النظرة الحالمة فى عينيه.. سر اانجذاب النساء إليه ظل الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب طوال عمره الذي تجاوز التسعين عاما.. شبابا دائما.. كان في طفولته شابا لأنه يبدو أكبر من سنه.. وكان في صباه شابا.. وفي كهولته شابا.. وظل حتي آخر أيامه يتحدي بنضارته ورشاقة قوامه أبناء العشرين والثلاثين! ولا أحد يعرف سر احتفاظ عبدالوهاب بشبابه.. فلم يكن رياضيا.. بل كان لا يمشي خطوة واحدة في الشارع.. وقد سمع أن المشي مفيد.. فدرج في سنواته الأخيرة علي المشي في شقته متنقلا بين غرفها وشرفاتها المغلقة النوافذ صيفا وشتاء. وعبدالوهاب لم يكن يري الشمس، ولايتعرض للهواء.. فهو في الصيف يستعمل جهاز التكييف، وفي الشتاء يستعمل المدفأة.. وصحيح أنه كان حريصا علي ألا يتناول من الطعام إلا المسلوق، ويحافظ علي مواعيد الأكل.. وينام عشر ساعات يوميا، ولا يشرب الخمر، ولا يدخن السجاير.. ويرقد في فراشه أياما إذا أحس أن درجة حرارته معرضة للارتفاع.. ولكن.. هل هذا يكفي للاحتفاظ بالشباب؟ أغلب ظني أن سر احتفاظ عبدالوهاب بالشباب الدائم يكمن في قلبه.. فقد ظل قلب عبدالوهاب يخفق بالحب طوال عمره.. وصدق الشاعر الكبير كامل الشناوي عندما قال إن حياة عبدالوهاب كانت ألحانا ونساء. وكان عبدالوهاب من أكثر الرجال الذين تطاردهم النساء في كل مكان.. كانت تطارده الأميرات وبنات الذوات وطالبات المدارس وذوات الملاءة اللف!.. ولعله المطرب الوحيد الذي أحتضنته نساء الطبقة الراقية في زمانه، وكن يصرفن عليه الألوف، ويشترين له البيجامات والقمصان الحريرية وربطات العنق.. ومنهن من اشترت له طاقما من زراير القمصان المصنوعة من الزبرجد.. ومنهن من اشترت له قطعة أرض بالمعادي، ومنهن من اشترت له عمارة شاهقة!.. إن عبدالوهاب هو المطرب الوحيد الذي انتحرت من أجله أميرة من الأسرة المالكة التي كانت تحكم مصر.. وكاد هذا الحب أن يعرضه للسجن والتشريد لولا أنه عالج الموقف بذكائه الخارق.. وقد انتحرت من أجله أربع معجبات واثنتان أصيبت كل منهما بالانهيار العصبي، وواحدة قادتها قصة غرامها بالمطرب الشهير إلي مستشفي المجاذيب. خطة أمير الشعراء لقد كبر عبدالوهاب فنيا، ولمع اسمه في جميع الأوساط، واستطاع أن يصبح أغلي مطرب في مصر.. وبدأت الطبقات الراقية تتنافس في سبيل التعاقد معه علي إحياء حفلاتها.. كان أمير الشعراء أحمد شوقي يطلب إغلاق المسرح قبل رفع الستار بربع ساعة، ويأمر شباك التذاكر بأن يرفض بيع أية تذكرة بحجة أن العدد كامل.. لأنه كان يريد أن يوحي للناس بأن الإقبال علي حفلات عبدالوهاب شديد جداً.. وقد نجحت هذه الوسيلة في أن تجعل المتفرجين يعودون في الأيام التالية للاستماع إلي عبدالوهاب.. وكان شوقي بك يغطي إيرادات الحفلة من جيبه وكان يحاسب المتعهد علي أساس أن العدد كامل. ويري الناقد الفني جليل البنداري أنه بهذه الوسيلة أصبحت نساء الطبقة الأرستقراطية التي كانت تسمي في ذلك الوقت بالطبقة الراقية تتهافت علي عبدالوهاب، وأصبحت كل فتاة في مصر تتمني أن تري عبدالوهاب وتستمع إلي صوته.. في هذا الوقت ظهرت في حياة عبدالوهاب سيدة من الطبقة الراقية هي السيدة »زبيدة الحكيم« التي كانت ترقد علي كنز ولم تفتح طاقة هذا الكنز إلا لعبدالوهاب وحده، وقد عرض عشرات ومئات من »باشوات« و»بكوات« و»أعيان« ذلك العهد الزواج من هذه السيدة مليونيرة الزمالك كما كان يطلق عليها، ولكنها رفضتهم جميعا من أجل ذلك المطرب الشاب الذي لوعها وأذل كبرياءها وجعلها تنثر الذهب والماس تحت قدميه. وقد غمرت مليونيرة الزمالك مطرب باب الشعرية بالهدايا الثمينة التي لم يكن يحلم بها.. فقدمت إليه طاقما من زراير القمصان المصنوعة من الزبرجد! وقدمت له في إحدي المناسبات دبوسا لربطة العنق من الماس قدره أحد تجار المجوهرات ببضعة ألوف من الجنيهات.. وكانت أول سيدة تدعو عبدالوهاب للسفر إلي أوروبا علي حسابها عدة مرات.. طفل النساء المدلل وهكذا عاش طفل النساء المدلل كما كان يسميه جليل البنداري لا يشتهي شيئا إلا وجده أمامه في الحال!.. كانت السيدة صاحبة الملايين تعيش في قصر بالزمالك يحسدها عليه جيرانها من أصحاب الملايين. أمضي عبدالوهاب ثلاث سنوات كلها حبا في حب.. ثم بدأ الخلاف يدق جدران القصر بعنف.. فكلما لمع اسمه وتهافتت عليه المعجبات اشتعلت نار الغيرة في قلبها.. وبدأت تتدخل في حياته بطريقة مثيرة.. فقد أعطت لنفسها الحق في مناقشة أغانيه وألحانه وموسيقاه.. ولا يوجد شيء يغيظ عبدالوهاب سوي أن يتدخل أي انسان في شئونه الفنية. وبدأ عبدالوهاب يرد علي اعتداءاتها بطريقته الخاصة.. كان الهرب منها هو الوسيلة الوحيدة للتعبير عن ضيقه وتبرمه من الحياة معها.. وكانت مليونيرة الزمالك تبحث عن معبودها في جميع أنحاء القاهرة فلا تعثر له علي أثر.. واستأجرت مخبرين خصوصيين ليبحثوا لها عنه.. وكلما ازدادت مطاردتها له.. ازداد هو ابتعادا عنها.. وظلت الحياة بينهما هكذا حتي ضبطته في أحد الأيام واقفا أمام باب إحدي دور السينما وبجواره فتاة شقراء جميلة.. فما كان منها إلا أن رفعت يدها وهوت بها علي وجه الفتاة الشقراء واضطر عبدالوهاب أن يسرع بفتاته إلي أقرب تاكسي لكي ينقذ نفسه من الفضيحة أمام السينما. انتحار الأميرة الشقراء من هي هذه الفتاة الشقراء الجميلة التي تلقت صفعة المليونيرة التي كان عبدالوهاب متزوجا منها في السر ؟.. كانت واحدة من أسرة محمد علي ابنة أخت أمير سابق رشح للجلوس علي عرش مصر في يوم من الأيام.. كانت الأميرة تهوي الموسيقي والرقص والغناء، خاصة غناء عبدالوهاب.. ولم يكن يعرفها أحد من أصدقائه سوي عدد قليل جدا وحتي هؤلاء القليلون لم يعرفوا عنها أنها مؤلفة أغان. وفي بيت أحد أصدقائه في حلوان كما يروي الكاتب الصحفي جليل البنداري أمضي عبدالوهاب السهرة مع الأميرة الشقراء مؤلفة الأغاني.. وفي تلك الليلة كتبت الأميرة الشاعرة أغنية عبدالوهاب الشهيرة »أحب أشوفك كل يوم« ولم يستطع عبدالوهاب في ذلك الوقت أن يسجل الأغنية باسمها، فسجلها علي اسطوانة باسم المرحوم حسن رضا وكيل معهد الموسيقي الشرقية.. واستطاع عبدالوهاب أن يغزو قلب الأميرة كما سبق أن غزا قلوب العذاري وغير العذاري في قصر الزمالك وأندية الطبقة الراقية بصوته وهمساته وتنهداته التي يسكبها في آذانهن بأحلي الأنغام.. واستطاع جواسيس مليونيرة الزمالك أن ينقلوا إليها تحركات وسكنات المطرب النمرود. وعرف الأمير السابق قصة غرام صاحبة السمو بالمطرب عبدالوهاب.. فثار خالها وهاج وماج وتوعد عبدالوهاب. وعندما فاتحها في الموضوع اعترفت الأميرة بكل شيء. فسألها الأمير: وما نتيجة هذا الحب؟ قالت: الزواج. قال الأمير: إن زواجك لا يتم إلا بموافقة القصر.. فماذا تكون النتيجة لو رفض القصر؟ ولماذا يرفض القصر؟ لأنه سيكون زواجا غير متكافئ.. ستكون فضيحة لي.. وفضيحة للأسرة.. وفضيحة للقصر!. أنا لا يهمني القصر! وإذا رفضت أنا.. سأنتحر! ورد خال الأميرة قائلا: أنا أوافق علي هذه الفكرة! وفي تلك الليلة استطاعت الأميرة أن تهرب من القصر وتلتقي بالمطرب المشهور، ونقلت إليه كل مادار بينها وبين خالها الأمير.. فقال لها: إن الحب يمر بثلاث درجات: الدرجة الأولي.. هي حمي بسيطة تشبه الانفلونزا! والدرجة الثانية.. هي حمي خبيثة تشبه التيفوس! وسكت عبدالوهاب.. وقالت الأميرة: وبعد ذلك؟ قال عبدالوهاب: يصبح ذكري! وتركت الأميرة عبدالوهاب وهي حزينة محطمة لأنها غير مقتنعة بمنطق عبدالوهاب.. وتأكدت أن عبدالوهاب لن يحميها من بطش أسرتها المالكة وأصرت علي الانتحار.. وفي نفس الليلة دخلت غرفتها بقصر خالها الأمير وأشعلت في نفسها النار!! المرأة التي أذلت عبدالوهاب في الحلقة الماضية نشرنا اعترافات الموسيقار محمد عبدالوهاب عن زواجه الثاني بالسيدة إقبال نصار.. لكن في السطور التالية يكشف الكاتب الصحفي جليل البنداري اسرارا كثيرة حول زواج عبدالوهاب بالسيدة إقبال نصار.. يقول: بعد أن ساءت حياة عبدالوهاب مع زوجته الأولي السيدة زبيدة وانفصلا بالطلاق.. استقل عبدالوهاب القطار إلي رأس البر.. ذهب ليستجم ويلحن ويبحث عن جديد.. في رأس البر نزل عبدالوهاب في فندق »كورتيل«.. وأثناء جلوسه في بهو الفندق فوجئ بظهور فتاة رائعة الجمال تبدو عروسا.. وكان بجوارها عريسها.. ولفت جمال الفتاة أنظار جميع نزلاء الفندق ومن بينهم عبدالوهاب.. وتابع بنظراته هذه الفتاة الرائعة التي اختفت عن الأنظار.. إن عبدالوهاب لم يضطرب مرة واحدة في حياته إلا بعد أن رأي هذه الفتاة.. وعادت هي وزوجها لتناول الشاي وجلست وظهرها لعبدالوهاب.. لم تمض دقائق حتي شعرت بأن عبدالوهاب يرصد جميع حركاتها وسكناتها.. فلم تعبأ به.. إن كل فتاة جميلة تتعرض لنظرات الفضوليين.. وكان عبدالوهاب واحدا من هؤلاء الفضوليين.. ولاحظت الفتاة أن عبدالوهاب يتعمد التردد علي قاعة الطعام في الأوقات التي تغشاها.. وبدأ عبدالوهاب يسأل عن اسمها فقيل له: إقبال نصار وتحول إعجاب عبدالوهاب بالفتاة إلي اهتمام.. ثم تحول اهتمامه إلي حب.. وهذه حكاية أخري!..