سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حكام مصر.. من مينا إلي مبارك (الحلقة التاسعة والأربعون) صلاح سالم يسأل الأمريكان عن إمكانية عقد سلام مع إسرائيل؟
محمد نجيب: إسرائيل ليست العدو الأول لمصر
بعد قيام ثورة يوليو 2591بشهر واحد جرت محاولة، أو مبادرة إسرائيلية لعقد اجتماع بين مصر وإسرائيل لإقامة سلام مع العرب ومع مصر خاصة.. فقد دعا موشي شاريت وزير الخارجية الإسرائيلي مستر موتيت دافيز السفير الأمريكي بإسرائيل في 22 أغسطس 2591، ليطلعه علي اقتراح أو خطوة بعقد اجتماع بين مصر وإسرائيل ولكن في سرية تامة.. وفي ضوء ذلك فإن حكومة إسرائيل قررت أن تتخذ خطوة أخري إلي الأمام، وهو الاقتراح علي حكومة الثورة المصرية عقد لقاء بين مبعوثي أو مندوبي البلدين.. أي عقد لقاء ثنائي بهدف بحث إمكانية إقامة سلام بين الدولتين.. وقد أبلغ السفير الأمريكي حكومته علي الفور، إذ بعث برسالة إلي واشنطن بما أبلغه به وزير الخارجية الإسرائيلي... كيف جرت تفاصيل وأحداث المبادرة الإسرائيلية؟.. وماذا كان رد حكومة الثورة المصرية؟ بداية.. لقد نفذ صموئيل ديفون القائم بالأعمال الإسرائيلي في سفارة إسرائيل في فرنسا المهمة بسرعة وعلي الفور.. إذ في نفس اليوم الذي التقي فيه وزير الخارجية الإسرائيلي بالسفير الأمريكي ليبلغه بهذه المهمة فقد أرسل في نفس اليوم رسالة إلي وزير خارجيته في تل أبيب وكان نصها: »عاجل.. مستر موشي شاريت.. لقد حددت لقاء غدا قبل الظهر مع علي شوقي المفوض المصري بسفارة مصر في باريس وهو بدرجة وزير مفوض. التوقيع: صموئيل ديفون وفي 32 أغسطس 2591 أيضا.. بعث علي شوقي وزير مفوض السفارة المصرية بباريس إلي علي ماهر رئيس الوزراء ووزير الخارجية جاء بها: »اتصل شخص بمنزلي يوم 22 أغسطس 2591 وسأل عما إذا كان بإمكانه الاتصال بي في صباح اليوم التالي.. واعتذر عن عدم كشف هويته.. وفي يوم 32 جاء الشخص المذكور إلي منزلي وذكر أنه صموئيل ديفون السكرتير الأول بالسفارة الإسرائيلية في باريس وقال إنه مكلف من حكومته بنقل رسالة رسمية كتبت علي ورقة بسيطة ليس عليها شعار السفارة الإسرائيلية ومؤرخة 22 أغسطس وبها: »تقترح حكومة إسرائيل علي الحكومة المصرية عقد اجتماع لبحث إقامة سلام بين البلدين، وبينما الحكومة الإسرائيلية علي استعداد تام لإجراء مفاوضات سلام فورا، فإنها ستوافق أيضا علي إجراء محادثات تمهيدية فقط في هذه المرحلة.. وإذا رأت مصر أن ذلك مناسب وهدفها استطلاع إمكانية إقامة سلام أو علي الأقل إيجاد هذا الاتجاه فسيكون من المرغوب أن تعلن مصر رد فعلها علي هذا الاقتراح بأسرع مايمكن.. وفي يوم 32 أغسطس، ذهب صموئيل ديفون إلي منزل علي شوقي وأطلعه علي الرسالة السابقة وقد استغرق هذا اللقاء أربعين دقيقة وكان أغلب الحديث بينهما يدور باللغة العربية. انعكاسات القيادة المصرية وفي ضوء هذه الاتصالات .. ورغم عدم الرد علي مبادرة الإسرائيليين فإن محمد نجيب أول رئيس جمهورية لمصر كان له رأي في أولوية وأهمية الصراع العربي الإسرائيلي، حيث كان يري في ذلك الوقت أن إسرائيل ليست هي العدو الأول لمصر وإنما انجلترا التي تحتل قناة السويس وتضع علي أرضها أكثر من 08 ألف جندي من جنودها. وذلك المعني أيضا ردده عبدالناصر في الثالث عشر من ديسمبر عام 3591حيث قال: يتناسي العرب السبب الأول وهو انجلترا ويقولون إنه إسرائيل واليهود ويخشون أن يقولوا انجلترا وفي نهاية عام 2591 وبداية 3591، وحيث إنه لم يرد علي مبادرة إسرائيل، إلا أنه لم يكن هناك موقف عدائي واضح ومعلن بصورة سافرة من جانب القيادة المصرية.. بل انعكست هذه المبادرة الإسرائيلية علي تصريحات هذه القيادة، فقد أعلن رئيس الجمهورية محمد نجيب أو القائد الظاهر لحركة يوليو: أنه لكي تكون إسرائيل دولة معترفا بها ولكي تكون دولة معتمدة علي نفسها يجب أن تشترك في تجارتها السلعية مع الدول العربية لصالح الجميع وسوف تظل المقاطعة العربية لها إلي أن تثبت بإخلاص أنها مستعدة للعيش في سلام مع جيرانها. ويقول أيضا: وفي الحقيقة كنت أتوقع في ذلك الوقت كما جاء بمذكراته أن يتقدم الإسرائيليون بمعاهدة سلام وربما قبلنا هذه المعاهدة في ذلك الوقت علي شرط ألا يكون السلام علي حساب وسلامة العرب الموجودين هناك أو علي حساب الفلسطينيين، وعلي شرط أن تقنع إسرائيل جيرانها العرب أنها مستعدة للحياة ومستعدة أن تترك الآخرين يعيشون أيضا. ثم يعود قائلا: وبدلا من الشكوي فإن الإسرائيليين يفعلون خيرا إذا ماتقدموا ببنود اتفاقية سلام إلي الجامعة العربية، وإذا ماتم الصلح، فإنني أعتقد أن المقاطعة العربية سوف ترفع وتعود الحياة التجارية بطريقة حرة بين دول الشرق الأوسط، وعندئذ تكون الجامعة العربية قادرة علي أن تركز جهودها علي إقامة اتحاد فيدرالي عربي. ثم يشير إلي القضية الفلسطينية ومدي موقف حكومة الثورة منها بقوله: أما مشكلة فلسطين فكانت استراتيجيتنا في التعامل معها كما قال جان ماند لستام هي الاقتراب الحذر والمعقول منها.. ثم يعود قائلا: إنه كان من الممكن أن تستمر علاقة الثورة بالقضية الفلسطينية الإسرائيلية هي علاقة الاقتراب الحذر والمعقول، فإذا ماجاء الوقت المناسب سارعنا بالتدخل المناسب، فإذا كانت هذه آراء محمد نجيب الذي جرت في عهده ومعه بعض الاتصالات التمهيدية أو المبدئية للسلام بين مصر أو العرب وإسرائيل فهناك بعض النقاط التي تتجلي واضحة من خلال تصريحاته وآرائه هي: أولا: توافق رأيه مع عبدالناصر في أن العدو الأول انجلترا وليست إسرائيل، وهذا التوافق يعني أنهما يتوافقان أيضا علي موقفهم من إسرائيل، وأن محمد نجيب يري أن السلام لابد أن يكون بين إسرائيل والعرب ككل فإن عبدالناصر يري أن السلام بين مصر وإسرائيل هو الأساس. ثانيا: إن محمد نجيب يري أن التطبيع من ضرورات السلام بين إسرائيل والعرب، وأن عقد سلام بينهما يتيح الفرصة والمناخ للعرب إلي أن يكونوا وحدة تحت مسمي اتحاد فيدرالي عربي علي نمط الاتحاد الفيدرالي للولايات المتحدةالأمريكية، وهذا مايبدو إما سذاجة في النوايا أو التفكير في ذلك الحين، أو أن ذلك قد بدا له صريحا من خلال الحماس العربي للثورة وتيقنه أنها يمكن أن تلعب دورا في المنطقة العربية. ثالثا: وفي ضوء النقطة السابقة فإن محمد نجيب نظر إلي إسرائيل ككيان جغرافي سياسي أكثر من كيان صهيوني ممتد ويتوسع عمليا في داخل القوي العظمي أو دول الاستعمار التقليدي ونفوذه في كل منهما.. فلم ينظر إلي إسرائيل كوعاء مادي فقط لحركة الصهيونية العالمية، وإنما نظر إلي إسرائيل كدولة جديدة يمكن أن تأخذ جزءا من الأرض وجزءا آخر لفلسطين، وبالتالي فهو مؤمن تماما بقرار التقسيم الذي أصدرته الأممالمتحدة في 92 نوفمبر 7491. توقف الاتصالات وكما سبق القول، حيث لم يتم الرد علي صموئيل ديفون الذي بعث بالمبادرة أو برسالة موشي شاريت حول السلام مع مصر.. ولايوجد في ملف الوثائق الخاص بالعلاقات السرية بين مصر وإسرائيل إلا انقطاع وتوقف مباشر بينهما حتي أوائل مايو 3591. ومع ذلك فإن القيادة المصرية كانت تتحسس هذا الموضوع مع أطراف أخري تربطها بإسرائيل علاقات واتصالات كبري ووثيقة.. وإن كان توقف الاتصالات المباشرة بين القيادة المصرية وإسرائيل قد أدي إلي غضب وسخط الإسرائيليين، حتي أنهم لوحوا بالإعلان عن هذه الاتصالات لإحراج القيادة المصرية مع العالم العربي، فقد التقي صموئيل ديفون السكرتير الأول بالسفارة الإسرائيلية بباريس يوم 2 سبتمبر ب علي شوقي بالسفارة المصرية بباريس أيضا وأعرب المبعوث الإسرائيلي عن الانزعاج والقلق اللذين تشعر بهما حكومته إزاء الصمت الذي تلتزم به الحكومة المصرية، وأن الحكومة الإسرائيلية راغبة في الاطلاع علي رد الفعل المصري، وأضاف أن حكومته مضطرة في حالة عدم الرد إلي الإعلان بأنها اتخذت بالفعل هذه المبادرة ولم تستجب لها الحكومة المصرية. ولكن الأمريكان تدخلوا لدي إسرائيل لمنعهم من الإعلان عن هذه الاتصالات واجتمع السفير الأمريكي لدي إسرائيل مع موشي شاريت وزير الخارجية الإسرائيلي في 11 أكتوبر من نفس عام 2591، حيث اقتنع شاريت بعدم الإعلان وأن من شأن ذلك احتمال تعرض هذه الاتصالات إلي الفشل بهذه الطريقة، ثم استدعي موشي شاريت كبار محرري الصحف الإسرائيلية وناشدهم التعاون مع الحكومة في جهودها لتحسين العلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب. لكن علي الرغم من توقف الاتصالات المباشرة بين القيادة الثورية وإسرائيل، إلا أنه كان هناك سعي لطرف ثالث من جانب كل منهما.. فقد ذهب صلاح سالم عضو مجلس قيادة الثورة بتكليف من المجلس إلي جيفرسون كافري السفير الأمريكي بالقاهرة وسأله عن إمكانية عقد سلام مع إسرائيل؟