في صراحة صادمة، تكشف هذه الحلقات عن علاقات قامت بين عبدالناصر وإسرائيل، ويرجع تاريخ هذه العلاقة إلي أيام حصار الفالوجا وحرب فلسطين الأولي، وكيف تم التآمر للقضاء علي الإخوان المسلمين وإخراجهم من حرب فلسطين..؟ وكيف تم التخطيط والتدبير لقتل البطل أحمد عبدالعزيز؟.. وكذلك المؤمرات لإقصاء محمد نجيب.. وكيف تم تدبير حادث المنشية الشهير؟ وقد رصدنا بداية خيوط الاتصال بين عبدالناصر والإسرائيليين خلال حصار الفالوجا في حرب فلسطين، ووثقنا ذلك بشهادات مهمة لليوزباشي حسن التهامي أحد ضباط اللواء المشاة الذي كان يضم أيضا عبدالناصر، وكان بالقرب منه في عراق المنشية. ورصدنا أيضا كيف كانت ذراع الأمريكان مغروسة في عجين الثورة المصرية.. فقد وصل السفير الأمريكي جيفرسون كافري في آخر سبتمبر 9491، حيث تسلم مهام عمله الجديد في القاهرة.. وكان كافري في الحقيقة »خبير الانقلابات والاضطرابات العسكرية« في الشرق الأقصي وكذلك الشرق الأدني، وقد تقرر حضوره أو إرساله إلي القاهرة من أجل هذا الغرض بعد أن تبين للولايات المتحدة من خلال الإسرائيليين ورجالهم في مصر أن هناك تنظيما سريا في الجيش يقوم ويشارك في تنظيمه البكباشي جمال عبدالناصر. ورصدنا كذلك المبادرة الإسرائيلية لإقامة سلام مع العرب ومع مصر خاصة.. وهي المبادرة التي تقدمت بها إسرائيل إلي حكومة الثورة بعد قيام الثورة بشهر واحد فقط، وبالتحديد في 22 أغسطس عام 2591.. وهي المبادرة التي تجاوب لها مجلس الثورة وعبدالناصر، وأرسل صلاح سالم عضو مجلس قيادة الثورة بتكليف من المجلس إلي روبرت ماكلينتيوك بالسفارة الأمريكيةبالقاهرة وسأله عن إمكانيات عقد سلام مع إسرائيل؟ أيضا رصدنا كيف جرت هذه الاتصالات في باريس.. ولنكمل.. ونواصل. لقد بدأت هذه الاتصالات مع علي شوقي الوزير المفوض بالسفارة المصرية في باريس، واستكملها عبدالرحمن صادق الملحق الصحفي بالسفارة المصرية في باريس الذي ذكر ل »صموئيل ديفون« المفوض الإسرائيلي في السفارة الإسرائيلية في باريس إنه تلقي تعليمات من عبدالناصر لكي يبلغه بالرد علي الاقتراح الإسرائيلي في موضوع السلام الذي تلقاه مؤخرا. وقد بعث صموئيل ديفون المفوض الإسرائيلي في السفارة الإسرائيلية في باريس برسالة سرية وشخصية إلي رؤبين شيلوح بوزارة الخارجية في تل أبيب، ويقول ديفون في رسالته: إن عبدالرحمن صادق يعتقد أنه إذا لم تكن إسرائيل علي استعداد للمخاطرة والعمل علي إثبات والتأكد لدي المترددين أو المتشككين في نوايا إسرائيل الطيبة، فهناك احتمال أن رد الفعل المصري لن يؤدي إلي التقدم خطوة واحدة إلي الأمام في العلاقات الثنائية المرجوة.. بل وربما التراجع والانحسار في هذه العلاقات القائمة حاليا. وكما يقول شيلوح فإن عبدالرحمن صادق اقترح علي عبدالناصر أن يرسل إليه في باريس ضابطا أو ضابطين من القيادة المصرية إلا أن عبدالناصر رد عليه بأن هذا الأمر وارد في الاعتبار لكن بعد أن يحرز عبدالرحمن صادق تقدما في هذه الاتصالات.. تقدم ملحوظ يلزم معه ضرورة اتخاذ خطوة كهذه. إسرائيل ترد وبعد تشاور شيلوح مع رئيس الوزراء بن جوريون ووزير الخارجية موشي شاريت كتب إلي صموئيل ديفون بسفارة إسرائيل بباريس ليرد علي عبدالرحمن صادق بالجواب التالي: أولا: نحن نتقبل بترحاب إقامة اتصال ثابت ومستمر مع القيادة المصرية، ونحن نعتمد صموئيل ديفون مندوبا وممثلا معتمدا في هذه الاتصالات. ثانيا: نأسف أن الحكومة المصرية علي غير استعداد الآن أن تقوم بتغيير سياسة العداء المعلنة وأيضا من جانب الدول العربية. ثالثا: والمقصود بتغيير سياسة العداء هو إحداث تغيير أساسي في العلاقات بين الدولتين، ولكن إذا كانت مصر تري ضرورة الاستمرار في سياسة السلام مع إسرائيل فيجب علي مصر علي الأقل أن تمنع مظاهر العنف والعدوان الواضحة، والتي لاشك فيها وهي علي النحو التالي: ينبغي علي مصر أن توقف أي محاولة لخرق اتفاقيات وقف إطلاق النار وقرارات مجلس الأمن وعلي وجه الخصوص عليها أن تمنع محاولات الإضرر بحركة السفن إلي ميناء إيلات والتي تمر في قناة السويس. ينبغي علي مصر أن تمنع إذاعة البيانات والتصريحات التي تدعو إلي الاستمرار في حالة الحرب، وعليها أيضا أن توقف الإشارات التي يلمح فيها إلي احتمال اندلاع أو وقوع جولة ثانية للحرب مع إسرائيل. ينبغي عليها الامتناع عن كل مبادرة لتعزيز أي محاولة ضد إسرائيل، كما ينبغي عليها عدم الانجذاب لأي مسعي أو محاولة من هذه النوعية لدول أخري. وعندما التقي عبدالرحمن صادق مع صموئيل ديفون في باريس مرة أخري ليتلقي هذا الرد، فإنه حاول أن يوضح الأسباب التي تجعل حكومة الثورة ملزمة بأن تستمر في سياستها.. ولكن صموئيل ديفون رد عليه بأنه ينبغي أن يكون واضحا أيضا أن تكون لدي إسرائيل أسباب واعتبارات مشابهة، ومن هذه الأسباب أن إسرائيل لا تستطيع أن تمتنع عن معارضة صفقة السلاح التي تسعي إليها الحكومة المصرية في الوقت الذي تندد فيه بإسرائيل وتعلن تصريحات عدائية ضدها.. وأما بالنسبة لمساعدة مصر في مسألة جلاء البريطانيين فإن إسرائيل تدرك أهمية ذلك للحكومة المصرية، ولكن ذلك مرهون بتحسين العلاقات بين مصر وإسرائيل.. وعلي آثر ذلك تكرس إسرائيل جهدها وتجند كل مافي وسعها من أجل التأثير علي الولاياتالمتحدة وعلي العالم أجمع من أجل استقلال وحرية مصر.. ثم تناول الرد المساعدات الاقتصادية حيث إن المقاطعة العربية الموجهة ضد إسرائيل تتناقض مع مطلب عبدالناصر في هذا المجال. مطامع إسرائيل العادلة ثم في 42 مايو 3591أمر شيلوح المفوض ديفون بأن يبلغ مصر أنه بالإضافة إلي مطلب السفارة الإسرائيلية بحرية الملاحة والإبحار في قناة السويس والحفاظ علي وقف إطلاق النار فإن إسرائيل تميل إلي مطامعها العادلة وتأمل أن تنفذ بأكملها. وكانت هذه الرسالة موجهة إلي عبدالناصر، وإن لم يكن هناك إفصاح عن هذه المطامع العادلة، فكما أشار إليه أن يبلغ أن إسرائيل لا تستطيع أن تؤيد صفقة السلاح لمصر من الولاياتالمتحدة وأن تساندها عسكريا طول الوقت لأنه ليس في يديها براهين وأدلة واقعية ملموسة تشير إلي التقدم من جانب مصر من أجل الوصول لتسوية نهائية لسلام بين البلدين.. ولذلك لابد للتنويه للمفوض المصري أنه يوجد في بعض الدوائر في إسرائيل اعتقاد أنه ينبغي علي إسرائيل أن تستغل اللحظة المناسبة وتقوم بعمل ضغط علي مصر من الناحية العسكرية، في الوقت الذي تكون فيه مصر مضطربة ومتورطة مع البريطانيين حول الجلاء. برقية سرية جدا ثم توقفت ردود الفعل المصرية حتي يوم 03 يوليو 3591، حيث أرسل في ذلك اليوم شيلوح برقية سرية جدا إلي ديفون في باريس يأمره فيها بتبليغ المفوض المصري أنه علي استعداد للذهاب إلي مصر والتحدث مع القيادة المصرية ليعرف المصريون مدي استعدادنا للحضور إلي مصر. وفي الفترة التي تقع بين 42 مايو 3591 وحتي رسالة 03 يوليو كانت هناك رسالة في 03 يونية 3591من السفير الأمريكي بالقاهرة جيفرسون كافري إلي واشنطن جاء فيها: إن جمال عبدالناصر أدلي إلي أحد المسئولين بالسفارة بالمزيد من المعلومات حول اتصالاته مع إسرائيل، أكد فيها أنه بالإضافة إلي صديقه في إسرائيل، فإن له اتصالات في باريس وتركيا يسعي من خلالها إلي الإطلاع علي حقائق الموقف في إسرائيل.. وقال أيضا إن عقد تسوية نهائية مع إسرائيل لايزال أمرا واردا في ذهنه، ولكن اتصالاته الحالية لاتهدف سوي الحصول علي المزيد من المعلومات، وأضاف أن الطريق لايزال بعيدا في رأيه أمام أي تسوية سلمية، وقد أبدي كل من عبدالناصر وعبدالحكيم عامر، الذي عين أخيرا رئيسا للأركان والذي كان يشارك في الحديث ، استياء شديدا بصورة ملحوظة بشأن دور الدول العربية الأخري في حرب فلسطين، واختلط ذلك بشكوك في سلوك المعارضة الحادة التي تبذلها بعض الدول العربية الأخري تجاه إسرائيل. وفي 01 سبتمبر 3591 وصل مستر رالف بانش مساعد السكرتير العام للأمم المتحدةبالقاهرة.. وكما يروي قائلا: ولقيت استقبالا حارا من اللواء محمد نجيب والمسئولين الآخرين.. وفي حديثي مع محمود فوزي وزير خارجية مصر، أشار إلي أن مصر تلقت عددا من مقترحات السلام في إسرائيل وهناك مقترحات أخري في الطريق، وقال الدكتور محمود فوزي إنه عندما علم أني أزمع التوجه إلي القدس، قال إن مصر مهتمة بالتعرف علي احتمالات قيام مفاوضات مع إسرائيل، وقال إن مصر يمكن أن تقبل وجود إسرائيل ، ولكنها لاتقبل أن تظل معزولة عن الدول العربية الأخري بسبب سيطرة إسرائيل علي صحراء النقب، ومن البديهي أن مصر تريد ممرا ما يربطها بالأردن عبر الصحراء.. وسأل مستر بانش الدكتور فوزي عما إذا كان بوسعه إبلاغ هذه التصريحات إلي المسئولين الإسرائيليين فأجاب بالموافقة بشرط ألا يوحي للإسرائيليين بأن المصريين طلبوا منه ذلك. وفي القدس تحدث بانش مع بن جوريون رئيس الوزراء وموشي شاريت وزير خارجية إسرائيل وأبلغه بتصريحات الدكتور فوزي ولم يتلق ردا مباشرا، ولكن موشي شاريت دعاه إلي حفل عشاء يبلغه بأن إسرائيل تريد إجراء محادثات مع المصريين وهي مستعدة للذهاب إلي أي مكان في القاهرة لإجراء هذه المحادثات والتي يجب أن تبقي سرية تماما، كما أبلغه أن الإسرائيليين مستعدون للبدء في المفاوضات دون شروط مسبقة وعلي أساس جدول أعمال مفتوح.