في صباح يوم السادس من أكتوبر عام 1981 بينما كنت أتابع من مكتبي في حي الصحافة بمدينة بون وقتها كانت عاصمة ألمانيا لمتابعة الخطاب الذي سيلقيه الزعيم الراحل محمد أنور السادات ومعي مجموعة من الزملاء الصحفيين الألمان والمراسلين الأجانب الذين كانوا يرغبون أيضا في سماع حديث هذا الرجل الذي كان ومازال يتمتع بثقة وحب وتقدير الشعب الألماني علي مختلف طبقاته وقياداته نظرا لما كان يتمتع به من حكمة وبعد نظر.. فجأة وبينما طابور العرض يمضي في طريقه الاحتفالي هبط هذا الإرهابي الجبان من مركبته وظن الجميع أنه يتوجه لتحية القائد فإذا به يصوب طلقاته النارية الجبانة لتغتال هذا الرجل الذي ضحي بنفسه من أجل سلام وأمن واستقرار هذه المنطقة التي عانت وشعوبها لسنوات طويلة من إراقة الدماء وعدم الاستقرار كما أصابت الطلقات الطائشة العديد من المشاركين في الاحتفالية وعلي رأسهم الرئيس حسني مبارك ا لذي كان يشغل وقتها منصب نائب الرئيس. وساد الهرج والمرج أنحاء المبني الذي كان يكتظ بعشرات من مكاتب وكالات الأنباء والصحف المحلية والعالمية وهرول الجميع في اتجاه مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط في الدور الخامس التي كنت أمثلها يستفسرون وكلهم في فزع ورعب عن حقيقة ماحدث وهم لا يصدقون. وعلي الفور اتصلت بالسفيرة د.عائشة راتب سفيرة مصر في ألمانيا وقتها وأخبرتها بما حدث وأنا أبكي من هول الفاجعة فهدأت من روعي وقالت هذا هو قدرنا وقدر بلدنا ولابد أن نواجهه بشجاعة وحكمة القائد.. وعندما طلب التليفزيون الألماني مني أن أشارك في ندوة حول دور السادات في عملية السلام ومستقبل الشرق الأوسط بعد رحيله لم أتردد لحظة في قبول الطلب برغم التحذيرات التي قدمت لي بحجة أن الأمور في مصر مازالت غير واضحة وغير مستقرة ودافعت عن الرجل في الندوة بكل قوة وثقة لأني كنت أقدره وأثق في صدق نواياه وإخلاصه لهذا الوطن وأمته العربية وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني مشيرا إلي أن أمن واستقرار الشرق الأوسط مرتبط بأمن واستقرار العالم كله. وفي عام 1994 تم تكليفي للعمل مستشارا إعلاميا بسفارة مصر في بون.. وما أن وطأت قدماي الأراضي الألمانية حتي بدأت في اتصالات مع الصحفيين ورجال الإعلام الألمان لإطلاعهم علي ما تشهده مصر من تطور وجهودها من أجل السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وتحقيق التنمية الشاملة لرخاء ورفاهية شعبها، ولم يكد يمر عام علي وجودي في ألمانيا وتحديدا في نوفمبر من عام 1997 حتي وقعت الكارثة الكبري »مذبحة الأقصر« التي هزت وجدان العالم كله والتي راح ضحيتها عشرات السياح من مختلف الجنسيات معظمهم من السويسريين.. وبدأت أجهزة الإعلام المختلفة وخاصة شبكات التليفزيون تتباري في نقل وقائع هذا العمل الإجرامي اللا إنساني بكل المقاييس بالصوت والصورة من موقع الحدث.. كما انتقل الرئيس مبارك إلي موقع الجريمة لمتابعة تفاصيلها والأسباب التي أدت إليها تحاشيا لحدوثها مرة أخري نظرا لما تمثله من أضرار بالغة لسمعة مصر وشعبها وتدمير لمصالحها القومية واقتصادياتها. استعرضت معكم هذين الحدثين ونحن نتابع ونناقش ونحلل القرار الخاص بمد حالة الطوارئ بعد موافقة مجلسي الشعب والشوري علي ألا تطبق إلا في حالتي مكافحة الإرهاب وجلب وتجارة المخدرات. حقيقة الأمر أنني أؤيد وبشدة تطبيق مفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والتي تلبي رغبات الفرد نحو حياة أفضل وأكثر أمانا حيث أنني تعلمت وعشت لسنوات طويلة في أرقي الدول الديمقراطية في العالم »النمسا وألمانيا« وأعلم جيدا مدي أهمية غرس وتعميق مفاهيم الحرية والديمقراطية لدي المواطن في كل مكان وضرورة العمل علي تطبيقها في مصر بحرص لصالح تقدم الوطن والمواطن.. غير أن الحرية والديمقراطية كثيرا ما تتعرض لأخطار ومعوقات يمكن أن تقضي عليها وتدمرها وأهمها خطر الإرهاب الذي بدأ يطل علينا برأسه القبيح مهددا أمن واستقرار وسلامة هذا الوطن وشل حركة أفراده نحو البناء والتنمية. كذلك فإن »جلب وتجارة المخدرات« وما تمثله من خطر جسيم علي صحة وقدرة المواطن المصري وخاصة الشباب الذين هم عماد ومستقبل هذه الأمة تفرض علينا ضرورة بذل كافة الجهود لمواجهة هذا الخطر القاتل والضرب بيد من حديد علي أولئك الشياطين المجرمين الذين تسول لهم نفوسهم الشريرة تدمير مقومات هذا البلد وشعبه. لكل هذا وذاك فإنني أري صحة هذا القرار الذي اتخذه نواب الشعب في المجلسين بمد العمل »بحالة الطوارئ« لعامين قادمين درءا للمخاطر وحماية للمواطنين علي أن تكون هناك محاذير ومعايير كافية تحول دون سوء استخدام هذا الحق خارج نطاق التعامل مع مخاطر الإرهاب وجرم المخدرات. نعم لقد أصبح الإرهاب وكذلك جلب وتجارة المخدرات ظاهرة عالمية تعاني منها جميع الدول والمجتمعات ولذلك فإنه لابد من تضافر كافة الجهود الدولية والإقليمية لمكافحة هاتين الظاهرتين والحد من أخطارهما.