الحديث عن التواجد المصري في أفريقيا ليس كلاما إعلاميا لاستمالة المشاعر بعد الفجوة التي صنعها نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك بتجاهله لأفريقيا، وإنما صاحبه تحرك جاد وعمل مثمر أظهر أن في مصر إرادة سياسية حقيقية سهلت وشجعت ودعمت فرص إقامة مشروعات تعيد ربط دول القارة السمراء بمصر وتعيد تقديم مصر علي أنها الشقيقة الكبري التي لم تتخل عن دورها وأنها صاحبة فضل وجديرة بالقيادة. جمهورية غانا هي دولة أفريقية تقع علي الساحل الشمالي لخليج غينيا الواقع في غرب أفريقيا. قمت بزيارتها بمناسبة تنظيمها أحد المعارض الدولية شاركت فيه مصر، وأدهشني حجم الوجود الاقتصادي المصري الذي تجاوزت استثماراته 2 مليار دولار تحققت في زمن قياسي، وهي استثمارات قابلة للزيادة والتوسع لأسباب أهمها كما يقول محمد حيدر سفير مصر في غانا هو رغبة الحكومة الغانية في الانتقال باقتصادها التقليدي إلي اقتصاد حديث قائم علي تصنيع مواردها الزراعية والتعدينية لتحقيق أكبر قيمة مضافة.. وأهمها أيضا ذلك التقدير الذي مازالت غانا تحتفظ به لمصر منذ أن صنع الزعيمان جمال عبدالناصر وكوامي نكروما زعيم غانا الخالد نموذجاً يحتذي في العلاقات الدولية الإيجابية.. ونجاحهما في دعم حركات التحرر لدول القارة شمالا وجنوبا.. ولا ينسي الغانيون كلما ذكر اسم مصر أن يذكروا السيدة المصرية فتحية زوجة نكروما زعيمهم التاريخي، ورغم مرور السنوات مازالوا يرون أن تعبير »السيدة الأولي» في غانا لا يقصد به إلا السيدة فتحية نكروما التي أحبوها بصدق ورأوا فيها الجمال والبساطة وحب الخير لأبناء الشعب الغاني علي اختلاف مستوياتهم. وقد اختارت السيدة فتحية أن تدفن بعد موتها بجوار زوجها في مقبرة أصبحت أحد المزارات التي يقصدها أي زائر لغانا. مصفاة الذهب أحدث المشروعات المصرية في غانا تم افتتاحه قبل أربعة أشهر فقط في نوفمبر 2016 بتدشين مصفاة لإنتاج الذهب تعد هي الأكبر والأكثر تطورا في غرب أفريقيا ويوضح السفير محمد حيدر أن هذه المصفاة عندنا مثل مصفاة السكري في صحراء مصر الشرقية.. وإذا كان منجم السكري أصبح واحداً من أهم خمسة مناجم علي مستوي العالم بإنتاجه الوفير والواعد فإن غانا كلها تصنف علي أنها واحدة من أكبر خمس دول منتجة للذهب في العالم، وقد أطلقت بريطانيا عليها وقت احتلالها اسم »ساحل الذهب» مثلما أطلقت اسم (ساحل العاج) علي دولة مجاورة وهو اسم مازال معمولا به حتي الآن.. إلا أن الغانيين قرروا بعد استقلالهم عام 1957 العودة إلي اسمهم التاريخي وقرروا إلغاء اسم ساحل الذهب واستبداله بغانا.. وتبلغ استثمارات المشروع قرابة 150 مليون دولار. وتتولي المصفاة تجميع الخامات من المناجم الصغيرة المنتشرة في الشمال واستخلاص الذهب منها لإنتاج السبائك وبدأ المشروع الإنتاج منذ الأسبوع الأول. ويمتلك الشركة منفذة المشروع مصري الجنسية، ومجموعة من الخبراء والشباب المصريين الذين أتاحوا أيضا فرص عمل لتشغيل الشباب الغاني وتزويدهم بتكنولوجيا إيطالية حديثة تستخدم لأول مرة في غانا. الإمبراطور أما المشروع الثاني فتم التعاقد عليه مع الحكومة الغانية ويتمثل في إنشاء تسعة مستشفيات ضخمة بنظام تسليم مفتاح من بينها مستشفي عسكري كبير بطاقة 500 سرير. وقد وقع العقد الدكتور سعيد دراز الذي يطلقون عليه هنا لقب »الإمبراطور» وتصل تكلفة المشروع إلي 750 مليون دولار يقوم دراز بتوفير التمويل اللازم له بالتعاون مع مؤسسات عالمية وبنوك دولية. ويتمثل المشروع الثالث والرابع في مصنعين الأول لإنتاج الكابلات الكهربائية بمختلف أنواعها ومقاساتها وتعتمد عليه الحكومة في تزويدها باحتياجاتها من الكابلات لتغذية مناطق التنمية الجديدة، بينما أقام الثاني لإنتاج العدادات بمختلف أنواعها ورغم وجود قدر من المنافسة عند المستوردين إلا أن المنتج المصري الذي تعتبره الحكومة إنتاجا وطنيا هو الأكثر انتشارا واستخداما. قيمة مضافة أما المشروع الزراعي فيملكه مصري أيضاً الذي تعاقد مع الحكومة الغانية لزراعة 50 ألف فدان بمحاصيل مختلفة علي رأسها الأرز الذي تستورد منه غانا كميات كبيرة رغم وجود فرص مناسبة لزراعته، وتخطط الشركة لإقامة ثلاثة مصانع بنفس المنطقة الأول لإنتاج زيت الخروع للتصدير ولاستخدامه في أغراض صناعية وطبية والثاني مضرب لإنتاج الأرز للاستخدام المحلي. والثالث مصنع للبلاط الذي يشتد الطلب عليه في الأقاليم الداخلية.. وتقوم المصانع الثلاثة علي تحقيق قيمة مضافة من الإنتاج الزراعي. والمشروع السادس أقامه د.مدحت خليل عميد الجالية المصرية الذي يقيم في غانا منذ ثلاثين عاما وهو مصنع ضخم لإنتاج قواطع الألومنيوم وهو إنتاج مهم يحتاجه السوق الغاني وتشجعه الدولة لوقف الاستيراد. المستقبل لأفريقيا الحسيني خالد قنصل مصر في غانا يوضح أن الشباب المصري الواعي أدرك أن المستقبل لأفريقيا وتحول الكثير منهم من السفر إلي دول الخليج أو الهجرة نحو الشمال واستبدل بها أفريقيا الواعدة.. ومنهم مجموعة واعدة من الشباب وبدأوا في استيراد الخضر والفواكه من مصر لتغطية احتياجات السوق المحلي بعد أن أثارهم التعنت الأوربي والخليجي في التعامل مع شحنات البطاطس والخضراوات المصرية.. ووجدوا في دول وسط وغرب أفريقيا منفذاً مناسباً لترويج هذه المنتجات.. بجانب استفادة بعض الشباب من تهافت السيدات المسلمات الغانيات في الشمال علي عباءة المرأة المصرية التي راجت وانتشرت وأصبح لها سوق واسعة حتي كادت تصبح في مصاف الزي القومي خاصة في المناطق الشمالية التي يكثر فيها المسلمون.. ويقوم الشباب بجلب كميات كبيرة من العباءات المصرية وتباع بأسعار مناسبة جدا.. إلي جانب تجارب أخري لشباب أقاموا مصانع صغيرة أو ورشا لإنتاج البلاستيك وحققوا نجاحا واسعا. وداعا.. للشمال الهجرة إلي الشمال سوف تتوقف لو أدرك الشباب الباحث عن عمل قيمة فرصة أفريقيا.. هكذا يعبر الحسيني خالد عن رأيه في جدارة أفريقيا.. فغانا تستورد 90٪ من احتياجاتها ومازالت الصناعة في مهدها والفرصة المتاحة الآن قد لا تكون متاحة بنفس القدر غدا.. ومجرد دراسة بسيطة لاحتياجات السوق الغاني قد تشجع الصناعات المصرية الثقيلة للقدوم والاستثمار هذا خاصة في مجالات مواد البناء مثل الحديد والأسمنت والسيراميك وتقدم الحكومة الغانية تسهيلات معتبرة لإقامة هذه الصناعات التي تقوم عليها التنمية العمرانية.. فالموضوع أصبح سباقا علي الفرص.. وقد سعت السفارة لإنشاء مكتب للتمثيل التجاري وتم بالفعل قبل ثلاثة أشهر افتتاح أول مكتب للتمثيل يتولي إدارته محمد إسماعيل المستشار التجاري وهو جاهز لتقديم كل المعلومات والتسهيلات للاستفادة من مميزات غانا التي يستفيد منها حاليا الأتراك والصينيون والهنود والإيرانيون واللبنانيون وكلهم يتصارعون علي الفرص بينما نمتلك نحن إمكانيات هائلة لمنافستهم خاصة في السعر لأن المنتجات المصرية تقل النصف عن مثيلتها في السوق الغاني مع احتفاظها بكل مواصفات الجودة.. المهم هو من يتقدم ويستفيد والباب مفتوح. من يبدأ؟ ويشدد السفير محمد حيدر سفير مصر في غانا علي أن القيادة السياسية في مصر تدعم التوجه نحو أفريقيا وقال إن الرئيس عبدالفتاح السيسي أوضح ذلك في العديد من المبادرات أكدت أن هناك إرادة سياسية حقيقية لتشجيع التعاون الاقتصادي مع دول القارة وكان منها حضور جميع رؤساء غرف التجارة والصناعة إلي القاهرة واستقبال الرئيس لهم وتأكيده علي رغبة مصر في دعم التبادل التجاري وتفعيل فرص التعاون الاقتصادي.. وأكد السفير أن الظروف الآن مواتية لبدء الهجرة نحو أفريقيا والاستفادة من فائض الطاقات التصنيعية المصرية للتعاون بها مع دولة محبة لمصر مثل غانا.. فمن يتقدم؟.