تعريف السلام في الثقافة الصهيونية توفيق المديني مع اقتراب موعد انعقاد اجتماع أنابولس، طرحت “إسرائيل" مطلباً غير مسبوق وأعلنته شرطا للتقدم في التسوية، وهو مطالبة السلطة الفلسطينية بالاعتراف بها “دولة للشعب اليهودي". وتعتبر هذه المحاولة من جانب الحكومة الصهيونية تعجيزية هدفها الرئيسي إفشال الاجتماع الدولي للسلام قبل انعقاده، لتضع على الطاولة سؤالاً أساسياً هو: أي سلام تريده “إسرائيل"؟ وإذا كانت “إسرائيل" حقاً لا تريد السلام، ماذا عندئذ؟ إن من يرد معرفة التعريف الحقيقي للسلام في الثقافة الصهيونية، فعليه أن يقرأ مذكرات القادة الصهاينة من أمثال بن غوريون، شاريت، دايان، آلون، غولدا مئير الخ، لتلمس هذه الحقيقة بوضوح. والقيادات الصهيونية نتيجة لذلك، لا تفكر إلا بالحرب والانتفاء وبالخطر، وبحشد القوى، وليس بالسلام مع العرب والفلسطينيين. ونقدم هنا بعض الاقتباسات المنقولة عن مذكرات موشي دايان: يقول شاريت: “إنه ذهب لمقابلة رئيس الدولة بن زفي في 11/10/،1953 وكان شاريت وزير الخارجية، وقد سجل في مفكرته ذلك اليوم ما يلي: أثار بن زفي كالعادة بعض المسائل الموحي بها، والتي لا غرض لها، مثل: هل لدينا فرصة لاحتلال سيناء؟ وكم سيكون رائعاً أن تبدأ مصر هجوماً نستطيع أن نصده، ثم نتبعه بغزوالصحراء، وقد شعر باستياء شديد، عندما أخبرته بأن المصريين لا يبدون أي ميل لأن يجعلوا مهمة الاحتلال هذه سهلة لنا، عبر استفزاز دولي من جهتهم “ليفياروكاش: الإرهاب “الإسرائيلي" المقدس ص 41". ويذكرشاريت بعد الهجوم على قاعدة للجيش الأردني في عزوي يوم 27/6/1954 “أن تقاريرالسفارات الأمريكية في العواصم العربية، التي جرت دراستها في واشنطن ولدت لدى وزارة الخارجية الأمريكية الاقتناع بوجود خطة “إسرائيلية" للعمليات الانتقامية التي تنفذ استناداً إلى جدول مواعيد موضوع مسبقاً وبأن هدف هذه الخطة هوالتصعيد الثابت للتوتر، وصولاً إلى الحرب". “المرجع السابق ص 75". ويسجل شاريت يوم 26/5/1955 وهويعلق على ما قاله دايان: “قال دايان.. إن العمليات الانتقامية التي ما كان باستطاعتنا تنفيذها لوكنا مقيدين بحلف أمني" أي من الولاياتالمتحدةالأمريكية، هي شرياننا الحياتي. أولاً: لأنها تجبر الحكومات العربية على اتخاذ إجراءات شديدة لحماية حدودها. وثانياً: وهوالأمر الرئيس، لأنها تمكننا من الحفاظ على مستوى عال من التوتر بين مواطنينا وفي الجيش. ودون هذه العمليات سنتوقف عن كون شعبنا مقاتلاً وسوف نضيع إذا لم نتمتع بانضباط الشعب المقاتل. إن قادة الكيان الصهيوني اليوم من شارون إلى باراك وأولمرت، هم تلامذة بن غوريون ودايان ومئير وشاريت، ولم يثبتوا أنهم يعرفون غير هذا الخط. ويقوم هذا الخط أساساً على المقومات التالية: أولاً الاستعداد للحرب، باعتبار القوة هي العامل الحاسم، وباعتبار كل العرب أعداء، لا الأقطارالمجاورة للأراضي المحتلة فحسب، وعلى أساس أن أجواء الحرب تبقي المستوطنين الصهيونيين الغزاة في حالة توتر دائم. ولا بد لإعطاء التوتر مصداقيته من افتعال معارك، هنا وهناك، صغيرة وكبيرة. وتظل سياسة الانتقام والتعطيش جزءاً مهماً في السياسة، كما تظل سياسة العدوان والتوسع ركناً أساسياً فيها. وعلى الرغم من كل التطورات العالمية، بعد نهاية الحرب الباردة وانهيارالاتحاد السوفييتي، وحرب الخليج الثانية، وانعقاد مؤتمرمدريد للسلام، فإن السياسة الصهيونية لم تتغير، والأهم من هذا أن السياسة الرسمية العربية انتقلت من الرفض الرسمي والشكلي لوجود الكيان الصهيوني إلى سياسة الاعتراف به، وتوقيع اتفاقيات سلام معه: كامب ديفيد، أوسلو، وملحقاته، وادي عربة. ومع ذلك فإن السياسة الصهيونية لم تتغير، بل احتفظت بعنفها وشراستها، إن لم نقل إنها ازدادت عنفاً وشراسةً وعدوانيةً في ظل الانتفاضة الثانية الباسلة للشعب الفلسطيني. ثانياً العمل على تدمير العالم العربي، لا على إقامة سلام معه، والسبب أن القيادات الصهيونية الحاقدة التي ارتكبت جريمة طرد شعب من أرضه، ترى أنها لا تستقر، من دون تدمير الوطن العربي كله، لأن نهضة الأمة العربية، وتحقيق وحدتها، سيقلب ميزان القوى لمصلحة العرب. ولذلك يجب تفكيك وجود الأمة، وأن تستنزف قواتها؟ كيف؟ بإثارة التناقضات مع الأمم المجاورة، “الإيرانيون، والأحباش، والأكراد"، وإشعال حروب مزمنة مع هذه الأمم. ثالثاً السعي لتعطيل أي عملية “سلام" تستهدف حلاً للصراع العربي الصهيوني قبل أن يتحقق الهدف الصهيوني العام، وهو إشعال الحرائق في العالم العربي، وتفكيك أوصاله وتحويله إلى طوائف وقبائل متحاربة منهكة، لأن القيادات الصهيونية ترى أن أي “سلام" قبل ذلك سوف يكون هدنة يستعيد العرب فيها قواهم ليشنوا حرباً جديدة. ولذلك فإن السياسة الصهيونية تحتل وتحاول ابتزاز تنازلات وتثير فتناً وتحاول فرض اتفاقيات، ولكنها في النهاية تريد تهويد كل فلسطين، وتريد وطناً عربياً مفككاً ومنهكاً، وطوائف متناحرة، والهدف أن تفرض السياسة الصهيونية استسلاماً كاملاً شاملاً، يحقق كل أهدافها. عن صحيفة الخليج الاماراتية 26/11/2007