هاجمت السيولمحافظات الصعيد »أسيوطوقنا وسوهاج والبحر الأحمر»، قتلت وأصابت عشرات الأشخاص وهو ما جعل المواطنين في جنوب مصر علي مدار الأيام الماضية في حالة من الذعر وهم يشاهدون المياه تجرف معها السيارات وتزهق الأرواح وتهدم البيوت وتصيب بعض محاصيلهم بالتلف.. قصص الأهالي لم تتوقف علي وسائل التواصل الاجتماعي الذي رصد فيه المواطنون بكاميراتهم صورا حية وفيديوهات تصور حجم الكارثة.. آخر ساعة في هذا التحقيق تنقل شهادات المواطنين وتبحث عن مخرج للأزمة التي تتكرر كل عام في مناطق مختلفة، بينما الاستفادة من مياه السيول يعتبر حلا كبيرا لأزمة المياه. يروي - سيد رفيع - أن التجربة كانت مريرة في رأس غارب التي فقدت تسعة من أبنائها حتي الآن من بينهم عمه المسن الذي مات غرقا في السيل بالإضافة إلي عدد غير معروف من المفقودين، ويؤكد أن المياه مازالت تغطي شوارع المدينة مع كميات كبيرة من الوحل والطين والأحجار التي جرفها السيل معه، وتم تخريب عدد كبير من المحلات التجارية والبيوت التي تقع في مجري السيل، والحكومة غائبة ونحن في انتظار عودة الكهرباء التي قطعت عن المدينة.. الآن توقفت الأمطار، ولكن إزالة آثارها ستستغرق وقتا طويلا، خاصة في وجود إدارة محلية كسولة. ويصف محمد محمود عبد الرحمن - تاجر من قنا- المطر بأنه خراب بيوت، ويتحدث عن ضياع محصوله في سنوات سابقة مما جعله يعاني من الإفلاس، ويبيع مصوغات زوجته لتعويض خسارته حتي يعود من جديد ليقف علي قدميه. ويقول إن المطر جعله يصرف كل عام مبلغا كبيرا من المال، لأنه اضطر لتخزين المحصول في أماكن بعيدة عن مخرات السيول بالقرب من منزله إلي أخري وهو ما يجعله يتحمل نفقات إضافية للصرف علي عربات النقل فضلا عن شراء كميات كبيرة من مفارش البلاستيك (المشمع) لتغطية المحصول إذا داهمه المطر في أي وقت. ويروي محمود عبد الستار- مدرس بمحافظة قنا أن أحد سائقي الميكروباصات غرقت مركبته في السيل وأثناء محاولة إنقاذه كان ممسكا بيده حقيبة بها كل ما يملك من المال والذهب اضطر أن يفلتها من يده ليستطيع التمسك بحبل الإنقاذ وبعد إنقاذه ظل يجري وسط الجبال كالمجنون مرددا » فلوسي»، فقد تبين أن الحقيبة كانت تحوي 85 ألف جنيه وذهبا يساوي 60 ألفا. يوضح د. أحمد عبدالعال رئيس هيئة الأرصاد الجوية أنهم أصدروا بيانا يوضح أنه من المتوقع وجود سحب ممطرة علي أغلب الأنحاء وستكون أمطارا غزيرة ورعدية علي سلاسل جبال البحر الأحمر وسيناء ومحافظات الصعيد وهو ماحدث بالفعل، ومن المتوقع أن يتحسن الطقس الأسبوع القادم. ويشير إلي أن فصل الخريف من الطبيعي أن يتخلله عدم استقرار في الأحوال الجوية، وأن مهمتهم تنتهي مع الإبلاغ عن الخطر وعلي الجهات المعنية اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتفادي وقوع الكوارث. وأضاف د. علي قطب خبير الأرصاد الجوية: يعتبر هذا الطقس هو المتوقع كل عام من السنة فتتعرض المنطقة الجنوبية من البحر الأحمر خلال فترة الخريف لحالات عدم استقرار في الأحوال الجوية نتيجة لمنخفضات جوية قادمة من المناطق الجنوبية والغربية تؤدي لتكاثر السحب وهطول أمطار تكون رعدية أحيانا. وتعتبر أهم المناطق المتأثرة بهذه التغيرات المناخية هي سلاسل جبال البحر الأحمروجنوب البلاد وسيناء، وهو أمر طبيعي نتعرض له دائما خلال هذا الفصل، والمشكلة أنه ينتج عنه سيول تؤثر بالسلب علي المناطق التي يسقط عليها الأمطار والقريبة منها فالسيول هي عبارة عن تجمع لمياه الأمطار فوق قمم الجبال وتتجه نحو الوديان بقوة دفع كبيرة لذلك يجب علي تلك المحافظات بصفة دائمة أن تقوم بتسليك ممرات السيول التي نطلق عليها »المخرات»، واتخاذ الحيطة والحذر من الأمطار الرعدية لما لها من تأثير سلبي علي حياة المواطنين. ومن ناحية أخري يجب استخدام مياه الأمطار والسيول بشكل إيجابي عن طريق ادخارها في خزانات خاصة خاصة أننا مقبلون علي أزمة مياه فيمكننا أن نستفيد منها بشكل كبير دون إهدارها، ويجب علي الجميع المتابعة المستمرة للطقس من خلال الأرصاد الجوية. ويوضح المهندس كمال منجي نائب رئيس هيئة الطرق والكباري سابقا أنه يجب علينا تنظيف مخرات السيول بشكل جيد، وعن مشكلة وادي وتير بسيناء يقول: مشكلة وادي وتير تكمن في كونه طريقا منحوتا بالتفجير علي جبل من الأحجار الصخرية النارية التي تتحرك مع السيل وهذا الطريق يعتبر أحد خطوط سير السيل نفسه الذي يهبط كل عام في مواعيد محددة وهما شهرا أبريل وأغسطس. وأصبح متوافر حاليا طريقاً آخر وهو طريق طابا لا ننكر أنه أطول قليلا ولكنه أفضل وأكثر أمانا من طريق وادي وتير فما الداعي لاستخدام هذا الطريق الخطر الذي كان مفروضا علينا ولم يكن لدينا أي خيارات سواه، ولكننا الآن يمكننا الاستغناء عنه واستبداله بطريق طابا ومن يريد الغرق والموت فليدخل طريق وادي وتير في فترات المطر والسيول. ويشير إلي أنه من اختصاص وزارة الري عمل مصدات متدرجة لتخفيض سرعة السيول التي تصل إلي 200 كيلو متر في الساعة، وانشاء سدود للحفاظ علي المياه المهدرة من السيول والأمطار. ويجب الإنفاق عليه وسفلتته لأنه يتم استخدامه في المواسم والأوقات التي لا تملؤها السيول،. وعن إنفاق ما يقرب من 50 مليون جنيه سنويا علي سفلتة هذا الطريق يقول منجي: لا تصل التكلفة لهذا الرقم ولكنه من الغباء أن أقوم بسفلتة الطريق بشكل مبالغ فيه ولكننا نضع له طبقة بسيطة من الأسفلت بعد تمهيده، وكانت تكلفته منذ عدة سنوات تصل إلي 23 مليون جنيه. ولابد من عمل مواءمة اجتماعية واقتصادية وسياسية، وهذا الطريق ضروري جدا لتفادي الاختناقات خاصة أن طريق طابا يقع بجواره مصنعان كبيران، ولكننا نحث المواطنين والسائقين علي السير في طريق طابا والابتعاد عن طريق وادي وتير في التوقيتات المعروفة للسيول والرجوع له بعد انتهائها. وعن غرق الطريق الدائري يقول إن مشكلة هذا الطريق تكمن في أنه عندما تم تصميمه وبناؤه كان كل ما حوله صحراء، ولكن الآن بدأ العمران يزحف عليه ويحيط به من كل الاتجاهات فماذا عسانا نفعل، ولا يجوز عمل أي نوع بلاعات صرف الأمطار والسيول. ويحذر الدكتور علي إبراهيم استشاري وخبير التنمية الزراعية المزارعين من فرش المحصول بجانب مخرات السيول خاصة أنها أصبحت الآن معروفة لديهم، وينصحهم بالتخزين تحت مظلات يتم رفعها في النهارات المشمسة مع أخذ كافة الاحتياطات تحسبا لسقوط أمطار. ويري إبراهيم أن الأمطار - بصفة عامة - غيرضارة بالنسبة للزروع إلا لو سقطت في الأماكن التي ترتفع فيها نسبة الأملاح، في حين أن سقوطها في المناطق الصحراوية من المميزات، لأنها تصل إلي أرض لا تصل إليها المياه وبالتالي يمكن الاستفادة منها بعدة طرق. ويعود استشاري وخبير التنمية الزراعية إلي ما حدث في عامي 1994 و1995 حين نزلت أمطار غزيرة في الصعيد وكان لابد من تخزينها والاستفادة منها ولو في زراعة الغابات والأشجار الخشبية. وينتقد ما يأتي علي لسان المسئولين من الوعود بإجراء الدراسات اللازمة لتفادي الأضرار، ففي الغالب تكون النتيجة مجرد كلام دون أي فعل. وينادي بأهمية تخزين كميات المطر التي بدأت تسقط بشكل موسمي علي مناطق متفرقة من البلاد لتنمية الظهير الصحراوي في بعض محافظات الصعيد ويقول: التكلفة ليست عالية ويكفينا من الوعود بالدراسات ما آل إليه الحال، ثم لا يحدث شيء.. لابد من خطة تنفيذية سريعة خاصة أن الدلائل الآن تشير إلي أننا ذاهبون إلي تغيرات مناخية لا يعلم بها الا الله. ويفرق بين التغييرات والتقلبات بأن الأولي دائمة بينما الثانية تحدث بشكل استثنائي وقد لا تتكرر بعد ذلك. ويضيف: في عام 1981 رأينا لأول مرة الثلوج، بعدها بثماني سنوات حدث نفس الشيء ثم بعدها بعامين. وحول ما يصيب المحاصيل الزراعية من أضرار نتيجة الأمطار قال إن هذا يحدث نتيجة موجات الصقيع الناتجة عن الأمطار وليس عن طريق الأمطار بشكل مباشر وهو ما يؤدي إلي تلف بعض الثمار. ولدي الدكتور علي إبراهيم خطة لمواجهة السيول والأمطار ويؤكد أنها لابد أن تعتمد علي قاعدة معلومات ترصد كمية الأمطار التي هطلت علي البلاد منذ 10 سنوات، والأماكن التي سقطت عليها، وبناء عليه يتم بناء وإقامة مخرات ومجارٍ مستقلة عن مياه الصرف لجمع المياه عن طريق محطات الضخ ويتم رفع المياه إلي شبكات للاستفادة منها حتي ولو لري الحدائق والمتنزهات العامة أو أشجار الشوارع، ولو كانت الكميات كبيرة يتم ضخها في أقرب قناة فرعية في مياه النيل. أما مهندسة شبكات الصرف والمياه مني حلمي فتحكي عن تجربتها داخل أحد المكاتب التي تم تكليفها من الدولة بعد وعود مبارك الانتخابية في 2007 بعمل تصميمات لتطوير شبكات الصرف الصحي لثلاث محافظات: الأقصر، وقنا، والإسكندرية وتقول: إن المشروع بالكامل تم تنفيذه علي الورق فقط ولم يحدث شيء في المحافظات المستهدفة. وبالعشوائية تتهم مني ما يحدث في شبكات الصرف الصحي، وهو ما يجعلها تتحمل فوق طاقتها لعدم تجديدها منذ عشرات السنين، وبالتالي عدم تحملها لتصريف الأمطار وهو ما جعل الكارثة تحدث في الإسكندرية العام الماضي وجعل من إمكانية تكرارها (لا قدر الله) أمرا واردا. وتطالب بأن يكون تجديد وإقامة شبكات الصرف الصحي للأماكن المحرومة منها مشروع قومي تتبناه الدولة بمختلف مؤسساتها لتحقق للمواطن الفقير احتياجاته البسيطة، قري ومحافظات الصعيد التي تعاني الأمرين نتيجة سقوط الأمطار، أولا تهدم البيوت الطينية التي يسكنها فقراء في أمس الحاجة لنظرة عطف، وثانيا التخلص من فائض المياه التي تظل باقية في الشوارع وداخل المنازل لأيام نتيجة عدم تصريفها. فيما يري اللواء د. منصور الهلباوي مساعد وزير الدفاع الأسبق ورئيس الشركة القابضة للطرق والكباري سابقا، أن الحكومة بالفعل تتخذ إجراءاتها ومخرات السيول التي أقامتها الدولة بالفعل مدروسة ، والمفترض أن المحافظة هي صمام الأمان للشعب، فهي التي تحافظ عليها وتمنع عنها أي تعديات، ولكن السيول وتغيرات المناخ يجب أن نحسب لها ألف حساب وعمل الصيانات اللازمة وتوقع التأثيرات التي تصيب هذه المخرات، وعدم السماح بأي نوع من التجريف بها والذي قد يؤدي إلي انسدادها وغلقها مما يجعلها غير قادرة علي استيعاب مياه الأمطار والسيول مع مراعاة التغيرات المناخية. ويضيف: أقر المؤتمر العالمي للمناخ بأنه من المحتمل أن تغطي بعض المناطق الساحلية بالمياه، لذا يجب أن تكون الدراسات علي كل المستويات وافية وملمة بكل الجوانب، وعلي المحافظات أن تستعد لاستقبال التغيرات بعدة خطوات أهمها: لابد من تواجد مجموعات إنقاذ مجهزة بالمعدات اللازمة للدفع بها في أي وقت، ومن ناحية أخري يجب السيطرة علي حركة المرور في الشوارع، ويجب مراعاة تجديد صلاحية المباني لمعرفة ما إذا كانت ستتحمل الأمطار أو لا فلابد من تواجد إجراءات وقائية، ورفع استعدادات هيئة الإسعاف لسرعة نقل المصابين، ومراعاة توفير أماكن مجهزة بمناطق مرتفعة يصعب تراكم المياه بها كبدائل للمخابز وأماكن للإيواء لمن تنهار منازلهم نتيجة السيول وكل ما يحتاجه المواطنون، وعلي هيئة الصرف الصحي عمل صيانات مستمرة حتي لا يتكرر ما حدث بمحافظة الإسكندرية العام الماضي نتيجة لانسداد مجاري الصرف الصحي وعدم تجهيزها لاستقبال الأمطار. ويوضح اللواء مجدي موسي مدير أمن محافظة أسوان أنهم بدأوا بالفعل العديد من التجارب تشارك بها كل أجهزة المحافظة من حماية مدنية ومرور وإسعاف وصحة وتضامن اجتماعي وإسكان وري وصرف صحي وغيرهم كل منهم يقوم بدوره في مجاله لمعرفة مدي كفاءة هذه الأجهزة في مواجهة السيول، وعمل تدريبات مكثفة علي الطبيعة. وتقوم هذه التجربة علي ما يلي: نفترض أن إحدي القري هاجمتها السيول ونري كل جهاز في المحافظة كيف سيتصرف وكيف سيؤدي دوره بكفاءة وسرعة، وسنري أعداد السيارات التي ستحضر لشفط المياه من الطرق، وكيف سيحول المرور الطريق الغارق علي طرق أخري في وقت قياسي، ومن ناحية أخري ما الذي ستقدمه وزارة التضامن الإجتماعي للأسر المنكوبة التي تضررت منازلهم وزراعاتهم بسبب السيول من بطاطين وخيم يتوفر بها نوع من الراحة التي يطلبها أي إنسان، بالإضافة للتعويضات التي سيتم صرفها لهذه الأسر هل هي جاهزة أم لا ومن أين سيحصلون علي هذه الأموال وكم يستغرق عمل كشوف بالمحتاجين لصرف تعويضات لهم، والصحة من ناحية أخري هل سترسل أطباء بأعداد كافية لإنقاذ المصابين والحالات الحرجة وعدد سيارات الإسعاف المجهزة التي سيتم توافرها بأسرع وقت لنقلهم للمستشفيات. وسيتم تكرار هذه التجربة يوميا لتكون نوعا من التدريب علي مواجهة هذا الحدث الذي نعاني منه كل عام، فالتدريب هو بداية العمل بنجاح، وستكون كل الجهات مستعدة تماما إذا تعرضت المحافظة للسيول في أي وقت.