كثيرا ما يتداعي إلي ذهني لغز الموت والحياة، فنحن نحيا حياتنا، وتمر الأيام بسرعة مذهلة لنري أنفسنا علي عتبة المجهول. والتفكير في الحياة ومغزاها والهدف منها يصيب الإنسان بالحزن والأسي، لأن الإنسان لا يستطيع أن يجيب عن الأسئلة التي تقفز إلي الذهن حول فلسفة الموت و الحياة، ولا يجد لهذه الأسئلة إلا المزيد من الأسئلة التي تدعو إلي الحيرة. الحياة قصيرة جدا مهما طالت بالنسبة لعمر الإنسان علي الأرض، وهو في نفس الوقت البوابة التي لابد منها للعبور إلي العالم الآخر الذي نجهله، ولا نعرف عنه إلا ما أخبرتنا به الرسالات السماوية. واذكر أنني جلست يوما مع مفكرنا الأديب الدكتور مصطفي محمود وكان الحوار حول لغز الموت، ولغز الحياة. وأتذكر يومها أنه قال لي: الموت هو بداية الفلسفة وبداية الدين، وبداية الصحوة، وبداية الأمور جميعا.. وهو مؤدب الملوك والجبارين والطغاة، والموت هو الذي يصنع للدنيا حدودا.. وللجريمة حدودا.. وللطغيان حدودا.. وهو الذي يسوي في النهاية بين صاحب العمارة وبواب العمارة. والذي يتذكر الموت يصحو ضميره لأنه يعرف أنه أقرب إليه من شراك نعله، ومن هنا قال الحديث الشريف: موتوا قبل أن تموتوا. والمقصود من الحديث أن يموت الإنسان عن جشعه وخسته وظلمه.. الخ وتحدث يومها عن لغز الحياة بما ملخصه: أن الحياة طبعا عكس الموت، ويعني أن الذي يأخذ جرعة حياة كبيرة يكون في حالة غفلة. يقولون إن الحياة تلاهي، وهذا يعني أن الحياة ممكن أن تلهي صاحبها، ولكن في نفس الوقت الحياة حدد الله الهدف منها بقوله: »والله مخرج ما كنتم تكتمون« فالنفس تمتحن.. و تبوح بالسر، وتخرج ما خبأته، ومن هنا كانت الحياة شيئا ثمينا وقيما، وهي فرصة لأن يحقق الإنسان ذاته.. الحياة هي الامتحان والابتلاء والفرصة. وهي المناسبة التي هي في النهاية كل إنسان يعيش ويموت ويلعب فيها لعبته، المشكلة أن الإنسان أثناء دوار الحياة يخيل إليه أنها منحة دائمة وأنه لن يموت.. وهذا هو الخطأ الأكبر«. وعند هذا الحد تذكرت الحديث الشريف الذي معناه: ما نحن في هذه الدنيا إلا كراكب استظل بظل شجرة ثم تركها.. صدق الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام