مع الأيام الأولي وحتي خلال مرحلة التشكيل بدا أن البعض يرتب مفاجآت غير سارة لحكومة الدكتور هشام قنديل حتي تتعثر في خطواتها ومبكرا، فجاءت أحداث دهشور أو ماسمي بفتنة القميص، والبلطجة علي الكورنيش (نايل سيتي) وحوادث أخري متفرقة في ريف وحضر مصر، وأحدثها ما جري من مواجهات عنيفة وسقوط شهداء من جنودنا في رفح.. المفاجآت هي أشبه بالصدمات التي تختبر قدرات الحكومة الجديدة علي المواجهة، صحيح أن التركة الثقيلة التي علي هذه الوزارة أن تتحملها لاتحتاج لافتعال مشاكل جديدة، لكن المستهدف أن تتعطل هذه الحكومة وتغرق في أزمات تشغلها عن الملفات الأساسية التي تحتاج لحلول عاجلة وسريعة مثل إصلاح وإقالة الاقتصاد من عثراته المتواصلة واستعادة الأمن في ربوع البلاد. التشكيل الوزاري بعد خطاب التكليف من الرئيس مرسي إلي الدكتور هشام قنديل استغرق وقتا وكان شاقا، حيث استقبل قنديل أكثر من ثمانين مرشحا وارتفعت وانخفضت أسهم المرشحين للوزارة وحدثت تعديلات عديدة علي عدة مناصب، وبالطبع كان علي مقربة من المشهد كل من الرئاسة والمجلس الأعلي للقوات المسلحة وحدثت تفاهمات حتي تم الاتفاق النهائي علي التشكيلة الأخيرة إلي درجة أن بعض المرشحين تم استبعادهم قبل وقت قصير من حلف الوزارة لليمين، ويجب هنا التوقف للقول بأن الاختيار تم ليس علي الطريقة القديمة التي كانت في الغالب الأعم تعتمد علي قدر الثقة والولاء من المرشح للرئاسة وليس عنصر الكفاءة أو درجة الصلاحية لشغل المنصب بغض النظر عن ماضيه وحسن السيرة والسمعة، حيث استبعدت عدة أسماء بالنظر للتقارير الأمنية والرقابية التي تقف في طريق صلاحيته للمنصب، كما لم ينظر بشكل كبير لمسألة انتمائه الحزبي أو توزيع الحصص وهو ما أغضب البعض من حزب الرئيس (الحرية والعدالة) وحزب النور السلفي اللذين يشكلان معا الغالبية المطلقة في البرلمان كما كان يحدث في السابق مع الحزب الوطني المنحل، أيضا يلاحظ في التشكيلة الوزارية عنصر الشباب في الأعمار فرئيس الوزراء علي حافة الخمسين من عمره وأكثر من عشرين (من خمسة وثلاثين وزيرا) تقع أعمارهم بين الأربعين والستين عاما، كما يحمل 14 وزيرا درجة الدكتوراه في تخصصهم و85٪ منهم من التكنوقراط والباقي من السياسيين والحزبيين، وكان لانسحاب العديد من القوي السياسية من سباق الترشح ورفضها المشاركة دوره في غلبة التكنوقراط علي تشكيلتها وكانت أكثر الوزارات التي أثارت الجدل في المرشحين لها الإعلام والداخلية والعدل والدفاع وأحسب أن هناك توافقا وتفاهما جري حولها بين الرئيس والمجلس العسكري حتي خرج التشكيل بصورته النهائية وقد تمت إضافة أربع وزارات لأهميتها في المرحلة القادمة. ولكن من غير المفهوم أن تشن الحملات الإعلامية علي حكومة لم تتسلم بعد زمام الأمور وعلي رئيسها بحجج شتي منها قلة الخبرة السياسية وتواضع التاريخ المهني لكل واحد منهم وأنهم لن يستطيعوا تنفيذ وعود الرئيس في المائة يوم الأولي من حكمه واتهام البعض منهم بأنهم من فلول النظام القديم وأنهم قريبو الفكر والتوجه من الإخوان والتيار الإسلامي بشكل عام دون أن تترك لهم الفرصة كاملة لممارسة مهامهم والحكم عليهم بالنتائج التي سيحققونها أو يفشلون في ذلك، وبدا المشهد وكأن تلك الحملات تستهدف إفشال هذه الحكومة قبل أن تبدأ وبالتالي إفشال الرئيس وإجهاض برنامجه الذي ترشح علي أساسه، ونسي من يديرون مثل تلك الحملات أن مبارك وحكوماته المتتالية قضوا أكثر من ثلاثين عاما أعادوا البلاد خلالها للوراء عشرات السنين رغم الخطط الخمسية المتوالية التي قدموها، فكانت مجرد سراب وأوهام خدعوا بها الشعب لزمن طويل وكأن المطلوب من هذه الحكومة أن يحمل أعضاؤها أفكارا وحلولا سحرية سريعة المفعول لمشاكل مصر أو كوارثها التي خلفها النظام البائد. نحن أمام وزارة غالبيتها من الشباب وليس من المتقدمين في العمر الذين كانوا يوزعون وقتهم بين الوزارة وغرف العناية المركزة ويعتمدون علي التقارير، وأحسب أن الوزراء الجدد سيكونون في الميادين ووسط ساحات الأزمات وسيكرسون جهدهم ويوظفون ماحصلوا عليه من علوم ودراسات متقدمة في مجالات تخصصهم لخدمة البلد وأبنائه. وقد بدأ ذلك رئيسهم الذي قام بزيارات مفاجئة لتفقد الرعاية الصحية والحالة الأمنية. الحكومة الجديدة أمامها تحديات صعبة من أهمها حالة الانفلات الأمني التي تلقي بآثارها السلبية علي كافة قطاعات الدولة الأخري واقتصاد علي حافة صعبة بسبب العجز في الموازنة الذي بلغ 130 مليار جنيه وتراجع معدلات الإنتاج والاستثمار والمشاكل العاجلة المتمثلة في انقطاع الكهرباء والمياه عن مناطق عديدة بالبلاد والفساد الذي يغطي قطاعات حيوية واستمرار بقايا النظام في كافة مفاصل الدولة ورغبتهم في إيقاف عجلة التنمية في مناخ صحي خال من كل صور الرشوة والمحسوبية والروتين العقيم والمعطل لأي تقدم مستقبلا. من هنا لابد أن تحصل هذه الحكومة علي فرصتها في أن تقدم لمصر حلولا لمشاكلها ولانهيل التراب عليها قبل أن تبدأ. والقوي السياسية عليها واجب إذا كانت تدعي حرصها علي صالح الوطن وأبنائه أن تتصدي معها للمؤامرات التي تدار ضدها من جانب أعداء الثورة لإفشالها، لأن ذلك سيصب في صالح هؤلاء وليس لكل الوطن، إشعال الفتن الطائفية وتعطيل مرافق الدولة عمدا وإغلاق المصانع ووقف الإنتاج والاعتصامات المشبوهة والتحريض علي تدمير المنشآت، كلها وسائل تعمل قوي الثورة المضادة عليها لإفساد عملية الانتقال لدولة ديمقراطية حديثة يتمتع فيها الجميع بكافة حقوقهم ولتتمتع أجيالنا القادمة بفرص حياة أفضل مما عشناها في الماضي الذي لن يعود إذا تكاتفنا وتوافقنا من أجل مصر.