تحولت المدارس الرسمية للغات »المدارس التجريبية«، إلي شبح تفشل وزارة التربية والتعليم في مواجهته بعد أن ظلت لسنوات تمثل نموذجاً محترماً للتعليم الحكومي في مصر، إلا أن عدم الاهتمام ببناء مدارس جديدة لتواكب الإقبال عليها ومحاربتها من قبل أباطرة المدارس الخاصة الذين يرونها منافساً قوياً لهم قضي علي ذلك النموذج تحديداً بعد أن وصلت الكثافات داخل فصولها إلي 60 طالباً في الفصل الواحد. يوجد في مصر 730 مدرسة رسمية لغات بها مراحل التعليم المختلفة بدءاً من رياض الأطفال وحتي المرحلة الثانوية وقبل 25 عاماً وهو التاريخ الذي أعلنت فيه الوزارة تأسيس تلك المدارس كانت الكثافات داخل الفصول تبلغ 36 طالبا وبحسب القانون فإن للمحافظ سلطة زيادة الكثافات داخل تلك المدارس بنسبة 10% أي أن إجمالي إعداد الطلاب داخل الفصول يصل إلي 40 طالبا. وبسبب تزايد الإقبال عليها أصدر وزراء التربية والتعليم علي مدار الثلاثة أعوام الماضية قرارات بزيادة الكثافات لتصل إلي 60 طالبا بالفصل وهو ما جعلها تقترب من مستويات المدارس الحكومية العادية بل إن محافظتي الجيزةوالقاهرة افتتحا العام الماضي فترة مسائية في تلك المدارس وهو ما أدي إلي تدهور العملية الدراسية ولكن تم التراجع عن ذلك القرار العام الحالي. وشهد بداية العام الدراسي الحالي العديد من المشكلات بعد إعلان نتائج المراحل المتعددة لتنسيق القبول برياض الأطفال بمحافظتي القاهرةوالجيزة، والتي أسفرت عن عدم قبول عدد كبير من الأطفال الذين تتجاوز أعمارهم الخمس سنوات، وقبول عدد آخر بإدارات تعليمية بعيدة عن محل سكنهم. ولم يجد أولياء الأمور حلًا سوي تنظيم عدة وقفات احتجاجية، أمام وزارة التربية والتعليم، ومحافظتي القاهرةوالجيزة وتمثلت مطالب أولياء الأمور في قبول كافة الأطفال المتقدمين لمرحلة رياض الأطفال بالمدارس التجريبية حتي سن 5 سنوات، وتحويل الأطفال لمحل سكنهم، بالإضافة إلي لم شمل الأسرة بحيث لا يتم قبول طفل في إدارة تعليمية، وشقيقه بإدارة أخري بعيدة عنها. وبعد عدة وقفات احتجاجية لأولياء الأمور أمام محافظتي القاهرةوالجيزة، صدر قرار رسمي بإتاحة مرحلة ثالثة لتنسيق القبول بمرحلة رياض الأطفال بالمدارس الرسمية لاستيعاب كافة الأطفال المتقدمين، لكن هذا القرار فاقم الأزمة داخل المدرسة بعد أن تخطت الكثافات حاجز الستين طالباً بالفصل الواحد لتغيب أهمية تلك المدارس. وبحسب بشير حسن المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم فإن المدارس قبلت فوق كثافتها حوالي 15 ألف تلميذ فوق الكثافات المعلنة بعدما فشلوا في إيجاد أماكن لهم. وقال محمد إسماعيل أحد أولياء الأمور إن الأوضاع داخل المدارس التجريبية أصبحت صعبة للغاية وتسببت في مشكلات عديدة بالنسبة لنا ولأطفالنا وأولي هذه المشكلات ظهور مصطلح ال«طفل المغترب»، إذ إنه من المعتاد أن يتم قبول الأطفال بالمدارس المتواجدة في المحيط الجغرافي لمحل سكنهم، لتفادي المخاطر التي قد يتعرضون لها إذا تم قبولهم بمدارس بعيدة، كمخاطر المواصلات والزحام، إلا أن الأمر بات مختلفًا إذا تحدثنا عن المدارس الرسمية «التجريبية». وأضاف إن عددا كبيرا من أولياء الأمور وافقوا علي الانتظار لمدة عام كامل من أجل إلحاق أبنائهم بتعليم أفضل بسبب مشكلات الكثافات، إلا أن عدم توافر الأماكن جعل المديريات التعليمية ترفع سن القبول بمرحلة رياض الأطفال ليصل في محافظة القاهرة إلي 5 سنوات و4 أشهر، ومحافظة الجيزة إلي 5 سنوات و5 أشهر ببعض القطاعات، و5 سنوات و 7 أشهر بقطاعات أخري، مع العلم بأن الطالب الذي يتجاوز سن ال5 سنوات، لا يحق له الالتحاق بمرحلة رياض الأطفال العام الدراسي المقبل حيث سيتجاوز سنه ال6 سنوات. تتكرر الأزمة كل عام، بمحافظتي القاهرةالجيزة خاصة، حيث تزداد الكثافة الطلابية، ونظرًا لقلة عدد قاعات رياض الأطفال المتاحة، ترفع المديريات التعليمية سن القبول بهذا النوع من المدارس، حتي بات طبيعيًا أن يبدأ من 5 سنوات للمرحلة الأولي برياض الأطفال، علي الرغم من أن مرحلة رياض الأطفال تبدأ من سن 4 سنوات. وقال مصدر مسئول بوزارة التربية والتعليم رفض ذكر اسمه إن هناك حرباً تشن ضد المدارس التجريبية منذ أن تم تطبيق الحساب الموحد عليها قبل عامين فأصبحت المدارس مضطرة لأن ترسل المصروفات التي تحصلها إلي المديريات التعليمية ومن ثم هي من تقرر توزيع تلك الأموال بحسب حاجة كل مدرسة. وأضاف إن الأيادي المرتعشة تتسبب في أن تئول تلك الأموال مرة أخري إلي وزارة المالية دون أن يكون هناك استفادة حقيقية منها داخل المدارس ، وبالتالي فإن المدارس التجريبية أصبحت عاجزة عن تطوير أساليب التكنولوجيا داخلها وكذلك حدث إهمال جسيم في الأنشطة داخل المدارس وانخفضت الحوافز التجريبية التي كانت تشجع معلمي تلك المدارس علي الإبداع والابتكار. وأوضح المصدر ذاته أن تلك الأموال ليست من حق الحكومة ولكنها حق أصيل لأولياء الأمور وأبنائهم فهم يدفعون مصاريف مرتفعة عن مدارس الحكومة العادية لكي يحصلوا علي تعليم أفضل كما أن ذلك الأمر تسبب في تدهور حالة المدارس التجريبية من ناحية البنية التحتية بعد أن كانت كل مدرسة مسئولة عن صيانتها كل عام من ميزانيها الخاصة. وأشار إلي أن تجفيف منابع الأموال عن المدارس التجريبية تسبب في عدم وجود عمال لحماية المدارس والحفاظ علي نظافتها بعدما رفضت وزارة المالية وبشكل رسمي الاستعانة بالعمالة المؤقتة وهو ما أثر تحديداً علي تأمين تلك المدارس وممارسة الأنشطة داخلها. وأوضح أن هناك عجزا في معلمي الأنشطة ورياض الأطفال بالإضافة إلي مادتي العلوم والرياضيات اللتين تدرسان باللغة الانجليزية مشيراً إلي أن إدارات التجريبيات في المحافظات اضطرت إلي اللجوء إلي معلمي العلوم والرياضيات العربي الموجودين في المدارس الحكومية العادية لسد العجز وهو ما أثر علي جودة التعليم داخلها. وأكد المصدر أن وزارة التربية والتعليم ظلت علي مدار أكثر من عشرين عاماً دون إدارة خاصة بالتجريبيات داخلها إلي أن أنشئت وحدة خاصة بها في عام 2013 ولكن دون أن يكون لها هيكل تنظمي وظل عملها معطلاً حتي الآن بدون اختصاصات واضحة أو وجود خطط واضحة للتطوير بل إنه علي النقيض فإن هناك اهتماماً بمشروع الاستثمار بالتعليم والذي سيؤدي إلي خصخصة أكبر للتعليم. وأضاف أن في العام الحالي صدر قرار آخر يدل علي أن وزارة التربية والتعليم لا تعول كثيراً علي مدارس التجريبيات أو الاهتمام بها وتمثلت في أنه سمح لها بدءاً من العام الحالي فقط بقبول تحويلات الطلاب من المدارس الحكومية علي الرغم من عدم تأهيلهم للدراسة باللغة الإنجليزية في مواد العلوم والرياضيات إلا أن الوزارة تحججت بعقد امتحان لغة للراغبين في التحويل. لم تقتصر مشكلات المدارس التجريبية علي ذلك وفقط فقد سادت حالة من الارتباك داخل تلك المدارس، بعد تأخر وصول الكتب المدرسية، الخاصة بمواد اللغة الإنجليزية والعلوم والرياضيات لغات بمختلف المراحل. ورغم تأكيدات وزير التربية والتعليم علي وصول 95٪ من الكتب للمدارس، فإن أولياء الأمور أكدوا عكس ذلك، إذ اضطر أغلبهم للبحث عن كتب المدرسة داخل المكتبات، في حين اضطر آخرون لاستبدالها بالكتب الخارجية. ومن جانبها قالت الدكتورة محبات أبو عميرة، أستاذ العلوم التربوية بكلية البنات جامعة عين شمس إن الاهتمام بالمدارس التجريبية يعد أمراً ضرورياً لأنها تناسب الطبقة المتوسطة التي تمثل أغلبية الشعب المصري كما أنها تتيح تعلم العلوم والرياضيات باللغة الانجليزية وأشبه بالمدارس الخاصة كما أنها تقدم خريجا مؤهلا لسوق العمل. وأضافت أن وزارة التربية والتعليم مطالبة بالتوسع بإنشاء تلك المدارس حيث إنها تبقي تابعة لها ولإشرافها وهو ما يشكل أفضليه بالنسبة لها مقارنة بالمدارس الخاصة والدولية التي يوجد بها العديد من المشكلات. وأوضحت أن هناك 7 أنواع من التعليم في مصر وهي (حكومية عادية تجريبية رسمية مدارس خاصة ذ مدارس دولية معاهد قومية معاهد أزهرية خاصة بالمشاركة مع الحكومة) وهو أمر قد يكون صحياً في حالة إن تم تحديد هدف واحد يتم تطبيقه في جميع المدارس لإخراج طالب ذي مواصفات محددة يتم تحديدها بواسطة وزارة التربية والتعليم.