محمد نجىب وجمال عبدالناصر وصلاح سالم.. ومشاورات حول مبادرة إسرائىل للسلام بعد شهر تقريبا من قيام الثورة في 32 يوليو 2591، وبالتحديد في 22 أغسطس، دعا موشي شاريت وزير الخارجية الإسرائيلي مستر موفنيت دافيز السفير الأمريكي بإسرائيل ليطلعه علي أن إسرائيل قررت التقدم باقتراح أو خطوة بعقد اجتماع بين مصر وإسرائيل ولكن في سرية تامة.. وبالفعل بدأت الحكومة الإسرائيلية الاقتراح علي حكومة الثورة المصرية عقد لقاء بين مبعوثي أو مندوبي البلدين أي عقد لقاء ثنائي بهدف بحث إمكانية إقامة سلام بين الدولتين. وبالفعل.. حدد صموئيل ديفون القائم بالأعمال الإسرائيلي في سفارة إسرائيل في فرنسا موعدا للقاء علي شوقي المفوض المصري بسفارة مصر في باريس وهو بدرجة وزير مفوض.. وقد تم هذا اللقاء في منزل علي شوقي واستغرق اللقاء أربعين دقيقة وكان أغلب الحديث بينهما يدور باللغة العربية. علي الرغم من عدم الرد علي مبادرة الإسرائيليين فإن اللواء محمد نجيب أول رئيس جمهورية لمصر كان له رأي في أولوية وأهمية الصراع العربي الإسرائيلي، حيث كان يري في ذلك الوقت أن اسرائيل ليست هي العدو الأول لمصر وإنما إنجلترا التي تحتل قناة السويس وتضع علي أرضها أكثر من 08 ألف جندي من جنودها. ولم يمض وقت طويل حتي توقفت الاتصالات المباشرة بين القيادة الثورية وإسرائيل.. إلا أنه كان هناك سعي لطرف ثالث من جانب كل منهما.. فقد ذهب صلاح سالم عضو مجلس قيادة الثورة بتكليف من المجلس إلي روبرت ماكلينتوك بالسفارة الأمريكية بالقاهرة وسأله عن إمكانيات عقد سلام مع إسرائيل؟.. فماذا كان رد الأمريكان؟ قال روبرت ماكلينتوك: لقد أكدت واشنطن علي أنه من الضروري إنهاء مباحثات الجلاء مع مصر حتي يمكن تحقيق السلام مع إسرائيل، وفي هذه الحالة سيتمتع اللواء محمد نجيب رئيس مجلس الثورة بسمعة ضخمة تمكنه من عقد سلام مع إسرائيل. ووافقه صلاح سالم علي هذا المنطق بقوله: إن اللواء نجيب ومجلس الثورة يرون أن الصلح مع إسرائيل هو الخطوة التالية بعد مفاوضات الجلاء مع بريطانيا ومعكم أي الولاياتالمتحدة وأضاف: ستكون المفاوضات صعبة للغاية وتأخذ كل طاقاتنا في المستقبل القريب.. واستطرد قائلا: إننا نفكر في تسوية المشكلة مع إسرائيل علي أساس مشروع الكونت فولك برنادوت السويدي الوسيط الدولي الذي عينته الأممالمتحدة لحل مشكلة فلسطين.. وليست لنا مطامع في أرض النقب.. ثم ختم روبرت ماكلينتوك حديثه مع صلاح سالم بقوله: سيستقبل اللواء محمد نجيب إذا زار نيويورك كأعظم الأبطال وسيكون أروع استقبال منذ عاد الطيار لندبرج إلي نيويورك بعد أن عبر المحيط الأطلسي وحده بالطائرة، وذلك باعتبار اللواء نجيب الزعيم العربي الذي عقد سلاما مع إسرائيل. وثائق سرية ولكن رغم هذه الاتصالات المباشرة وغير المباشرة من جانب مجلس قيادة الثورة بالجانب الإسرائيلي، فإن عبدالناصر كانت له اتصالاته الخاصة به وكذلك مبعوثاه أو مفوضاه الشخصيان له، والتي لايعلم بها أو عنها أي من أعضاء مجلس قيادة الثورة. ففي الوثائق السرية الإسرائيلية لهذه العلاقات جاء أنه في يوم 21 مايو 3591 بعث صموئيل ديفون المفوض الإسرائيلي في السفارة الإسرائيلية بباريس برسالة سرية وشخصية إلي رؤبين شيلوح بوزارة الخارجية في تل أبيب قال فيها: إن الملحق الصحفي بالسفارة المصرية في باريس عبدالرحمن صادق قدم نفسه لي، وأدلي بصفته مفوضا من قبل القيادة المصرية أنه ممثل لحكومته في الاتصال السري وسيقوم بمحادثات معي في إطار التعليمات التي معه وقال لي: إنه تلقي تعليمات من عبدالناصر لكي يبلغه بالرد علي الاقتراح الإسرائيلي في موضوع السلام الذي تلقاه مؤخرا. ويستدرك ديفون قائلا: إن عبدالرحمن صادق يعلل سبب تأخير الجواب بقوله: إن الخطاب كتب في إبريل لكنه وصل إلي باريس متأخرا بسبب وجود بعض الصعوبات في البريد الدبلوماسي.. وقد ذيل الخطاب بتوقيع جمال عبدالناصر كنائب للرئيس محمد نجيب. ثم يشرح أو يوضح ديفون لما جاء بالخطاب الذي يحمله عبدالرحمن صادق فيقول في رسالته: في هذا الخطاب كتب عبدالناصر يقول إنه ينبغي علي إسرائيل أن تقدر وأن تفهم موقف الحكومة المصرية إزاء الرأي العام لشعبها والرأي العام الخاص بالبلاد العربية الأخري، لذلك ينبغي علينا إعادة بناء سياستنا تجاه إسرائيل بالتدريج لكي نعمل سويا لنتائج أفضل.. ثم يستطرد عبدالناصر في خطابه إلي عبدالرحمن صادق الذي يقوم بتبليغه لديفون: ونحن في الوقت الحالي سنقوم كخطوة أولي بوقف التصريحات العدائية ضد إسرائيل من أجل ذلك الغرض.. وأنني أؤكد أنه ليس لدينا أي نوايا عدوانية ضد إسرائيل وأنني سعيد لأن حكومة إسرائيل تتقبل كلامنا علي أساس الثقة المتبادلة. ثم استدرك عبدالناصر في خطابه قائلا: إن مصر تعرف جيدا قوة تأثير إسرائيل علي الدوائر الأمريكية، وهي تأمل أن تستخدم إسرائيل في هذه الفترة الحاسمة في تاريخ مصر، هذا التأثير لتعزيز وتقوية المطالب المصرية في الصحف والإعلام والدوائر الرسمية الأمريكية، حيث إن هذا له دوره في تسهيل دورنا ومهمتنا الخاصة بالتوصل إلي تسوية نهائية في علاقتنا مع إسرائيل. كما إن عبدالناصر رد علي اقتراح خاص بشراء إسرائيل للقطن المصري قائلا: مع إقرارنا بالشكر والتقدير الكبير لهذا الاقتراح إلا أنه لم يأت الوقت المناسب لتنفيذه. تفاصيل أخري ومع ذلك فإن تفاصيل أخري تبدو في هذا الخطاب.. ولكن في رسالة رؤبين شيلوح إلي موشي شاريت وزير الخارجية الإسرائيلي في 31 مايو 3591 بما تتضمنه من تعليق علي رسالة ديفون إليه.. حيث قال فيها: إن القيادة المصرية تطلب من إسرائيل أن تعرف مفهوم سياسة العداء تعريفا دقيقا وتوضيح المقصود منه.. كما إن القيادة المصرية رأت أن تخبرنا بأن مصر ستحافظ بشكل رسمي علي العلاقات القائمة الآن بينها وبين إسرائيل في المجال السياسي والعسكري والاقتصادي مع ضرورة الأخذ في الاعتبار موقف مصر إزاء شئونها الداخلية والخارجية، وعلي سبيل المثال فإن مصر لاتستطيع أن تنحرف عن الموقف العربي المألوف فيما يتعلق بإسرائيل حينما تثار القضية في منظمة الأممالمتحدة.. كما إن مصر ستلتزم بالموقف العربي الرسمي فيما يتعلق بموضوع التعويضات من ألمانيا. ثم يستطرد شيلوح في حديثه قائلا: ولكن إذا ما وصلنا إلي بداية التعاون والتفاهم فهناك احتمال أن مصر لن تعوق تنفيذ إتفاقية السلام بشكل عملي. ثم يشرح شيلوح في حديثه أنه بإمكان إسرائيل أن تتوجه إلي القيادة المصرية عن طريق عبدالرحمن صادق في حالة حدوث أي مشكلات بما فيها مشكلات عبور السفن في قناة السويس.. كما إن القيادة المصرية تطلب المحافظة علي سرية العلاقات السرية وأنه في حالة افتضاح أمر هذه الاتصالات، فإن ذلك يؤدي إلي توقفها وانقطاعها. ثم يعرض شيلوح لكلام عبدالرحمن صادق والذي قاله لديفون وهو: أولا: إن الأمر الخاص بإقامة اتصال رسمي بين البلدين يتطلب موافقة بعد مباحثات مستمرة وطويلة تؤدي إلي تكوين حل وسط بين الآراء المختلفة المتضاربة في هذا الموضوع. ثانيا: إن المشكلة التي تشغل بال عبدالناصر علي وجه الخصوص هي مدي موافقة إسرائيل علي التعاون مع مصر والشعوب العربية ومدي قدرة إسرائيل علي المساعدة الفعلية. ثالثا: وفي حالة توافر استعداد إسرائيل لذلك، فهل يمكنها أن تترجم هذا عن طريق منح أي مساعدات اقتصادية كشراء القطن علي سبيل المثال واحتياجاتها الأخري، وكذلك تعبئة جهود إسرائيل وتأثيرها علي الولاياتالمتحدة لصالح مصر، وفي مقابل ذلك تستطيع مصر أن تعزز وجهة نظر إسرائيل ومصلحتها الهامة من أجل إقامة علاقات تفاهم وتعاون مع إسرائيل، كما أنه بمقدور مصر أن تعمل علي تذليل كل الصعاب التي تحول دون الاقتراب من إسرائيل. رابعا: إن مسألة جلاء البريطانيين من مصر تعد علي قمة المشكلات المدرجة في سياسة مصر الخارجية، وهي القضية الرئيسية التي تشغل بال السياسيين في مصر، ولذلك فأي مساعدة متعاونة في هذا الشأن فإنها تعتبر بالغة الأهمية. خامسا: بما أن موضوع المفاوضات قد اتجه إلي الوضع الاقتصادي الحالي، بما فيه من استمرار رسمي للمقاطعة مع إسرائيل، فإن أي طلب من جانب إسرائيل لوقف هذه المقاطعة سيصبح غير عملي.