وفي مذكراتها التي نشرتها »آخر ساعة» بقلم الكاتبة إيريس نظمي، روت شادية تفاصيل زيجاتها الثلاثة.. بعد فشل قصص الحب والزواج في حياة الفنانة الراحلة شادية قالت في مذكراتها هل أفعل مافعلته جوليت .. هل انتحر مثلها بعد فشلها في الزواج من روميو؟ أم هل أفعل مثلما فعلت فاتنة السينما مارلين مونرو وانتحرت بعد فشلها في الحب والزواج؟ لكنني وجدت أن المشكله لن تحل بكاس شراب أو انتحار، لن تحل إلا بالعمل وتحت الأضواء وداخل الاستديوهات والبلاتوهات وأمام الكاميرات فقررت أن أمضي كل وقتي حتي لا أصبح وحدي . أول »دقة» قلب لشادية كانت للضابط أحمد، ابن الجيران، الذي كان له الفضل في اندفاعها نحو السينما بعدما تلقّت خبر رحيله في العرض الأول لأحد أفلامها خلال مشاركته في حرب فلسطين في العام 1948، فكثّفت من نشاطها السينمائي كجزء من الصدمة العاطفية التي تلقتها. إلا أنها وبعد سنوات، تزوجت من عماد حمدي الذي كان يكبرها بأكثر من 20 عاماً، لتعقد قرانها في العام 1953 رغم رفض عائلتها. هذا الزواج عمّر ثلاث سنوات، فانتشرت حينها أقاويل أشارت إلي أنّ شادية هي مَن تعيله، بعدما ساءت ظروفه المادية، فضلاً عن غيرته الشديدة عليها انتهت بصفعها أمام أصدقائهما في إحدي الحفلات، فكان القرار الآن. أما قصة الحب التي لم تنسها شادية فهي تلك التي عاشتها مع الراحل فريد الأطرش، إذ تحولت مشاهد الحب بين الثنائي إلي حقيقة في فيلم »ودّعت حبك» الذي كان الشرارة الأولي بينهما، وفق مذكرات الأطرش التي دوّنها الكاتب المصري فوميل لبيب. بيت الطاعة وكان زواجي السريع من عزيز فتحي نوعا من الهروب، لقد قررت أن أهرب من حب فريد الأطرش بالزواج ظننت أن ارتباطي برجل آخر هو الحل الوحيد وكان ذلك القرار من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها في حياتي.. إنني إنسانة مندفعة.. والاندفاع في العمل مفيد للفنان.. لأنه يقربه من النجاح.. أما الاندفاع في اتخاذ القرارات الخاصة التي تمس حياه الإنسان الخاصة فغالبا ما يكون خطرا كبيرا عليه، لكن آخر ما كنت أتصوره أنه سيطلبني في (بيت الطاعة) يوم بائس جدا ذلك الذي ذهبت فيه بصحبت والدي إلي المحكمة.. لكن المحامي الخاص قال لي (لابد أن تذهبي لأنهم سيواجهونك بعزيز فتحي.. ويجب أن تقولي كل شيء). وفي السابعة صباحا كنا نقترب من محكمة الجيزة وفوجئت بأناس كثيرين لا أعرفهم في انتظاري وهم يحدقون في وجهي بذهول .. ويبدو أنهم تصوروا أني جئت للاشتراك في تصوير أحد الأفلام داخل المحكمة.. لكنهم لم يجدوا كاميرات ولا مخرجا ولا ممثلين آخرين غيري إنها أول مرة أقف فيها أمام القاضي بدون سيناريو مكتوب فالقاضي ليس ممثلا والقضية ليست وهمية.. وأنا المتهمة أو أنا التي يجب أن أدافع عن نفسي لابد أن أقول إني مظلومة لا تصدقوا كل ما قاله لكم.. اسمعوا مني الحقيقة، أنصفوني منه لقد حول حياتي إلي جحيم ياسيادة القاضي.. أهان مشاعري أمام الغرباء... أحرجني كثيرا ياحضرات المستشارين.. لم يفهم أني إنسانة قبل أن أكون فنانة تعمد أن يضايقني أمام الضيوف لكي يثبت لهم أنه الرجل صاحب الكلمة الأولي.. وأنني لا أساوي شيئا إلي جانبه.. إنه يريد أن ينتقم مني ياسيادة القاضي لا تصدقوه ياحضرات المستشارين... واسمحوا لي أن أحكي بقية قصتي معه.. وواصلت شرح مشاكل حياتي مع عزيز فتحي.. التعارف السريع الذي حدث بيننا، وبدأ القاضي يناقشني في أمور حياتي أمام كل هؤلاء الناس الذين لا أعرفهم ووجدوا أنفسهم فجأة يعرفون كل أسرار حياتي الزوجية.. وكم هو شيء جميل أن يشعر الإنسان بأنه يمتلك حياته الخاصة وبأن أسرارها وخباياها ملك له وحده، أما لو أصبحت هذه الأسرار والخبايا حقا لكل راغب في الحديث عنها فإن الحياة نفسها تصبح بلا طعم أومعني بل يصبح مذاقها مرا جدا، وأصر عزيز فتحي إصرارا عجيبا علي ذهابي إلي ( بيت الطاعة).. وكان الطلاق من عزيز فتحي هو النهاية الوحيدة التي تريحني من هذا العذاب الذي أوقعت نفسي فيه بسبب تهوري واندفاعي. بكاء السماء سافر فريد إلي لبنان هربا من حبه لي لكن صورته كانت تطالعني في كل مكان أذهب إليه وصوته واسمه كان يتردد باستمرار من حولي، بل كنت أجده في الأماكن التي زرناها معا وعشنا فيها أوقاتا سعيدة، وعاد فريد الأطراش إلي القاهرة بعد غيبة طويلة في لبنان لكي يمثل فيلمه الأخير (نغم في حياتي) كانت صحته قد بدأت تتدهور وسالت عنه بالتليفون لأستفسر عن صحته، وقالوا لي إنه يعاني من آلام (النقرس) وذهبت إليه وكانت أول مرة أدخل فيها بيته بعد سنوات طويلة من الفراق وكان فريد الاطرش يجلس مع جلال معوض وليل فوزي زوجته وابتسم فريد وقال لي (نفسي آكل بامية من إيديكي يا شادية) وفي اليوم التالي عدت إليه وطهوت له البامية مع أنه كان ممنوعا من أكلها بأمر الطبيب وقال لي فريد يومها (عندك مانع تغني معايا ياشادية في لبنان) وقلت له علي عيني يافريد، وعدت إلي الفندق ..ودق جرس التليفون ووجدت فريد يقول لي (سأعود للغناء مرة أخري ... تعالي) وما الذي حدث له أنه لايريد أن يتوقف أبدا عن الغناء، هذا انتحار كيف يتحمل قلبه المريض كل هذا الإجهاد؟ وعدت لأقول له كفي يا فريد ، لابد أن تستريح وجلست في الكواليس وأنا أتطلع إليه وكأني أراه المرة الأولي في حياتي، شابا باسما يتحدي المطر ويغني للحب وسط غضب الطبيعة تحت دموع السماء التي تسقط بغزارة إشفاقا عليه من النهاية المؤلمة التي كانت تزحف نحوه فليس هناك قوة في العالم تستطيع أن توقفه عن الغناء حتي لو كان الموت نفسه، وانقبض قلبي وكاد يتوقف وأنا أسمعه وهو يقول للجمهور: (هذه آخر مرة أغني لكم وهذه آخر أغنية) وبعد أن انتهي من الأغنية قلت له (ما الذي تقوله يافريد.. أنت دائما تقول كلاما يوجع القلب) وأحسست وأنا أصافحه بأن يديه باردتان كالثلج وقبلني فوق خدي كانت الساعة الخامسه صباحا... لولا أن دوري في الغناء كان قد حان لما كنت تركته أبدا صاحب القلب الدافئ واليدين الباردتين وقال لي فريد (لازم تيجي بعد انتهائك من الغناء سأنتظرك علي مائدة الإفطار) كان نور الفجر قد بدأ يظهر، أنها أول مرة أغني فيها تحت نور الفجر وانتهيت من الغناء في السادسة صباحا وأنا أشعر بإرهاق شديد فالضغط الذي أشكو منه بدا يرتفع فجأة بسبب صعودي إلي هذا المكان المرتفع فوق الجبل، لقد غنيت اتعودت عليك يا حبيبي» وكأني كنت أغنيها له.» ابني بدأت أعطي كل حناني لخالد ابن شقيقي.. إنه التعويض الوحيد لمشاعر الأمومة المكبوتة داخلي.. هو ابني.. أقصد مثل ابني.. وابن أخي يعتبر ابني بالنسبة لي مثل التوءم.. وكان طاهر قد تزوج فتاة تركية من استانبول وأنجب منها خالد.. ولم يدم الزواج أكثر من ثلاثة أعوام.. قررت الزوجة أن تعود بعدها إلي بلدها استانبول بسبب مرض أمها، وقبل عودتها إلي تركيا جاءتني وقالت لي: »سأعود إلي بلدي استانبول.. وسأترك لك خالد أمانة عندك.. وأنا اعلم أنك ستراعينه أكثر مني. وكأن الله أراد أن يعوضني عن حرماني الطويل من مشاعر الأمومة.. ورزقني بهذا الطفل الجميل ابن أخي طاهر الذي وافق علي أن يظل ابنه معي ومع أمي يملأ علينا حياتنا بهجة. مراكز القوي ذات ليلة دعيت إلي بيت المخرج محمود ذو الفقار ، وأثناء الزيارة فوجئت به يعرض عليه دور امرأة في الستين من عمرها، وقلت له أريد فرصة لكي أفكر ، وتردد وطال التفكير خصوصا بعد أن شاهدني الجمهور في أدوار البنت الجميلة الدلوعة، هل أظهر للجمهور في دور امرأة بشعر أبيض ووجهي الذي تغطيه التجاعيد وبدون أن أقدم أغنية واحدة في الفيلم، لأني سوف أمثل فقط ولن أغني . لم أكن أتصور أن المرأة المجهولة سوف تكون أشهر امراة علي الشاشة ، كان المكياج دقيقا جدا لدرجة أنني لم أصدق أنني أنا المرأة المجهولة ، لدرجة أن أمي جاءت تسأل عني في إحدي مرات التصوير ومرت بجواري ولم تعرفني، وبدأت تسأل عني الجميع وأنا أقف بجوارها، ولم أستطع منع نفسي من الضحك وقالت »هذه ضكحة ابنتي» وقالت لي وهي تضحك هذه المرأة تشبهني. أذكر أنني ذهبت مع عطيات وصيفتي إلي مقاهي شارع كلوت بك لكي نبحث عن مثل هذه الشخصيات التي تدور حولها روايات الكاتب الكبير نجيب محفوظ داخل المقاهي والبنسيونات، كنت أضع علي وجهي نظارة سوداء كبيرة وأضع فوق رأسي إيشاربا كمحاولة لإخفاء ملامحي الأصلية وحتي لا يعرفني أحد أو يسيء فهم وجودي في شارع كلوت بك الذي التقيت فيه بالشحصية التي أبحث عنها صاحبة اللبانة والعيون النعسانة السهتانة التي استفدت منها كثيرا في تمثيل شخصية كريمة في فيلم الطريق. في هذه الفترة تعرفت بالكاتب الكبير الذي أعتبره مسئولا عن حياتي الجديدة العاقلة، حياة المرأة الناضجة التي أصبحت تفكر بعقلها قبل أن تفكر بقلبها . دعوة من رئاسة الجمهورية وصلت إلي الكاتب الكبير لحضور حفل عشاء مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لكن الكاتب الكبير لم يستطع أن يخفي دهشته فالدعوة ليست موجهة له وحده بل هي أيضا موجهة إلي »زوجته شادية ». ورفع الكاتب الكبير سماعة التليفون يتحدث إلي الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في ذلك الوقت ليقول إنه ليس متزوجا، فقال له الرئيس جمال عبد الناصر بل إنك متزوج شادية. قال الكاتب: أنا لست متزوجا. قال له الرئيس: معلوماتنا تؤكد ذلك. قال الكاتب: ومن الذي حصل علي هذه المعلومات؟ قال الرئيس: مخابرات صلاح نصر. وضحك الكاتب الكبير وقال: كنت أرجو من مخابرات صلاح نصر قبل أن تزوجني تأخذ رأيي. تقول شادية: لم أكن أتصور أن هذه الصداقة تهم أحدا سوي الكاتب والمرأة، وفوجئت بأنها أصبحت إحدي المسائل العليا في الدولة، وفوجئت بمقال في جريدة الدولة علي أربعة أعمدة يهاجم الكاتب الكبير لأنه صديقي وتقول له »حرام عليك، أن فريد الاطرش يبكي في كل مكان فأعد له المرأة التي يحبها، كأن ذلك الكاتب الكبير ركب دبابة واقتحم بيت فريد الاطرش وخطفني من هناك». ثم فوجئت بشائعات كثيرة بعد ذلك تملأ البلد بأن الكاتب الكبير منعني من الغناء في الحفلات وفي التليفزيون بينما الواقع أن الكاتب الكبير يلح عليّ أن أغني، وقد كنت قد رأيت أن أعتزل الغناء وأتفرغ للتمثيل، وكانت أم كلثوم توسط الكاتب الكبير عندي أن يلح عليّ في قرار العودة إلي الغناء لأنه كان له رأي طيب في صوتي وإلحاح أم كلثوم عليّ وحسن ظنها بصوتي هو الذي جعلني أعدل عن قراري وأعود للغناء، لكن الشائعات استمرت تطاردني بأن الكاتب الكبير هو الذي أمرني بالعودة إلي الغناء، وعندما بحثت في ذلك وجدت أن هذه الشائعات ليست شائعات من الشارع، إنما هي شائعات يرددها مسئولون، وكان المقصود هو حملة كراهية ضد الكاتب بالذات.. ثم علمت قيام أن بعض المسئولين يتصلون بالصحف في البلاد العربية وينشرون فيها شائعة منعي من الغناء وشائعة زواجي ولكنني صمدت وقيل لي إنني برئية وأن الكاتب بريء وأن المقصود من هذه الحملة هو تغطية علي صداقة كبيرة بفنانة كبيرة .. كانت صداقتي بذلك الكاتب الكبير من أجمل فترات حياتي، فترة عاقلة رائعة وجدت فيها نفسي الضائعة التي كانت معرضة للضياع أشد لو لم أعرف ذلك الكاتب الكبير صاحب العقل الراجح والقلب الحنون الذي تعلمت منه دروسًا في الحب والحياة لن أنساها أبدا، إنني أدين له بالكثير بل إنه المسئول الأول عن ذلك النضج والعقل الذي بدأ يظهر في تصرفاتي وأداوري وأفلامي وعلاقاتي بالناس من حولي، لكنها كانت مرحلة عمل ونشاط ونجاح.. لا أريد مجنون شادية الذي يهدم حياتي فوق رأسي وقد جربت قبل ذلك نوعا من الحب والجنون وحب الغيرة والشك وعدم الثقة لكن الرجل العاقل هو الذي يقدم الحب العاقل. لكن الصديق العاقل لم يكن يحبذ فكرة الزواج وكان صعبا أن أقنعه بالزواج مني لأن زواجي منه قد يسبب له الكثير من المشاكل، غريبة هذه الحياة مجانين الحب هم الذين تزوجتهم بسهولة، أما عقلاء الحب فهم غير القادرين علي الزواج مني، لكن رغم ذلك لم أكن حزينة، فالكاتب الكبير أعطاني الكثير، وكانت أمنيتي أن أتزوج منه ويكون لي أولاد، لكنني وجدت في ذلك الوقت أن عمله هو بيته، وحياته هي عمله، وأولادة هي الأعمال الأدبية التي يقوم بها، فانسحبت لأنني أريد بيتا حقيقيا، وأولادا حقيقيين، وحياة علي الأرض.