أخيرا أقيم تمثال من البرونز علي قاعدة من جرانيت أسوان في حديقة مقبرة عملاق الفكر العربي عباس محمود العقاد في مدينة أسوان. والذي يقرأ ماكتب الأستاذ العقاد من شعر أو دراسات نقدية أو دينية أو سياسية، يعرف القامة العالية لهذا الأديب الشاعر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس. لقد قرأت كل ماكتبه من العبقريات، كما قرأت الكثير مما كتبه في الشعر.. وكنت كأنني أركب »بساط الريح« الذي يحملني إلي عالم جديد، ورؤي جديدة، كما بهرني بتحليلاته للشخصيات الإسلامية التي تناولها في عبقرياته، وعبقريته هو في هذا التحليل الرائع لهؤلاء الذين تركوا بصماتهم علي عصورهم وعلي ماتلاها من عصور، وكم كان بارعا وهو يصور عبقرية محمد بأن عمل محمد لكاف جد الكفاية لتخويله المكان الأسني من التعظيم والإعجاب والثناء.. إنه نقل قومه من الإيمان بالأصنام إلي الإيمان ولم تكن أصناما كأصنام يونان بحسب للمعجب بها ذوق الجمال إن فاته أن يحسب له هدي الضمير، ولكنها أصنام شائهات كتعاويذ السحر التي تفسد الأذواق وتفسد العقول.. فنقلهم محمد من عبادة هذه الدمامة إلي عبادة الحق الأعلي.. عبادة خالق الكون الذي لا خالق سواه، ونقل العالم كله من ركود إلي حركة ومن فوضي إلي نظام، ومن مهانة حيوانية إلي كرامة إنسانية، ولم ينقله هذه النقلة قبله ولا بعده أحد من أصحاب الدعوات، وما أروعه وهو يحلل الدعوة الإسلامية وصاحبها العظيم ([) فيقول: ويوم ميلاد النبي لم يكن يوم الإسلام الأول، لأن ميلاد محمد لم يكن معجزة الإسلام كما كان ميلاد عيسي معجزة المسيحية، ولأن محمد بشر مثلنا في مولده، ولكنه سيد الرسل يوم دعا ويوم نجا بالدعوة إلي حيث تنجو وحيث تسود، وحيث يكون امتحانها الأول في قلب صاحبها وقلب صاحبه الصديق، وهما اثنان في غار. كذلك تؤرخ العقائد والأديان، بالشدة تأريخها وليس بالغنائم والفتوح، وإنها لشيء في القلوب فلنعرفها إذن حين لاتكون إلا في القلوب، وحين يكون كل شيء ظاهر كأنه ينكرها وينفي وجودها وهي يومئذ من الوجود في الصميم لقد كان الزعيم الخالد سعد زغلول محقا عندما أطلق علي عباس محمود العقاد لقب »الجبار« لأنه كان شديد المراسي، ولايشق له غبار في منازلة خصومه وخصوم الوطن. رحمه الله.