رئيس البرلمان العربي يهنئ مصر بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    تحرك جديد في أسعار الذهب.. والأسواق تترقب بيانات التضخم الأمريكية    دعم اوروبي 10 ملايين يورو لنفاذ مياه الشرب إلى المناطق المحرومة في إفريقيا وآسيا    «المصري للفكر والدراسات»: مصر أكدت رفضها تصفية القضية الفلسطينية من مضمونها    بين أوكرانيا وإسرائيل وغيرهم.. الكونجرس يتبنى حزمة مساعدات دسمة    الرئيس البيلاروسي يتوقع المزيد من توسع «الناتو» وتشكيل حزام من الدول غير الصديقة حول روسيا وبيلاروس    مواعيد مباريات الجولة 20 من الدوري المصري.. عودة القطبين    ضبط 65 كيلو مخدرات بقيمة 4 ملايين جنيه بمحافظتين    بعد مقتل ربة منزل على يد زوجها فى ملوى فى لحظة غضب ..نصائح هامة يقدمها طبيب نفسى    نقابة الموسيقيين تنعى مسعد رضوان وتشييع جثمانه من بلبيس    بكلمات مؤثرة.. ريهام عبدالغفور توجه رسالة لوالدها الراحل في حفل تكريمه    في الذكرى ال42 لتحريرها.. مينا عطا يطرح فيديو كليب «سيناء»    تطرح مرحلتها الأولى اليوم للمستفيدين... مدينة رفح الجديدة" درة تاج التنمية" على حدود مصر الشرقية بشمال سيناء ( صور)    وزير التعليم العالي يهنئ رئيس الجمهورية والقوات المسلحة والشعب المصري بذكرى تحرير سيناء    بلجيكا: استدعاء السفير الإسرائيلي لإدانة قصف المناطق السكنية في غزة    "حماس": حال قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس سنضم جناحنا العسكري للجيش الوطني    الأردن يدين سماح الشرطة الإسرائيلية للمستوطنين باقتحام الأقصى    إزالة إشغالات وحالات بناء مخالفة في دمياط الجديدة    أنطوي: أطمح للفوز على الزمالك والتتويج بالكونفدرالية    تشافي يبرّر البقاء مدربًا في برشلونة ثقة لابورتا ودعم اللاعبين أقنعاني بالبقاء    عودة ثنائي الإسماعيلي أمام الأهلي في الدوري    محافظ القليوبية يتفقد أعمال النظافة بمدينتي الخصوص وأحياء شرق وغرب شبرا الخيمة    وزير التنمية المحلية يتابع مع وفد البنك الدولى الموقف التنفيذي لبرنامج التنمية المحلية بصعيد مصر    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    التحقيق مع المتهم بالتحرش بابنته جنسيا في حدائق أكتوبر    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    بالصور .. بدء طباعة وتظريف امتحانات الترم الثاني 2024    الدورة 15 لحوار بتسبيرج للمناخ بألمانيا.. وزيرة البيئة تعقب فى الجلسة الأفتتاحية عن مصداقية تمويل المناخ    ضمن الموجة ال22.. إزالة 5 حالات بناء مخالف في الإسكندرية    «المحامين» تعلن موعد جلسة حلف اليمين القانونية للأعضاء الجدد بجميع الفرعيات    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    الصحة: فحص 6 ملايين و389 طفلًا ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج ضعف وفقدان السمع    علماء يحذرون: الاحتباس الحراري السبب في انتشار مرضي الملاريا وحمى الضنك    كيفية الوقاية من ضربة الشمس في فصل الصيف    خبيرة فلك: مواليد اليوم 25 إبريل رمز للصمود    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    أحدهما بيلينجهام.. إصابة ثنائي ريال مدريد قبل مواجهة بايرن ميونخ    محافظ الأقصر يهنئ الرئيس السيسى بعيد تحرير سيناء    انعقاد النسخة الخامسة لمؤتمر المصريين بالخارج 4 أغسطس المقبل    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    أبورجيلة: فوجئت بتكريم النادي الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    رئيس المنصورة: أتمنى أن يحظى الفريق بدعم كبير.. ونأمل في الصعود للممتاز    حبس شاب لاستعراضه القوة وإطلاق أعيرة نارية بشبرا الخيمة    7 مشروبات تساعد على التخلص من آلام القولون العصبي.. بينها الشمر والكمون    موعد مباراة الزمالك وشبيبة أمل سكيكدة الجزائري في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    الليلة.. أنغام وتامر حسني يحيان حفلا غنائيا بالعاصمة الإدارية    منها طلب أجرة أكثر من المقررة.. 14 مخالفة مرورية لا يجوز فيها التصالح بالقانون (تفاصيل)    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    عادل الغضبان يهنئ أبناء محافظة بورسعيد بالذكرى ال 42 لعيد تحرير سيناء    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس25-4-2024    أمر عجيب يحدث عندما تردد "لا إله إلا الله" في الصباح والمساء    افتتاح وتشغيل 21 سرير عناية جديد بمستشفي الكرنك في الأقصر تزامنا ذكرى تحرير سيناء    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف احتل اليهود فلسطين وسيطرت على الامة العربية !؟
نشر في الفجر يوم 27 - 10 - 2011


عاطف البرديسي

تعرضت القدس وفلسطين في مطلع القرن الرابع عشر الهجري للغزو الصهيوني. وبفعل هذا الغزو بدأ الوجود الصهيوني الاستعماري فيها وفي الوطن العربي. وقد مر هذا الغزو بمراحل متتالية على مدى قرن بطولة.

بدأ الغزو الصهيوني في الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي، وعاصر آخر موجة كبرى من موجات الاستعماري الأوروبي الحديث وقد شهدت سنة 1772 م قدوم أول موجة من موجات الهجرة اليهودية المنظمة من أوروبا الشرقية. ولذا فقد اعتبرها المؤرخون الصهاينة سنة البداية.

كانت فلسطين آنذاك تحت حكم الدولة العثمانية التي أطلقت عليها دول أوروبا الاستعمارية اسم الرجل المريض. وكانت فلسطين تقع ضمن ولايات الشام ويقطنها شعب فلسطين العربي الذي كان عدده آنذاك دون المليون نسمة. وكانت غالبية هذا الشعب تدين بالإسلام، وفيه من يدين بالمسيحية، وفيه أيضا حوالي اثنا عشر آلفا يدينون باليهودية. وقد تألف هؤلاء من يهود عرب فلسطينيين قطنوا منذ القدم ويهود أوروبيين قدموا إلى فلسطين منذ أوائل القرن التاسع عشر. وعاش هؤلاء جميعا في كنف التسامح الذي اتسم به العيش في الأراضي المقدسة إبان الحكم الإسلامي لها.

استمرت المرحلة الأولى من الغزو الصهيوني خمسا وثلاثين سنة حتى أواخر سنة 1917 م السنة التي احتلت فيها بريطانيا فلسطين ودخل اللورد اللنبي القدس. وخلال هذه المرحلة اصدر هرتزل الصهيوني كتاب "الدولة اليهودية" عام 1895. ودعا إلى عقد المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد في بال بسويسرا عام 1897م وبلور مخططات الحركة الصهيونية. وقد اخذ التهجير الصهيوني إلى فلسطين أثناء هذه المرحلة صورة التسلل لأن الدولة العثمانية لم تسمح به رسميا. واستغل الفساد الإداري في أجهزة الدولة للنفاذ وبلوغ أهدافه. ونشير هنا إلى محاولات هرتزل التي آجراها مع السلطان عبد الحميد الثاني من أجل أن يحصل على إذن منه بالتهجير و إقامة وطن قومي للصهيونية في فلسطين، وفشلت هذه المحاولات أمام موقف السلطان الداعي لابعاد الخطر الصهيوني، كما نشير هنا إلى تحركات هرتزل مع دول أوروبا الاستعمارية لبناء تحالف صهيوني استعماري معها. وقد انعقدت مؤتمرات صهيونية تالية في هذه المرحلة وشهدت نقاشا حول المكان الذي يمكن أن يقوم فيه الوطن القومي. واستقر الرأي على فلسطين العربية.

استطاعت الحركة الصهيونية أن تهجر في هذه المرحلة حوالي خمسين ألف يهودي كلهم من أوروبا الشرقية. ويطلق المؤرخون الصهاينة على مهاجري هذه الرحلة اسم "الرواد" تشبيها لهم بالمستعمرين البيض الأوائل لأمريكا. ومن هؤلاء المهاجرين دافيد بن غوريون الذي قدم مع موجة عام 1904 م. واستطاعت الحركة الصهيونية أن تستولي على حوالي 1% من أراضي فلسطين بشرائها بأساليب ملتوية من عائلات غير فلسطينية كانت تقيم خارج فلسطين. وبلورت الحركة الصهيونية في نهاية هذه المرحلة صلتها بالاستعمار العالمي فنقلت مركزها من أوروبا الشرقية إلى بريطانيا وتحالفت مع الاستعمار البريطاني الطامع بالسيطرة على فلسطين والوطن العربي، ورسمت معه ومع الاستعمار الفرنسي خطوط الحدود التي قامت فيما بعد بين فلسطين وأجزاء بلاد الشام الأخرى لبنان وسوريا وشرق الأردن، وذلك في معاهدة سايكس-بيكو عام 1916م.

كانت الظروف الدولية مواتية لهذا الغزو الصهيوني. فقد بدأ بعد فترة قصيرة من انعقاد مؤتمر برلين سنة 1878. الذي جاء في أعقاب الحرب بين روسيا والدولة العثمانية وشهد حوار الدول الأوروبية حول اقتسام مناطق النفوذ في الوطن العربي والعالم الإسلامي والعالم غير الأوروبي عموما. وكانت أوروبا تعيش آنذاك ذروة نشاطها الاستعماري الذي اقترن بحدوث الثورة الصناعية فيها. وقد هيمنت على مقدرات أوطان وأمم في مختلف القارات. واشتد التنافس الاستعماري بين دول أوروبا في تلك الفترة. وواكبت بداية الغزو الصهيوني لفلسطين احتلال فرنسا لتونس عام 1881م واحتلال بريطانيا لمصر عام 1882 ثم للسودان عام 1896 وشهدت المرحلة الأولى من هذا الغزو الصهيوني الوفاق الودي بين بريطانيا وفرنسا عام 1904م الذي مهد لتحالف الدولتين في الحرب العالمية الأولى ولإبرام معاهدة سايكس-بيكو كما شهدت أيضا غزو إيطاليا لليبيا عام 1911م. وغزو فرنسا للمغرب عام 1912م. وكان الوطن العربي قد تعرض منذ عام 1830م. للموجة الأولى من موجات الاستعمار العربي حين احتلت فرنسا الجزائر في ذلك العام، واحتلت بريطانيا عدن عام 1839م. ثم زحفت منها إلى سواحل الخليج. كما كانت عدة أقطار إسلامية قد وقعت في قبضة الاستعمار الغربي.

قاوم شعب فلسطين الغزو الصهيوني منذ أن بدا وعمل على عرقلة تقدمه جهد استطاعته. وقام بواجبة في تنبيه الآمة العربية والعام الإسلامي لأخطار الصهيونية وقد روى بن غوريون في ذكرياته قصصا عن هذه المقاومة وكذلك فعلت الكتب الصهيونية التي أرخت لتلك الفترة. وحفظت سجلات مجلس المبعوثان خطب ممثلي شعب فلسطين التي أنذرت بأخطار التآمر الصهيوني الاستعماري كما حفظت الوثائق العثمانية عموما تاريخ مقاومة شعب فلسطين. وكانت فلسطين تشهد آنذاك مع بقية الأقطار العربية انتعاش حركة اليقظة فيها. وقد عملت هذه الحركة جاهدة منذ مطلع القرن الثالث عشر الهجري "القرن التاسع عشر الميلادي" لتحقيق التقدم دفع أخطار الاستعمار الأوروبي.
دخل الغزو الصهيوني لفلسطين مرحلة جديدة في أعقاب الحرب العالمية الأولى. فقد صدر تصريح بلفور وزير خارجية بريطانيا إلى الحركة الصهيونية بالعمل على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وجسد التصريح الذي صدر يوم 6 تشرين الثاني "نوفمبر" من عام 1917 التحالف بين الحركة الصهيونية الاستعمارية وبين الاستعمار البريطاني. ومكن احتلال بريطانيا لفلسطين في كانون أول 1917م- أي بعد صدور التصريح وبعد تخليها عن التزاماتها تجاه العرب- الغزو الصهيوني من التغلغل في فلسطين. وجاءت اتفاقيات الصلح في فرساي أثر انتهاء الحرب لتقسم بلاد الشام والهلال الخصيب وتفرض الانتداب البريطاني على فلسطين. ألزمت بريطانيا نفسها في صك الانتداب بتهيئة الأوضاع في البلاد لاقامة الوطن القومي اليهودي فيها.

استطاع التحالف الصهيوني الاستعماري خلال السنوات التي عانت فلسطين فيها من الانتداب البريطاني أن يهجر مئات الألوف من يهود أوروبا إلى فلسطين العربية خصوصا في الثلاثينيات التي شهدت ظهور النازية في ألمانيا. كما استطاع هذا التحالف أن يغتصب حوالي ( 5.5 % ) من أراضي فلسطين الخصبة بأساليب التسلط المعلن والترهيب الاستعماري. وهكذا ارتفع عدد اليهود في فلسطين من حوالي ( 65000 ) كانوا في بداية الاحتلال البريطاني إلى حوالي ( 650.000 ) في نهايته عام 1947 بينما بلغ عدد شعب فلسطين آنذاك مليونا ونصف.

كان الاستعمار الأوروبي قد أكمل سيطرته على غالبية أجزاء الوطن العربي في أعقاب الحرب العالمية الأولى وغالبية أجزاء العام الاسلامي. واشتدت مقاومة العرب ومقاومة الشعوب الإسلامية لهذا الاستعمار في جميع هذه الأجزاء، ومنها فلسطين التي شهدت انتفاضات وثورات على مدى العشرينات والثلاثينات بلغت ذروتها عام 1946 وحتى عام 1939. وفرضت هذه المقاومة على بريطانيا نوعا من التراجع اكثر من مرة ثم نشبت الحرب العالمية الثانية فطرحت معطيات جديدة على الصعيد الدولي. وتكيفت الحركة الصهيونية مع هذه المعطيات فنقلت مركز ثقلها إلى الولايات المتحدة التي برزت خلال الحرب العالمية وبعدها زعيمة للغرب.

وقد طرحت خلال هذه المرحلة ومنذ عام 1937 فكرة تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية. وصدر عن الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني "نوفمبر" 1947م، قرار التقسيم وسط ضغوط التحالف الاستعماري الصهيوني، فأعطى هذا القرار للدولة اليهودية أضعاف المساحة التي اغتصبتها الحركة الصهيونية من أرض فلسطين واكثر من نصف مساحة البلاد الكلية. ويلفت النظر بأن كل المهاجرين اليهود حتى نهاية هذه المرحلة كانوا من يهود أوروبا، الآمر الذي ينسجم مع حقيقة أن الغزو الصهيوني في نشأته هو غزو استعماري استيطاني أوروبي. ويلفت النظر أيضا قيام المستوطنين الصهاينة بعد إصدار بريطانيا للكتاب الأبيض عام 1939م بعمليات ضد سلطة الانتداب نظمتها بعض منظماتهم الإرهابية. وقد أطلقوا على هذه العمليات اسم حرب الاستقلال ووصفوها بأنها حركة تحرير ليركبوا موجة التحرير التي عمت منذ الحرب العالمية الثانية قارتي آسيا وأفريقيا، وليصطنعوا تاريخا يغطي حقيقة التحالف الصهيوني مع الاستعمار البريطاني وكان هذا الكتاب الأبيض قد نص على تحديد الهجرة اليهودية لفلسطين في أعقاب شعب فلسطين.

دخلت الغزوة الصهيونية مرحلة التغلغل هذه مع انتهاء الحرب العالمية الأولى في وقت اشتد تكالب أوروبا فيه على الاستعمار. ولكن الحرب غيرت في صورة القارة الأوروبية ومهدت لظهور المذاهب الجمعية فيها، وفرضت إعلان مبادئ حق تقرير المصير والسلام. وقد انعقد مؤتمر فرساي عام 1919م في أعقاب الحرب فجاءت قراراته ضربة موجعة لتلك المبادئ. وشهد المؤتمر حوار دول الغرب حول اقتسام مناطق النفوذ والمستعمرات تحت اسم الانتداب أو الوصاية. وهكذا مكن الانتداب البريطاني الغزوة الصهيونية من التغلغل في فلسطين، وتقاسمت بريطانيا مع فرنسا حكم غالبية أجزاء الوطن العربي بعد تجزئته. وكانت أوروبا في هذه المرحلة ما تزال تهيمن على مقدرات القارات الأخرى، وان برزت الولايات المتحدة الأمريكية كقوة كبيرة إلى جانبها. وقد تعاظمت مقاومة الشعوب المستعمرة للاستعمار في تلك الفترة. وكان من أمثلتها البارزة نضال شعب فلسطين العربي ونضال الشعوب العربية في بقية الوطن العربي. وظهرت أزمة القيم التي تعانيها الدول المستعمرة. وانعكست على تجربة عصبة الأمم. وهكذا تفجرت الحرب العالمية الثانية بعد عقدين من مؤتمر فرساي. ونلاحظ أن الغزوة الصهيونية استغلت هذا المناخ الدولي و أثرة على السياسة الأوروبية لتتغلغل في فلسطين، والتقت مع النازية في اصطناع حملات الاضطهاد ضد اليهود في أوطانهم لبلوغ أهدافها في تهجيرهم. ونلاحظ أيضا أن النضال العربي دخل مرحلة جديدة في هذه الفترة، فبرز النضال الوطني الذي فرضه واقع تجزئة الاستعمار للوطن العربي، ويمكننا أن نرى بالنظرة الشاملة لحركات هذا النضال الوطني في مختلف الأقطار العربية أن كان متأثرا بحقيقة ترابط الآمة العربية. وهكذا كانت الحركات تتجاوب عن بعد رغم التجزئة، ولقد نجح النضال العربي في أن يطرد الاستعمار من بعض هذه الأجزاء. وظهرت بوضوح موجة التحرير في الوطن العربي اثر انتهاء الحرب العالمية الثانية.





بدأ الغزو الصهيوني مرحلة جديدة عام 1948 بعد انسحاب بريطانيا من فلسطين وتسليمها أراضي واسعة للحركة الصهيونية التي أعلنت قيام دولة إسرائيل. ونشبت في بداية هذه المرحلة حرب فلسطين التي يصطلح على اعتبارها الحرب الأولى في الصراع. وقامت الحركة الصهيونية بطرد حوالي مليون من أبناء فلسطين إلى الأراضي العربية المجاورة تنفيذا لمخططات الاستعمار الاستيطاني التي استهدفت إحلال مستعمرين صهاينة محلهم. وشهدت هذه المرحلة أثر ذلك تدفق موجات هجرة من يهود أوروبا أولا ثم من يهود الوطن العربي إلى فلسطين، وبلغ عدد الذين وفدوا حتى عام 1967 حوالي مليونين، فارتفع عدد سكان التجمع الإسرائيلي خلال مرحلة الغزو من ستماية وخمسين ألفا إلى حوالي مليونين ونصف متضاعفا أربع مرات. ومثل هؤلاء حوالي 13 % من اليهود في العالم. وتضاعفت أيضا مساحة الأراضي التي سيطر عليها الغزاة من خلال تسليم بريطانيا مساحات واسعة منها قبيل انسحابها وفقا لخريطة تقسيم 1947، ومن خلال تجاوز خطوط هذه الخريطة عام 1948 وتنفيذ اتفاقيات رو دس عام 1949م واغتصاب مزيد من الأراضي العربية. وهكذا سيطرت الحركة الصهيونية على أكثر من 70% من مساحة فلسطين الكلية ونجحت في احتلال بعض الأحياء الجديدة من القدس. واستطاع أبناء القدس من خلال مقاومة ضاربة حماية المدينة القديمة والأماكن المقدسة فيها.

وهكذا شملت المساحة التي استولى عليها الكيان الصهيوني كل فلسطين عدا قطاع غزة والضفة الغربية ومساحة صغيرة جنوبي طبرية. وقامت إسرائيل بشن حرب على مصر عام 1956 متواطئة مع بريطانيا وفرنسا في محاولة منها للتوسع فاحتلت قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء. ولكنها اضطرت إلى الانسحاب منها بعد فشل العدوان الثلاثي وحرب السويس. وكانت هذه الحرب هي الحرب الثانية في الصراع ودأبت إسرائيل قبل ذلك على القيام باعتداءات مستمرة على الضفة الغربية والقطاع وعلى الحدود السورية والمصرية.

نجحت الحركة الصهيونية خلال هذه المرحلة في إيجاد ما أسمته "إسرائيل الصغرى" "وشرعت تخطط لإيجاد إسرائيل الكبرى". وتغير تكوين المجتمع الإسرائيلي فلم يعد قاصرا على اليهود الأوروبيين، بعد أن هجرت الحركة الصهيونية إعدادا من يهود الوطن العربي إلى فلسطين. وان بقيت الهيمنة فيه للمستوطنين الأوروبيين. وبدأت أثار هذا التغير بالظهور تدريجيا. وقد وضح في هذه المرحلة طابع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني سواء في مفاهيمه العنصرية أو في أساليبه التوسعية. وتحلى أكثر مما تجلى في السياسة الإسرائيلية تجاه عرب فلسطين المحتلة الذين بقوا في أراضيهم والذين طردوا منها، واشتهرت من معالم هذه السياسة مذابح دير ياسين وقبية ونحالين وكفر قاسم، واغتصاب الأراضي، وسياسة التعليم، وتهجير العرب الفلسطينيين.

استجاب العرب لتحديات نكبة 1948 فدخل نضالهم ضد الغزو الصهيوني مرحلة جديدة. وحققت اليقظة في الوطن العربي إنجازات كبيرة. وتدفقت موجة التحرير في العالم الإسلامي فاستقلت شعوب إسلامية كثيرة. وكان لفشل العدوان الثلاثي أثره الكبير على دفع حركات التحرير في آسيا وأفريقيا. وخاضت الأمة العربية وشعوب آسيا وأفريقيا تجارب هامة في مجال التحول الاقتصادي والتعاون السياسي. الآمر الذي أقلق التحالف الاستعماري الصهيوني وحفزه على ضرب هذا التقدم.

وظهر على الصعيد الدولي في أعقاب الحرب العالمية الثانية علم جديد شهد حدوث الانقلاب النووي. وتعاظم في هذا العالم دور كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بعد أن خرجت أوروبا الاستعمارية من الحرب منهمكة. وظهرت موجة التحرير الآسيوية الأفريقية فساهمت في رسم خريطة العالم الجديد وإذا كانت الدول الكبرى قد حاولت في مؤتمري يالتا وبوتسدام اللذين انعقدا عام 1945 رسم خريطة العالم فإن نضال الشعوب فرض تغييرات كثيرة على ما تم رسمه، وجعل من التحرير روح العصر. وظهرت تجربة الأمم المتحدة التي جعلتها موجة التحرير تختلف عن سابقتها. كان انعقاد مؤتمر باندونغ عام 1955م نقطة تحول في الصورة الدولية حيث انطلقت صيحة الدول المستقلة حديثا. وبرزت فكرة العالم الثالث و أسهمت في تخفيف حدة التوتر بين المعسكرين. وركزت الحركة الصهيونية على توثيق تحالفها مع الولايات المتحدة منذ أن تعاظم الدور الأمريكي في العالم.

واجه شعب فلسطين العربي في هذه ظروفا شديدة الصعوبة. فقد حلت به نكبة عام 1948، واحتلت إسرائيل أجزاء واسعة من وطنه، وفرض عليه هذا الاحتلال نزوح غالبيته إلى الضفة والقطاع والبلاد العربية المجاورة. اهتزت مؤسساته وتصدع كيانه. وما أسرع ما أفاق من هول النكبة واستجاب لتحدياتها. حقق على مدى هذه المرحلة صمودا يلفت النظر في مواجهة محاولات تصفية قضيته. أقل أبناؤه على نشر العلم وتلقيه وحققوا ثورة تعليمية حافظت على هويتهم كشعب. باشر محاولات جادة للكفاح المسلح وساهم في التصدي للاعتداءات الإسرائيلية وقاوم عرب فلسطين الذين بقوا في أراضيهم تحت الحكم الإسرائيلي أبشع صور العنف والاضطهاد وحافظوا على هويتهم الوطنية. كما قاوم أهالي غزة الاحتلال الإسرائيلي عام 1956. وتضافرت جهود أبناء فلسطين في عدد من أماكن التجمع لابراز الكيان الفلسطيني، فقامت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964. وتفجرت الثورة الفلسطينية عام 1965، وبدأت عملياتها ضد الاحتلال الإسرائيلي.

جاء قيام إسرائيل بشن حرب عام 1967 إيذانا ببداية مرحلة جديدة في الوجود الصهيوني الاستعماري في فلسطين والوطن العربي. فقد احتلت بهذه الحرب، التي هي الحرب الثالثة في الصراع، الضفة الغربية وقطاع غزة من أراضي فلسطين، والجولان من أراضى سوريا، وسيناء، من أراضى مصر. وضاعفت المساحة التي تسيطر عليها أربع مرات.

وأصبحت إسرائيل تحتل مركزا استراتيجيا بالغ الخطورة. فقد جثمت بقدميها على الضفة الشرقية لقناة السويس وساحل سيناء الجنوبي بين البحر المتوسط والبحر الأحمر في مواجهة دلتا النيل وواديه في مصر والسودان. وجثمت بقدميها على طول الساحل الغربي لخليج العقبة وفي الجزر التي تتوسط مدخله في مواجهة شبه الجزيرة العربية، وعلى طول خور الأردن من رأس خليج العقبة حتى منابع نهر الأردن في مواجهة الضفة الشرقية للأردن ومن ورائه العراق والخليج، وعلى طول خط بين جبل الشيخ ورأس الناقورة في مواجهة سوريا ولبنان، وعلى طول الساحل الشرقي للبحر المتوسط من رأس الناقورة حتى رأس العش شمال بورسعيد.

احتلت إسرائيل بهذه الحرب القدس الشرقية، وعملت على تهجير مزيد من يهود العالم إليها وإلى الأراضي العربية المحتلة. وشرعت في إقامة مستوطنات لهم في تلك الأراضي. وبدأت تتحدث عن "إسرائيل الكبرى" وتحكى عن "حدود التوراة" والحدود التاريخية في معرض الحديث عن "الحدود الدفاعية". وسيطرت على التجمع الإسرائيلي في هذه المرحلة مشاعر جنون العظمة والتفوق العنصري. وكان يمكن لهذه المشاعر أن يتفاقم تأثيرها لولا تصاعد مقاومة شعب فلسطين للاحتلال. ولولا تحرك النضال العربي في صورة حرب الاستنزاف التي قادتها مصر وقواتها التي كبدت إسرائيل خسائر فادحة مثل تدمير الميناء الحربي ( ايلات ) ونصف أسطول إسرائيل البحري التي ما أسرع أن نشبت ومارست تجربة استعمارية بشعة على أهالي فلسطين والجولان وسيناء فكشفت عن طبيعة الاستعمار الاستيطاني العنصري في الحركة الصهيونية. وكان من جوانب هذه التجربة طرد وتشريد مزيد من العرب وفرض تهجير مدن بكاملها.

بقدر ما كان وقع خسارة حرب 67 شديدا على الأمة العربية بقدر ما قويت استجابة النضال العربي لتحدي هذه الحرب. فقد جابه بعزم العدوان الصهيوني فكانت حرب الاستنزاف. وتصاعدت مقاومة شعب فلسطين العربي التي استمرت بلا انقطاع منذ بداية الغزوة. واكتسبت أهمية بالغة وبخاصة بعد الانتصار الذي تحقق في معركة الكرامة عام 1968 وفرض حقيقة وجود شعب فلسطين على الصعيد الدولي.

كان العالم يشهد في تلك الآونة تحولا في العلاقات التي تحكم الدول. فقد أحدثت سياسة التعايش السلمي في كل من المعسكرين تغيرات هامة. وعمدت القوى الاستعمارية إلى محاولة ضرب حركات التحرر. وجاء عدوان 1967 ليمثل ذروة هذه المحاولات. واشتد الصراع بين الدول النامية والدول الغنية وعمدت إسرائيل إلى خدمة مصالح الدول الاستعمارية وسياساتها في الوطن العربي والعالم الثالث. كما عمدت إلى تقوية تحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية. وبدت إسرائيل من خلال ممارستها تجسيدا لحقيقتها الاستعمارية الفريدة. "فهي ظاهرة استعمارية صرفة قائمة على الاغتصاب. وهي استعمار طائفي بحت أساسها التعصب الديني وهي استعمار عنصري مطلق بكل ما في العنصرية من استعلاء وتعصب واضطهاد ينطلق من اللون وزعم الشعب المختار. وهي قطعة من الاستعمار الأوروبي عبر البحار. وهي استعمار سكني توطني. وهي تجسيم للاستعمار المتعدد الأغراض السكني والاستراتيجي والاقتصادي. وهي استعمار توسعي يحلم بمجاله الحيوي. وهي استعمار من الدرجة الأولى والثانية معا بالأصالة والوكالة لحساب الصهيونية العالمية والاستعمار العالمي".

رسم مسار الغزوة الصهيونية خلال هذه المراحل الأربعة خطا متصاعدا. ثم نشبت حرب رمضان عام 1973 فرضعت حدا لهذا التصاعد. وتابعت الثورة الفلسطينية نضالها على كل ألا صعده وخاضت على الصعيد العسكري معارك مشرفة، فحققت إنجازات هامة على طريق إبراز الكيان الفلسطيني والاعتراف الدولي بالحقوق الوطنية لشعب فلسطين. واحتدم الصراع العربي الإسرائيلي. وتزايد نزوع الحركة الصهيونية نحو التطرف في مواجهة النضال الفلسطيني، فركزت إسرائيل همها على اغتصاب القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.

يمكننا أن نسجل عند هذا الحد ملاحظة عامة حول اتجاه الصراع الدائر فوق أرض فلسطين والذي يشمل بأبعاده كامل الساحات العربية والإسلامية. وهي أننا نشاهد لاول مرة في تاريخ هذا الصراع بداية العد العكسي للغزو الصهيوني لفلسطين. وإذا كان لهذا علامات كثيرة آلا أن من هذه العلامات التغيير الهام الحاصل في المجال الدولي بالنسبة إلى الدولة الإسرائيلية التي تعاني عزلة راحت تتزايد يوما بعد يوم، بينما أخذت القضية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، والمكانة العربية والإسلامية عموما، تزداد تأثيرا في النطاق الدولي وقد انعكس ذلك بما أخذت تناله الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في العودة وتقرير المصير و إقامة دولته المستقلة من اعتراف دولي شبه كامل، وبما راحت تحظى به منظمة التحرير من اعتراف دولي يتزايد يوما بعد يوم، وبما أصبح للأمة العربية والإسلامية، خصوصا عندما تتحد كلمتها من صوت مسموع ومهاب على مستوى دولي.

أن طبيعة الصراع الذي تخوضه امتنا مع العدو الصهيوني تعطي لهذا التغيير أهمية أساسية في تأثيره على مجري الصراع ومستقبله. لان هذا الصراع لم يكن يوما صراعا محليا له أبعاد دولية، و إنما هو صراع دولي تكثف ويتكثف على أرض فلسطين، فالغزو الصهيوني جاء من الخارج، وبدعم من الخارج، وقامت دولته واستمدت قوتها، وما زالت، من خلال دعم عالمي لا مجال لنكرانه والجدال فيه. ولهذا عندما يتأزم وضعها دوليا وتبدأ الرياح تجري في هذا الميدان على عكس ما تريده أشرعة سفينتها تكون قد فقدت ركنا أساسيا من أركان قوتها وحياتها. وإذا ما صحب ذلك تصعيد في النضال الفلسطيني وتكريس للوحدة الوطنية الفلسطينية ومزيد من الدعم العربي والإسلامي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وإذا ما صحبه تعزيز للتضامن العربي الإسلامي وتأكيد لارادة الأمة في تحرير القدس و إحقاق الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، وجهد دائم في مجال الاستعداد و إعداد العدة عسكريا واقتصاديا واجتماعيا، فسوف تميل كفة الميزان إلى مصلحة فلسطين والبلاد العربية الإسلامية وتبدأ الأمور تأخذ موقعها الطبيعي ومسارها الحتمي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.