تصاعدت خلال السنوات الماضية أهمية البحث العلمي علي مستوي العالم باعتباره قطار التنمية والعمود الفقري للدول المتقدمة، وهو ما أدي إلي سباق بين دول العالم نحو الوصول للمعرفة والابتكارات. تشير الإحصائيات إلي وجود نسب إنفاق علي البحث العلمي تقدر بمليارات الدولارات في الدول المتقدمة أمريكا وأوروبا، بينما يظل في مصر في ذيل القائمة بحجم أنفاق متدنٍ، وهذا راجع إلي غياب بيئة مناسبة ومناخ ملائم يوفران مقومات البحث العلمي من تمويل وتسويق وإدارة. ومما لاشك فيه أن قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرا أثناء الاحتفال بعيد العلم بزيادة حجم الإنفاق الحكومي علي البحث العلمي والتطوير من 11.8 مليار جنيه إلي 17.5مليار جنيه بنسبة تقدر ب47٪ وإنشاء صندوق لرعاية النابغين في مجال البحث العلمي، كما أن إنشاء مدينة العلوم بالعاصمة الإدارية الجديدة يؤكد اهتمام الدولة بالعلماء والنابغين في مجال البحث العلمي. الدكتور محمد غنيم أستاذ الكلي والمسالك البولية، عضو المجلس الاستشاري العلمي لرئيس الجمهورية، يؤكد أن البحث العلمي يكلف الدول مبالغ كبيرة، وأن مصر من الدول الفقيرة لكن هناك بعض دول فقيرة تغلبت علي هذه المشكلة كالهند وذلك من خلال الاهتمام بالبحث العلمي، موضحا أن ميزانية البحث العلمي في مصر وفقا لدستور 2014 تبلغ 1٪ من الناتج القومي والتي تزيد علي 20 مليار جنيه، في الوقت الذي تبلغ فيه ميزانية البحث العلمي في إسرائيل 4.5٪ من الناتج القومي، قائلًا: »نصيب الفرد في البحث العلمي في إسرائيل أكثر من نصيبه في أمريكا، ويوضح أن قرار رئيس الجمهورية بزيادة ميزانية البحث العلمي يؤكد اهتمام الدولة بالعلماء والنابغين والبحث العلمي. بينما يري الدكتور مصطفي الفقي رئيس مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية، أن قضية البحث العلمي في مصر مازالت تشغل العقول وتثير الأفكار وتعددت الرؤي حولها، وما يتردد عن نقص الإمكانات وعدم توافر المقومات المادية تمثل عائقا أمام البحث العلمي فهذا الكلام غير صحيح فمازلت أتذكر زميل دراستي وصديقي الراحل الدكتور زويل الذي قال لي ذات يوم، إن الحديث عن الإمكانات المادية الباهظة للبحث العلمي أكذوبة كبري، وأنت تستطيع أن تنفق عليه مليونًا أو تنفق عليه مليارًا، ولكن في الحالتين تتولد لديك إرادة البحث العلمي الجاد، وأن بعض الشباب في الولاياتالمتحدةالأمريكية عندهم القدرة علي تطوير جهاز علمي أو تعديل معادلة رياضية وهم جالسون في جراجات العمارات كمكان لأبحاثهم وموقع لتجمعاتهم، وقال رحمه الله وقتها، إن المهم توافر إرادة البحث العلمي خصوصًا في المراكز المتخصصة والمعاهد والكليات التي يجري فيها تدريس العلوم الحديثة ودراسات التكنولوجيا المعاصرة. أضاف، أن الدكتور زويل قال له إنه رأي بعض الطلاب المتميزين في إحدي الأكاديميات العلمية في مصر يصنعون أجهزة دقيقة ويطورون أخري، ويقدمون إضافات حقيقية للتطور التكنولوجي والبحث العلمي في أرقي مراحله، لافتا إلي تجربة الهنود الذين يخترقون حواجز الشكليات ويدخلون البحث العلمي من بدايته ولو بإمكانات متواضعة حتي أصبحت الهند- التي بدأت معنا في ستينيات القرن الماضي من نقطة التقاء مشتركة لبرنامج علمي في تصنيع الطائرات إضافة إلي أنها دولة نووية كبري ودولة فضاء تطلق صواريخها بين الحين والآخر، إضافة إلي التصنيع الثقيل القائم علي التكنولوجيا المتقدمة، فضلا عن إنها أصبحت دولة اكتفاء ذاتي في الحبوب الغذائية لمليار ومائتي مليون نسمة كما أن جارتها باكستان أصبحت دولة نووية تعطي للبحث العلمي اهتمامًا جديدًا، برغم مشكلتها في غياب الاستقرار السياسي وشيوع الاضطرابات، ولذلك لا أظن أن مصر أشد فقرًا من الهند أو باكستان ولكن غياب عنصر الإرادة وانعدام الجدية والاكتفاء بالشعارات دون المضامين الحقيقية قد ضربت البحث العلمي في مقتل وجعلتنا أسري لقيود مصطنعة وأوهام رددناها حتي صدقناها. وأوضح، أن قرار الرئيس بزيادة الميزانية المخصصة للبحث العلمي خطوة مهمة مما يجعلني أتفاءل بمستقبل البحث العلمي في مصر وتحريكه في الاتجاه الصحيح، لكن المهم أن نبدأ وبأسرع وقت ممكن حتي نعوض الفرص الضائعة التي جعلتنا نتخلف عن ركوب قطار التقدم، موضحًا أن مصر كانت مرشحة لكي تكون وسيطًا واعدًا في مجال تكنولوجيا المعلومات الذي لا يحتاج إلي أموال ولكن إلي خبرات وعقول هي متوافرة بالضرورة لدينا، فالهنود يحققون من اقتحام ميدان »السوفت وير» في تكنولوجيا المعلومات حاليًا ما يقترب من مائة مليار دولار سنويًا، لذلك نجد دولًا كثيرة قد أقامت سمعتها الدولية علي البحث العلمي والإنتاج الصناعي والزراعي، فالتصنيع الزراعي وتكنولوجيا الهندسة الوراثية في هذا الميدان ساحة مفتوحة لعلماء مصر يضربون بها عصفورين بحجر أحدهما تطوير الزراعة وتقدم الصناعة في ذات الوقت، فضلًا عن توفير الحد الأدني من الغذاء الشعبي لعشرات الملايين من فقراء الوطن والتهيؤ لطفرة تصديرية يمكن أن تتحقق لنا نتيجة البحث العلمي في ميدان الزراعة، لافتا إلي أن البحث العلمي ليس ترفًا، ولكنه ضرورة العصر التي لابد منها فالفارق الحضاري بين الدول يتوقف علي مدي اهتمامها بالبحث العلمي. الدكتور هاني الناظر رئيس المركز القومي للبحوث سابقًا، يري أن قطاع البحث العلمي في مصر يواجه أزمات أربعاً تتمثل في الإدارة، والتمويل، والعلماء، والتسويق، لذلك لابد من وجود إدارة جديدة ونظرة جديدة للتمويل، ودعوة القطاع الخاص وتشجيعه لتمويل البحث العلمي كما يحدث في دول العالم، فمثلاً نلاحظ قيام شركة »مرسيدس» بألمانيا بتمويل البحث العلمي في جامعة »شتوتجارت» الألمانية، وأوضح أن هناك تشتتا في مجهودات البحث، حيث يوجد 40 مركزا للبحث العلمي في مصر، وهذه تمثل مشكلة رئيسية في الإدارة، وهنا أطالب بوضع هذه المراكز تحت مظلة واحدة مظلة وزارة البحث العلمي، موضحا يجب العمل علي تشجيع وتحفيز القطاع الخاص لضخ استثماراته في البحث العلمي، كما يجب أن يكون لمؤسسات المجتمع المدني دور في تمويل البحث العلمي، فمصر تمتلك آلاف العلماء في الخارج ممن يساهمون بشكل فعال في نهضتها وتنميتها. أضاف، أن غياب التخطيط لمشاريع البحث العلمي، يعني غيابا للسياسات والأهداف، وأن غياب آليات تنفيذ المشاريع دليل علي عشوائية الإدارة، وغياب الاستراتيجيات التي تؤدي إلي تحقيق الأهداف، لافتًا أن تعدد الأجهزة المسئولة عن التخطيط للبحث العلمي وإدارته، أهم أسباب عدم تحقيق النجاحات الملموسة علي أرض الواقع فيما يتعلق بقطاع البحث العلمي، ويشير الناظر إلي أن البحث العلمي يرتكز علي محاور أربعة: الإدارة والقوي البشرية، والتمويل، والتسويق، موضحا للحد من هذه السلبية، يتطلب وجود كيان واحد يكون مسئولا عن تنمية قطاع البحث العلمي في مصر، كما يتطلب إلغاء وزارة الدولة للبحث العلمي وتحويلها إلي وزارة العلوم والتكنولوجيا، وتتبعها المراكز، والمعاهد، ومؤسسات البحث العلمي بالقطاعات الإنتاجية، والخدمية والبيئية التابعة لوزارة البحث العلمي، والتابعة للوزارات والهيئات ذات الصلة بالبحث العلمي والتكنولوجي. ويطالب رئيس المركز القومي للبحوث سابقا، بإنشاء المؤسسة الوطنية لتطوير وتمويل البحوث كبديل عن أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، بحيث تقوم بدور في طرح وتمويل المشروعات التي تهدف إلي حل المشكلات القومية تحقيقاً للاستراتيجية التي يقوم بوضعها المجلس الأعلي للبحث العلمي بحيث يكون هناك مجموعات عمل بحثية متكاملة في مختلف المجالات، ويمنح التمويل علي أساس تنافسي، إضافة الي تحديد عدد المشروعات البحثية التي تطرحها المؤسسة بحيث تتراوح بين 10 إلي 12 مشروعا فقط، تمثل حلولا لجميع المشاكل القومية التي تعاني منها البلاد، موضحا أن هذا معناه تحويل الميزانيات الخاصة بالمشروعات إلي ميزانيات ضخمة ومجمعة بدلا من ميزانيات متفتتة بحيث تلبي هذه الميزانيات احتياجات المشروعات البحثية. الدكتور جمال شيحة رئيس لجنة التعليم بمجلس النواب، يري أن قرار الرئيس السيسي بزيادة ميزانية البحث العلمي وإنشاء صندوق لرعاية النابغين ودعم المخترعين خطوة علي الطريق الصحيح تسير فيه الدولة المصرية إلي التقدم والازدهار، لافتا إلي أن تشجيع الباحثين المتميزين في مختلف التخصصات والمجالات مفتاح التقدم والنهوض بالأمم. وأن العلماء من خلال أفكارهم يقودون الدول لتنفيذ مشروعات كبري خارج الصندوق الأمر الذي يسهم في التطور، وأوضح أن فكرة إنشاء صندوق لرعاية النابغين ودعم المبتكرين والمخترعين سيؤدي إلي حدوث طفرة في العملية التنموية من خلال المشروعات الكبري والمشاركة الفعالة للعلماء باعتبار تطوير البحث العلمي والتعليم بمثابة قضية أمن قومي لها تأثير مؤثر علي مستقبل الأجيال القادمة. بينما يري الدكتور فخري الفقي المستشار السابق بصندوق النقد الدولي، أن فكرة إنشاء صندوق لدعم النابغين وشباب المبتكرين، خطوة مهمة وجاءت في توقيت مناسب لأنها ستهتم بجميع المبتكرين علي مستوي الجمهورية إضافة إلي أنه سيكون للصندوق جهاز إداري مسئول عنه مهمته العمل علي تبني وصقل موهبة كل مبدع في الابتكار في المجالات البحثية المختلفة من خلال توفر الدورات التدريبية له، وإتاحة كافة الإمكانيات لاستمرارية ومواصلة أبحاثه فضلاً عن تبني الإنفاق والتمويل علي دراسته في الخارج، وأنه سيأخذ عليه تعهد أو شرط بأن يعود إلي أرض الوطن للاستفادة من أبحاثه وخبراته، لافتا إلي أن للقطاع الخاص دوراً كبيراً في تمويل المشروعات البحثية والاستثمارات في مجال البحث العلمي فهو الوسيلة الأساسية للتقدم وللنهوض بمنظومة البحث العلمي خاصة أن دول العالم المتقدمة أوروبا وأمريكا تعتمد في التمويل علي القطاع الخاص المستفيد الأول لذلك نلاحظ الشركات الكبري في العالم تلجأ لمراكز البحوث بهدف تطوير منتجاتها بشكل مستمر.