موجات غير مسبوقة من العنف والسلوكيات المنحرفة قد انتشرت بين طلاب المدارس، حتى باتت الأخبار اليومية لا تخلو من مشاهد صادمة.. طلاب يتشاجرون بالسكاكين، آخرون يهاجمون زملاءهم داخل الفصول.. وأحيانًا - كما في الحادث المروّع الذي شهدته الإسماعيلية مؤخرًا - تصل الأمور إلى تقطيع طفل لزميله بمنشار بعد خلاف بسيط! حادث لم يصدقه الكثيرون، لكنه لم يعد استثناءً، بل علامة على خللٍ تربوي ومجتمعيٍ خطير يتفاقم بصمت في مدارسنا وشوارعنا. لم تعد متابعة الأبناء أولوية لدى كثير من الأسر، ولم تعد جلسات الحوار العائلية ولا مراقبة سلوكيات الأبناء وأصدقائهم جزءًا من الحياة اليومية.. حتى إن الأهالي – من طبقات اجتماعية مختلفة- صارت لا تعرف على الأبناء شيئًا.. فهم يطلقونهم في الشوارع ليلاً ونهاراً دون حتى السؤال عنهم.. بالتزامن مع ذلك فقدت المدرسة دورها كمصدر للتربية قبل التعليم، وتحولت إلى مكان لتجميع الدرجات والشهادات لا لغرس القيم والانضباط.. حتى إن صوت الجرس، الذي كان يومًا رمزًا للنظام والانضباط، أصبح يُغطي عليه صوت الصراخ والمشاجرات، وأحيانًا صفارات سيارات الإسعاف أمام بوابات المدارس. جيل اليوم لا يتربى في حضن الأسرة بقدر ما يتربى على شاشات الهواتف والألعاب الإلكترونية القتالية، حيث البطل هو من ينتصر بالعنف، والاحترام يُترجم إلى «خوف» وتنمر على صاحبه. تضاعف تأثير محتوى السوشيال ميديا الذي يُمجد القوة والضرب والانتقام، حتى صار بعض الطلاب يقلدون مشاهد «الترند» بحثًا عن شهرة مؤقتة، ولو على حساب إنسان. الأزمة لا يتحملها طرف واحد.. فالأسرة - وهى الأساس- تخلت عن دورها دون إدراك أن ما تزرعه اليوم سوف تحصده غداً، والمدرسة فقدت هيبتها، والإعلام والمجتمع يروجان لصورة «البطل العنيف»، بينما تغيب القدوة والقيمة والانضباط.. فالطالب الذي يضرب اليوم، لا يتردد غدًا في أن يؤذي.. ما يحدث اليوم بين أطفالنا ليست مشاجرات أو مناوشات بين مراهقين.. كما يحلو للبعض أن يصفها.. بل ناقوس خطر يدقّ في وجه الجميع. فكل طفل يمارس العنف اليوم، هو مشروع مجرم غدًا إن لم يجد من يرشده ويعلمه أن الرجولة لا تُقاس بالقوة، بل بالخُلق والمسؤولية. آن الأوان لنعيد للمدرسة دورها كمؤسسة تربي قبل أن تُعلّم، وللأسرة حضورها كمصدر حب واحتواء لا مجرد بيتٍ يُؤوي، وللإعلام دوره كصوت وطني يواجه الانفلات لا يُغذيه.. يجب أن تعود القيم إلى المناهج، وأن تُفعَّل أنشطة المدرسة التي تُنمّي روح الفريق والانتماء.. نحتاج إلى أن نعلّم أبناءنا من جديد أن القوة ليست في الضرب، بل في ضبط النفس، وأن الرجولة ليست في العنف، بل في الاحترام.. فالمجتمع الذي يترك أبناءه يتعلمون العنف، هو مجتمع يزرع بذور انهياره بيده.