اختتمت في العاصمة العراقية بغداد الدور الثالثة والعشرون للقمة العربية بعد ساعات من افتتاحها بحضور تسعة زعماء عرب وممثلين عن 21 دولة عربية وغياب سوريا.. والتي هيمنت أزمتها علي جدول أعمال القمة وهو ما انعكس في مقررات (إعلان بغداد) الذي أيد الحوار في سوريا وطالب بتنفيذ خطة المبعوث المشترك كوفي عنان بعدما حسم الجدل بشأن خروج الملف السوري من أيدي العرب إلي الساحة الدولية. لاشك أن الأطراف جميعها سعت خلال القمة إلي عدم تجاوز السيناريو المتفق عليه منعا لتفجر أي أزمات وفي النهاية حصل الجميع علي مبتغاه. العراق عاد إلي القمة ونجح في تأمين انعقادها بالحد الأدني المقبول.. دون خروقات أمنية تعكر الأجواء.. شاركت كل الدول العربية بمستويات مختلفة. من جانبه نجح جلال طالباني في الحيلولة دون تصعيد السقف ضد سوريا بما يتجاوز مقترحات كوفي عنان خاصة فيما يتعلق بتنحي الرئيس الأسد واستدعاء التدخل الخارجي. والأهم أنه حصل علي اعتراف عربي بالوضع القائم فيه. أما السعودية وقطر فقد نجحتا في الحيلولة دون إثارة ملف البحرين خلال القمة.. وانتزعتا إقرارا عربيا (بجريمة حرب ارتكبت في بابا عمرو) من دون أن تتمكنا من فرض بند يدعو مجلس الأمن إلي إصدار قرار ضد سوريا مبني علي المقررات السابقة للجامعة العربية. حتي سوريا الغائب الذي تصدر القمة حصلت علي ما أرادت.. سلمت قطر رئاسة القمة إلي العراق.. وسلم العرب بأن الملف السوري أكبر منهم حيث بات حلقة مفصلية علي الطاولة الدولية.. وخاصة بين الولاياتالمتحدة وروسيا. وهكذا في اختتام أعمال القمة الأولي التي نظمتها بغداد منذ 22 عاما.. طالب القادة العرب في القمة التي غاب عنها جميع زعماء دول الخليج باستثناء أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح.. المعارضة السورية بكافة أطيافها بتوحيد صفوفها من أجل الدخول في حوار جدي يقود إلي تحقيق الحياة الديمقراطية. وتبقي الأسئلة مطروحة فبرغم السجالات السياسية في العراق داخله وخارجه حول جدوي انعقاد القمة العربية في بغداد.. ومامدي أهميتها للعراق.. وهل تستحق ماصرف عليها من مبالغ مالية كبيرة.. وإلي أي جهة سياسية سوف يحسب نجاحها (إن كانت ناجحة) والسؤال الأهم حول مصير العمل العربي المشترك في ظل رئاسة العراق للقمة لعام كامل؟ يري السفير هاني خلاف مندوب مصر الأسبق لدي جامعة الدول العربية: أن أهم السمات المميزة لهذه القمة أنها انعقدت لأول مرة بعد غياب عامين.. حدثت خلالهما تغيرات وتحولات ثورية في أكثر من 6 دول عربية.. بعض هذه البلاد حقق استقرارا نوعيا.. وأخري لاتزال ثوراتها بها سيولة وميوعة ولم تستقر بعد.. ويري علي سبيل المثال أن الثورة المصرية لم تحقق كل أهدافها وطموحاتها بعد.. ولأبناء كل مؤسساتها رغم الخطوات المهمة التي حدثت. ويضيف : أنه كان يتخيل أن وجود هذه الدول ذات التغيير الجذري إلي جانب أخري متحفظة بنفسها بعيدة عن أي تغيير سيخلق لغة صدامية إلا أنه اكتشف أنه حتي ممثلو الدول التي شهدت ثورات لايحملون النفس الثوري.. لأن الثورة لم تصل بعد إلي دولاب النظام الحكومي.. لذلك تتصرف القمم واللقاءات الخارجية كما كان يتصرف النظام السابق.. مدللا علي ذلك بالبنود الاقتصادية الواردة في القمة ووصفها بأنها بعيدة كل البعد عن أي تفكير ثوري أو تكامل عربي. أيضا لفت إلي أن الدول التي لم تطلها الثورات تسعي إلي إثبات أن تجارب التغيير التي تمت لدي غيرها لم تكن منتجة وغير فاعلة بل علي العكس تسبب مشاكل اقتصادية واجتماعية وأمنية. ودعا خلاف إلي بناء قوة عربية للتدخل السريع قائلا: كنا علي شفا الاتفاق علي مثل هذه الأفكار في قمة الرياض 2007 حيث كان هناك اقتراب فكري بين مصر والسعودية لتجديد آليات العمل القومي المشترك بما فيها وحدة عربية يمكنها التدخل السريع. إما لأسباب إنسانية أو المساعدة في حالة كوارث طبيعية أو لحفظ الاستقرار. ويؤكد أنه من الوهم القول إن الشعب العربي تغيرت نظرته للجامعة العربية لأنهم آتوا بالناتو لإقصاء القذافي.. موضحا أن الجامعة العربية ستكون مقبولة ويحدث بها تغير حقيقي لو أصبحت الموضوعات التي تبحثها الجامعة في وجود ممثلين للقوي الشعبية والمجتمعات المدنية هي تلك التي تتصل بالحياة اليومية للمواطن العربي اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. ويكمل .. رغم التجربة الديمقراطية في العراق التي وضعت دستورا أسس لكثير من المفاهيم الديمقراطية الصحيحة في العالم العربي منذ 2003 و2005 وأجريت عدة انتخابات ديمقراطية إلا أن هناك مشكلات نفسية وعشائرية وطائفية كامنة.. ليس بسبب أن العراق أصبح دولة مختلفة عما كانت عليه تحت نظام صدام حسين لكن بسبب الجوار اللصيق مع إيران ومايسببه لبعض العراقيين من هواجس ومخاوف ومايسببه أيضا لرفقاء العراق في العالم العربي. ويطالب خلاف بضرورة دعم العراق سنة وشيعة في تجاوز خلافاته أولا ثم الانتقال لحياة سياسية ودبلوماسية وأمنية وصحية.. وبناء جيش محترف حتي يمكنه الوقوف بندية أمام إيران. فضلا عن استثمار هذا التلاصق الجغرافي بين العراق وإيران والتعامل السياسي بينهما ليقدم العراق بدايات الحوار العربي الجماعي مع إيران رغم وجود اعتراضا عربية علي مبدأ إطلاق حوار مع إيران. موضحا أنه إذا قبل الحوار المصري الإيراني فإن هذا يشمل عدة مستويات يتحدث فيها العلماء ورجال الفكر ثم مستوي البرلمانيين ورجال أحزاب وقوي سياسية ثم ينتقل إلي مستويات حكومية أعلي نافيا أن يكون هذا معناه دخول الإيرانيين للمنطقة اقتصاديا وعسكريا وسياسيا.. وناصحا بوجود فقهاء يفهمون جيدا الفكر الإسلامي كجزء في هذا الحوار حتي يتمكنوا من إسكات الجزء المتطرف من الفكر الشيعي الذي يفترض بعض الفرضيات الفقهية والشرعية التي يرفضها السنة.