تعد الثروة السمكية واحدة من أهم الثروات الطبيعية التي تمتلكها مصر ولهذا فإن هناك ضرورة حتمية لتنميتها والنهوض بها لتوفير البروتين الغذائي اللازم لأبناء هذا الوطن بأرخص الأسعار لتكون في متناول كافة المواطنين وخاصة الطبقات الفقيرة ومحدودي الدخل الذين يمثلون نسبة 04٪ من إجمالي شعب مصر. وبلغ إجمالي سواحل مصر علي البحرين الأبيض المتوسط والأحمر وقناة السويس أكثر من أربعة آلاف كيلو متر بالإضافة إلي نهر النيل والبحيرات وفي مقدمتها بحيرة السد العالي التي تعد أكبر بحيرة في العالم وبحيرة المنزلة وبحيرة البردويل التي تتميز بأسماكها الجيدة والتي يتم تصدير معظم إنتاجها إلي الخارج بأسعار مرتفعة. ولقد سبق أن تناولت في مقال سابق علي صفحات هذه المجلة مشكلة الصيد في بحيرة المنزلة مشيرا إلي المشاكل الخطيرة التي تتعرض لها هذه البحيرة التي تعد مصدرا هاما للأسماك.. وكان من أهم هذه المشاكل التعديات التي يقوم بها بعض الخارجين علي القانون سواء بتجفيف مساحات كبيرة من البحيرة وتحويلها إلي أراض زراعية ووضع أيديهم عليها بهدف تملكها وأولئك الذين يزاولون أعمال البلطجة وفرض سيطرتهم علي عمليات الصيد التي غالبا ما تتم بأساليب غير قانونية مثل استخدام أنواع من الشباك غير مطابقة للمواصفات اللازمة للحفاظ علي زريعة الأسماك واستخدام متفجرات.. وكذلك الإهمال الجسيم فيما يتعلق بتطهير وتعميق البحيرة وخاصة »البوغاز« الذي يربطها بالبحر الأبيض المتوسط لتسهيل انسياب مياه البحر إلي داخل البحيرة والتي تساعد كثيرا علي تحسين نوعية مياه البحر وعدم تكاثر الحشائش والآن يدور حديثنا حول بحيرة السد العالي والتي يريد النوبيون أن يطلقوا عليها اسم »بحيرة النوبة« هذه البحيرة التي تكونت بعد إنشاء السد العالي في الستينات من القرن الماضي والتي تعد واحدة من أهم مصادر الثروة السمكية لمصر أو هكذا يجب أن تكون، تعاني هي الأخري من مشاكل عديدة نتيجة للإهمال وانعدام عمليات التطوير من قبل المسئولين حتي أن الأسماك بدأت تتوحش لدرجة أن أحد وزراء التموين في السبعينات ناشد القوات الجوية أن تساهم في نقل أسماك البحيرة إلي القاهرة نظرا لصعوبة نقل هذه الأسماك بسيارات النقل لبعد المسافة وعدم وجود عربات سكك حديدية مجهزة لهذا الغرض. ولقد استمعت إلي حوار مع د. خالد زيد المستشار بالمعهد القومي الياباني للبحوث والتكنولوجيا أثناء زيارته لمصر الأسبوع الماضي حول أحد المشروعات الهامة التي يقوم اليابانيون بدراستها لإيجاد الحلول المناسبة لواحدة من أهم المشاكل التي تواجهها بحيرة السد العالي وهي تراكم طمي النيل أمام السد العالي علي مدي الأربعين عاما الماضية وقدمت اليابان بالفعل مليون دولار منحة »معونة فنية« لإعداد الدراسات اللازمة لهذا المشروع الهام الذي يستهدف تنمية الثروة السمكية في البحيرة وتأتي بعد ذلك المرحلة الثانية للاتفاق بين الحكومتين المصرية واليابانية علي المشروع وتحديد موعد البدء في تنفيذه. ويهدف المشروع إلي إخلاء بحيرة السد العالي من الكميات الهائلة من طمي النيل والتي تقدر بمئات الملايين من الأمتار المكعبة وتجفيفها للاستفادة بها في زيادة خصوبة الأراضي الزراعية التي حرمت من هذا الطمي خلال الأربعة عقود الماضية وكذلك الأراضي الصحراوية التي هي في حاجة إلي هذه المادة الخصبة المليئة بالمعادن وخاصة الأراضي الشاسعة علي ضفتي البحيرة والتي تصلح لزراعة المحاصيل الهامة التي تتفق في نموها مع أجواء هذه المنطقة الحارة ويتم استيرادها من الخارج.. كما أن تفريغ قاع البحيرة من هذه الكميات الهائلة من الطمي سيؤدي إلي زيادة السعة الاستيعابية للبحيرة من مياه النيل وإتاحة مناخ أفضل لنمو الأسماك وتكاثرها وتسهيل عمليات الصيد أمام الصيادين العاملين بالبحيرة وتمكينهم من استخدام مراكب أكبر وأكثر تطورا. إن تنفيذ هذا المشروع »تنمية بحيرة السد العالي« مع دولة مثل اليابان والتي تعد واحدة من أقدم وأعرق الدول في مجال الصيد سيؤدي إلي تحقيق هذا المشروع بكفاءة عالية تعود بفائدة كبيرة علي الاقتصاد القومي المصري والمساهمة بقدر كبير في سد احتياجات المواطنين من أحد أهم أنواع البروتينات ولاشك أن المشروع سيتضمن أيضا خطة لتدريب الصيادين المصريين علي أحدث فنون الصيد والارتفاع بهذه المهنة في مصر وفتح آفاق أوسع للعمل المنتج والمستقر أمامهم داخل بلادهم يغنيهم عن السعي والمجازفة بالصيد في المياه الإقليمية لدول أخري حتي ولو كانت دولا صديقة وحتي لايتعرض كما نسمع دائما للاحتجاز والسجن. وإذا كانت اليابان وهي دولة صديقة حريصة علي تنفيذ هذا المشروع الحيوي بعد أن قامت بتمويل دراسات الجدوي الاقتصادية للمشروع بمبلغ مليون دولار كمنحة فإنني أناشد المسئولين في مصر واليابان أن يسرعوا في تنفيذ المشروع علي أن يشمل أيضا تطوير مجري نهر النيل والترع والرياحات المتفرعة منه وكذلك بحيرتا المنزلة والبردويل.. وليس لدي أدني شك في أن اليابان لن تتواني في تنفيذ هذا المشروع وهي التي سبق أن تعاونت مع مصر في العديد من مشروعات التنمية الصناعية والاقتصادية والثقافية من خلال هيئة المعونة اليابانية تانيدا tanida كما أن شعب اليابان يكن كل الإعجاب والتقدير لشعب مصر وحضارته العريقة وهو ما ينعكس في تدفق أعداد كبيرة من السياح اليابانيين إلي مصر ولاشك أن مشروع تنمية بحيرة السد العالي سيكون أول مشروع تنموي تشارك فيه اليابان بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير التي حازت إعجاب وتقدير اليابان حكومة وشعبا حيث قامت مختلف أجهزة الإعلام اليابانية المقروءة والمسموعة والمرئية بنقل تفاصيل أحداث الثورة يوما بيوم.