مازلت شديد الإعجاب بشاعرنا ومفكرنا الكبير عباس محمود العقاد، وأجمل لحظات عمري عندما أقرأ له أو عنه، فأنت مع العقاد تستفيد من كل سطر يكتبه، وتتوقف كثيرا عند رؤيته للأمور والأشياء ويسحرك بتحليلاته النفسية وهو يتحدث عن عباقرة الإنسانية، ويدهشك وهو يشرح لك الملابسات التي تجعله يحكم علي بعض الناس بالعبقرية، وعلي البعض الآخر بالعفوية والسطحية وفي كل الأحوال فالرجل يأخذك إلي مجالات جديدة، وإلي رؤي جديدة ربما لم تكن تخطر لك علي بال وأنت تقرأ سيرة هذا أو ذاك من عظماء الرجال الذين تركوا بصمات لن يمحوها الزمان. وقد أعجبني ماكتبه الصديق الراحل الدكتور مختار الوكيل في كتابه (رواد الشعر الحديث) الذي يتحدث فيه عن خليل مطران، وعبدالرحمن شكري، وأحمد زكي أبوشادي وعباس محمود العقاد.. إنه يلقي الضوء في هذا الكتاب علي شخصية العقاد.. وعن رؤاه، ومقارنته بين العقاد وشكري والمازني، ويري أن الثلاثة قد اتفقوا في المشرب اتفاقا كبيرا، وأنه من الصعب التفريق بين خصائص كل منهم ومواهبه. ويقارن بين العقاد وشكري فيري أنه من دراسة شكري يظهر لنا أنه شاعر متطير متشائم ينظر إلي الوجود نظرة سوداء، ويبرم بالدنيا وبالناس، ويسخط علي الوجود والعيش، ويحب الموت ويود أن تنتهي حياته ويخلص من قيد الحياة الكريه. أما العقاد فساخط كذلك، برم بالحياة، ولكن سخطه وبرمه لايذهبان برشاده وهداه جميعا، وإنما هو يعلم أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، وهو يري أن الصبر علي مكاره العيش نوع من الفلسفة المحببة، وله في ذلك كله فلسفة هادئة برغم ثورتها الكبيرة الظاهرة، أما المازني فلسنا بسبيل الكلام عن شاعريته، مادام قد برئ هو من هذه الشاعرية وأعلن أنه ليس بشاعر، وإن كان هو في الحقيقة شاعر بالرغم منه!