لم تكد تمر أيام علي قبول الطعن المقدم من الرئيس السابق حسني مبارك علي الحكم الصادر ضده بالسجن المؤبد 25 عاماً في قضية قتل المتظاهرين السلميين في أثناء ثورة يناير 2011 لتعود المحاكمة (أمام دائرة جديدة) إلي المربع صفر، حتي عاد إلي الواجهة مجدداً، وبدأت التكهنات تسير في اتجاهات عدة بشأن المصير المتوقع للرئيس المخلوع متأرجحة بين احتمالات حصوله علي ذات الحكم السابق بالمؤبد، أو الإعدام حال ظهور أدلة جديدة قد تكشف عنها لجنة تقصي الحقائق، لكن تصريحات وزير العدل المستشار أحمد مكي التي أطلقها أخيراً مؤكداً فيها ميله إلي العفو عن مبارك أضافت منحي جديداً لتوقعات مصير المخلوع، لكنها في الوقت ذاته أثارت ردود فعل غاضبة علي مستوي الدوائر السياسية والشعبية. التصريحات الإعلامية التي أطلقها وزير العدل المستشار أحمد مكي في سياق حديثه لإحدي الفضائيات العربية الإخبارية نهاية الأسبوع الماضي، أحدثت صدي واسعاً، وبخاصة أن تلك هي المرة الأولي التي يخرج فيها مسئول حكومي بارز بتصريح من هذا النوع يميل فيه بحسب قوله إلي العفو عن مبارك، ففي حين قال مكي إنه لا تسوية سياسية في قضية الرئيس السابق، وأن من يصدر العفو الصحي هو النائب العام وليست الحكومة أو غيرها، عبر عن رأيه الشخصي في العفو عن مبارك، بقوله إنه كمسلم يميل للعفو، مستشهداً بقوله تعالي "والعافين عن الناس"، لكنه في الوقت ذاته أكد أن القرار مرهون بإرادة أهالي الضحايا وعموم الشعب، لأنهم هم أصحاب الحق والدم. في المقابل تسربت التخوفات إلي قطاع عريض من الشعب المصري، من أن تبدأ سلسلة من التصالحات مع مبارك ورموز دولته البائدة من رجال الأعمال المتهمين في قضايا متعلقة بنهب المال العام وإهداره أو الفساد المالي عموماً، وبخاصة أن تصريحات مكي الأخيرة ألمحت بشكل واضح إلي إمكانية حدوث هذه التصالحات، فبخصوص إمكانية التصالح مع بعض رموز النظام السابق مقابل دفع تعويضات لخزانة الدولة، قال مكي إذا كان المتهم وأمواله في يد الحكومة المصرية وستصادر فلا يوجد داع للصلح، أما إذا كانت الأموال مهربة فحينها يأتي الصلح والتفاوض لاسترجاعها. وتابع مكي: "وحول ما يتعلق بوزير الصناعة والتجارة الأسبق رشيد محمد رشيد (الهارب بدولة قطر)، لا توجد جريمة فعلية تعكس انحرافا بالغا، والتجاوزات التي حدثت من الممكن أن تحدث سهوا، ولذلك من الممكن التصالح. وبسؤاله عن وضع رجل الأعمال الهارب حسين سالم والمتورط مع الرئيس السابق في قضية بيع الغاز لإسرائيل، قال مكي إن لسالم أموالا في الداخل وهي في يد الحكومة، إلا أن الكثير من الأموال لا يزال في الخارج، ومن الممكن التفاوض والتصالح لاستردادها لأن الجريمة ليست مقترنة بدماء وأن لكل فعل قدره. وبوجه عام لم تكن تلك هي المرة الأولي التي تثار فيها مسألة العفو عن مبارك، إذ إن محكمة القضاء الإداري قضت، في فبراير 2012 بعدم قبول الدعوي التي تطالب بالعفو عن الرئيس السابق حسني مبارك وأسرته مقابل التنازل عن أموالهم وذلك بإجراء استفتاء شعبي. وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إنه لا يوجد نص قانوني بالدستور أو القانون يلزم الدولة بعمل استفتاء حول العفو عن مبارك من عدمه، ومن ثم فلا يوجد قرار إداري، الأمر الذي يستوجب الحكم بعدم قبول الدعوي لانتفاء القرار الإداري. وكان المحامي نبيه البهي، أقام هذه الدعوي في مايو 2011 مختصماً فيها كلاً من المجلس العسكري (حاكم البلاد أثناء الفترة الانتقالية) ومجلس الوزراء مطالباً بالعفو عن مبارك وأسرته بعد إجراء استفتاء علي الشعب مقابل تنازلهم عن أموالهم، وأوضح البهي في دعواه أن الشعب يمر بفترة عصيبة وأن محاكمة مبارك تقسم الشعب ما بين مؤيد ومعارض لهذه المحاكمة، موضحاً أن سوزان مبارك تم العفو عنها مقابل تنازلها عن أموالها، مطالباً بالتعامل مع مبارك بالمثل. في سياق ذي صلة، عزز تخوفات التصالح مع رجال أعمال النظام السابق، ما حدث في قضية هدايا مؤسسة الأهرام التي انتهت الأسبوع الماضي بالتصالح نظير سداد المتهمين 18 مليون جنيه تمثل إجمالي قيمة هذه الهدايا، حيث وافقت نيابة الأموال العامة علي طلب مقدم من عائلة الرئيس السابق للتصالح في قضية هدايا الأهرام، ورد قيمة تلك الهدايا التي حصلوا عيها بغير وجه حق، وهي عبارة عن أقلام ذهبية وساعات وحقائب جلدية وملابس وعطور فاخرة. وقال المحامي العام لنيابة الأموال العامة العُليا المستشار مصطفي حسيني، في تصريحات إعلامية "إن النيابة وافقت علي طلب مُقدم من فريد الديب المحامي عن الرئيس السابق وأسرته، لسداد قيمة الهدايا التي تقاضوها وحصلوا عليها من دون وجه حق من مؤسسة الأهرام خلال الفترة من عام 2006 حتي يناير 2011 وذلك من حساب خاص بأسرة مبارك ضمن الأموال المتحفظ عليها بمعرفة النيابة العامة". وعلي الرغم من أن المستشار مصطفي حسيني، أكد لاحقاً أن قبول التصالح مع مبارك وأسرته، في قضية هدايا الأهرام ليس نهائيًا، وأن النيابة في انتظار التقرير النهائي للجنة الفنية المشكلة لفحص الهدايا وقيمتها، فربما يكشف الفحص مستقبليا عن هدايا أخري وأموال مستحقة لمؤسسة الأهرام، وذلك يجعل القضية رهن التحقيقات، ويجعل الرئيس السابق محبوسا علي ذمتها لحين الانتهاء الكامل من التحقيقات، أعربت بعض الدوائر السياسية والحزبية عن قلقها من التصالح مع الرئيس السابق في هذه القضية. من ناحيته، قال حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إنه استقبل بالكثير من القلق، موافقة المحامي العام لنيابة الأموال العامة العليا علي التصالح مع الرئيس السابق وأسرته في قضية تلقيهم هدايا من مؤسسة الأهرام. وأكد الحزب إصراره علي أن تكون هناك محاكمات عادلة وناجزة لكل من أخطأ في حق الشعب وأن ينال العقاب الرادع كل من سولت له نفسه الاعتداء علي هذا الحق، وأن الثورة مستمرة ولن تنتهي حتي تتحقق كافة مطالبها. من جهته، اعتبر المرشح الرئاسي السابق أبوالعز الحريري أن التصالح مع الفاسدين ورجال أعمال النظام السابق بعد الثورة بالطريقة نفسها التي كان مبارك يتبعها مع الفاسدين في عهده غير مقبولة، وتهدر أهداف الثورة، كما تهدر أموال الشعب المصري. وقال الحريري إن التعامل مع مبارك وأسرته ورموز نظام حكمه علي أنهم مستثمرون متعثرون أمر مرفوض، فقانون العقوبات المصري ينظر إلي مبارك وأسرته وجميع المسئولين الحكوميين المتورطين في نهب المال علي العام، علي أنهم مختلسون، لافتاً إلي أن نفس القانون يعاقب صغار الموظفين العموميين المتهمين بالاختلاس بالسجن، ورد المبالغ المختلسة، وتغريمهم مبالغ مماثلة.