرقة التي حدثت »لشوبار« الجواهرجي الشهير الذي يعير مجوهراته لكبار النجوم أثناء المهرجان.. كما إنه هو الذي يصنع السعفة الذهبية من الذهب الخالص.. المجوهرات المسروقة كانت توضع في خزينة خاصة بالجناح الذي استأجره »شوبار« في فندق »سوفيتيل«.. وقد تم اقتحام الجناح عبر الغرفة المجاورة وبلغت قيمة المسروقات أكثر من »مليون يورو« وقد شهدت مدينة »كان« حادثة سرقة مروعة سنة 9491 عندما سرقت مجوهرات »البيجوم أغاخان« والتي بلغت قيمتها في ذلك الوقت »ستة ملايين يورو«.. أما في سنة 0102 فقد تعرض محل المجوهرات الخاص »بشوبار« للهجوم من قبل أحد الأشخاص وتمت سرقة مجوهرات بتسعمائة ألف يورو.. إلا أن الرجل تم القبض عليه وحكم عليه بالحبس خمس سنوات.. ولذلك لدي »شوبار« والعاملين معه إحساس قوي بأنهم سوف يعثرون علي الفاعلين والقبض عليهم. فرنسا كلها تعيش علي سطح صفيح ساخن.. وذلك بعد أن تمت الموافقة علي قانون زواج »المثليين« وإقرار القانون لتصبح الدولة الرابعة عشرة في العالم التي تجيز هذا الزواج.. وقد أقيم علي شاطئ الكروازيت »بكان« مظاهرة خاصة للاحتفال بهذا الفوز وفي الوقت نفسه ينظم »اليمينيون« مظاهرة مضادة ضد هذا القانون.. وقد تصادف أن عرض هذا العام كما في الأعوام السابقة فيلم عن علاقات المثليين بعضهم ببعض.. الفيلم الفرنسي »غريب في البحيرة« للمخرج »آلان جيرودي« و ذلك في قسم »نظرة ما« الفيلم أعطاه النقاد عددا كبيرا من النجوم ووصل الأمر لترشيحه للسعفة الذهبية.. وإن كنت علي المستوي الخاص لم أعجب به وأراه متوسطا في كل شيء ربما بحكم الثقافة والتربية والتكوين. إنه أقرب لأفلام العري وهو يعتبر السادس في سلسلة أفلام »آلان جيرودي«.. والثالث الذي يجيء به إلي »كان« حيث شارك من قبل في ثلاث دورات من خلال أسبوعي المخرجين الأول سنة 1002 والثاني سنة 3002 والثالث سنة 9002 والفيلم يقوم ببطولته كل من فرانك دولادو شان.. كريستوف باو.. »وباتريك داسومساور«. وتدور أحداثه وسط الغابات التي تحيط ببحيرة هي مكان وملتقي الرجال المثليين.. وتحدث جريمة قتل حيث تلعب الغيرة دورا فيها.. و ذلك عندما يقع فرانك في غرام »ميشيل« لكن هذا الأخير قاتل محترف لا يتورع عن ارتكاب أي جريمة.. جميلة.. ولكن في الوقت الذي غرقت فيه أفلام في الجنس دون أي مضمون حقيقي كان فيلم »فرانسوا أوزون« الفرنسي »صغيرة.. وجميلة..« بقدر ماهو صادم في حكايته إلا إنه أشبه بالمعالجة النفسية لفتاة بلغت السابعة عشرة من عمرها وهي تحاول أن تكتشف جمال جسدها والتغييرات التي طرأت عليه.. وعن طريق »النت« والمحادثات المتبادلة.. تبدأ في ممارسة الجنس والدعارة دون أن تدري أسرتها شيئا أو أحد من أصدقائها.. حتي هي لاتدري لماذا هذا الاتجاه والانحراف في الاتجار بجسدها.. حتي اليوم الذي تلتقي فيه »بجورج« الذي يكبرها كثيرا في العمر.. لكن لقاءاتهما المتكررة خلقت بينهما نوعا من التجانس.. حتي يجيء يوم يصاب بأزمة قلبية ويتوفي وهي معه.. تهرب خائفة.. وسرعان ما يكتشف البوليس الأمر ويخبر والدتها لتبدأ رحلة العلاج النفسي.. إنها حالة من الضياع نتيجة للتفكك الأسري.. واعتقاد بعض الآباء أن ذلك لن يؤثر علي الأطفال ماداموا في سن صغيرة.. حتي لو استبدلوا آباءهم أو أمهاتهم بآخرين. لقد نجح »فرانسوا أوزون« في أن يقودنا لعالم المراهقة لنكتشف معه إلي أي مدي من الممكن أن يصل الأمر بهؤلاء الصغار الذين تخطوا مرحلة الطفولة وباتوا علي أعتاب الشباب.. في محاولة لثورتهم من الممكن أن يؤذوا مشاعرهم ويقضوا علي أشياء جميلة فيهم تخصهم قبل الجميع ولقد كان »أوزون« موفقا للغاية في اختيار بطلة فيلمه الشابة »مارين فاتس« وكذلك الأم جيرالدين يبلاس« التي تعد واحدة من مشاهير السينما الفرنسية وعملت مع العديد من المخرجين. يبقي هذا الفيلم وبطلته الصغيرة من مستحقي جوائز المهرجان عن جدارة.
بعد فيلمه »مولان روج« أو »الطاحونة الحمراء« يعود المخرج باز لورمان بفيلمه »جاتسبي العظيم« بطولة ليوناردو دي كابريو وتوبي ماجواير وكاري موليجان ليفتتح به مهرجان »كان« دورته السادسة والستين وهو رواية للأديب العالمي فرانسيس سكوت فيتزجيرالد.. تبدأ الأحداث في ربيع عام 1922 حين نري الكاتب نيك كاراويه يستقر في نيويورك بجوار مليونير غامض »جاي جاتسبي« الذي يستغل وجود كاراويه ليتقرب من ابنة عمه ديزي.. حبيبته القديمة التي رفضته لقلة إمكانياته المادية وفضلت عليه الملياردير الشهير توم بوشنان.. كتبت الرواية بين عامي 1922 1923، وقدمت للسينما ثلاث مرات من قبل كانت الأولي عام 1926 في فيلم صامت قام ببطولته وارنر باكستر ولويس ويلسون. والفيلم الثاني كان عام 1949 بطولة آلن لاد وبيتي فيلد والفيلم الثالث الأكثر شهرة أنتج عام 1974 وقام ببطولته روبرت ريدفورد ومايا فارو.. وضع موسيقي الفيلم جريج أرمسترونج.. وبالرغم من أن نسخة الرواية المنتجة عام 2013 هي الأكثر إبهاراً في الإنتاج والأكثر روعة في الإخراج إلا أنها لا تعد أكثر من فيلم تجاري.