بعد 30 عاما من تزوير الانتخابات في مصر جاءت ثورة 25 يناير لتمحو كل مظاهر الفساد التي انتشرت في مصر وفي مقدمتها تزوير الانتخابات البرلمانية التي كانت الشرارة الكبري لانفجار الثورة وتسببت انتخابات 2010 في سقوط مزوري الانتخابات ومحترفي الفساد السياسي، تعالت المطالب بنزاهة الانتخابات بعدما أفسدها الإنسان البشري المصري باستعماله كافة أشكال فنون التزوير المختلفة وكانت أولي المطالب هي تطبيق عملية التصويت الإلكتروني في العملية الانتخابية هذه الفكرة لاقت قبولا وترحابا من العديد وأيضا واجهت انتقادات كثيرة. دخول عصر التصويت الإلكتروني في الانتخابات، مثل الدول الكبري في العالم كأنه عالم من الخيال، بعيدا عن الطوابير الطويلة والزحام الشديد والتفكير في التزوير وملء الصناديق وتسويد البطاقات وطرد المندوبين والبلطجة والعنف وغيرها. ولكي تثبت الحكومة نيتها نحو ديموقراطية أفضل وضمان نزاهة الانتخابات ناقش الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء مع "أهامد" سفير دولة الهند للشئون الخارجية إمكانية الاستفادة من التجربة الهندية بإجراء عملية الانتخابات بنظام "الديجيتال"، وذلك عن طريق شاشات إلكترونية، حيث تكون أسرع ، كما أنها لا تؤدي إلي "تزوير" بأي شكل من الأشكال. وقال الرئيس العام للجنة الانتخابات الهندية، والذي يتولي الإشراف علي أكبر انتخابات ديمقراطية في العالم (714 مليون ناخب) أس واي قريشي، إن الهند علي استعداد لإطلاع الجانب المصري علي كافة خبرات بلاده الانتخابية وفي مقدمتها الاقتراع الإلكتروني من خلال ماكينات صغيرة الحجم وسهلة التقنية لا يتجاوز ثمنها 200 دولار، تتيح للناخبين وخاصة الأميين منهم الإدلاء بأصواتهم بسهولة ويسر بالإضافة إلي تقليص الفترة الزمنية اللازمة لفرز الأصوات بحيث لا تتعدي 12 ساعة مقارنة بثلاثة أيام في حالة التصويت الورقي. وفي تقرير للجمعية العلمية لمهندسي الاتصالات، وهناك أنواع مختلفة من أنظمة التصويت الإلكترونية المستخدمة في العديد من البلدان، وتعتمد معظم هذه الأنظمة علي تعديل التكنولوجيات الموجودة أو تطوير تكنولوجيات معينة لاستخدامها للأغراض الانتخابية. وتشمل حدمة الأنواع الرئيسية، أنظمة التصويت بالبطاقات المثقوبة "التبويب"، أنظمة المسح الضوئي، الأنظمة الإلكترونية للتسجيل المباشر، الإنترنت. وبدأ استخدام الأنظمة الإلكترونية في التصويت منذ الستينيات، مع ظهور أنظمة البطاقات المثقوبة، والذي تلته بعد ذلك بكثير أنظمة المسح الضوئي، والأنظمة الإلكترونية للتسجيل المباشر والإنترنت. وتستخدم آلات التصويت الإلكترونية علي نطاق واسع في بلجيكا والبرازيل والهند وفنزويلا والولايات المتحدة وغيرها. واشار التقرير إلي أن كفاءة بعض هذه الأنظمة الإلكترونية أمر لا جدال فيه. كما أن من بين المزايا الرئيسية تسهيل عملية التصويت بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة. ومن أهم مميزات التصويت الإلكتروني بحسب التقرير ما يوفره هذا النظام من راحة للناخبين، فبغض النظر عن مدي الإتقان في تصميم وتوزيع مراكز الاقتراع، ليس هناك مكان أكثر ملاءمة للتصويت من بيت المرء، وعندما تكون المشاركة الانتخابية سهلة إلي درجة أنها لا تتطلب سوي تسجيل الدخول إلي موقع إلكتروني، وتحديد عدد قليل من خانات الاختيار في استمارة إلكترونية، والنقر علي زر "التصويت"، فمن المرجح أن يكون هناك تحسن ملحوظ في مستوي الإقبال علي التصويت، ومن ثم الشرعية العامة للنتائج. وقد يتيح هذا النظام أيضاً تحقيق وفورات كبيرة في تكاليف نشر مراكز الاقتراع الفعلية وتشغيلها.
طالب مجدي أحمد حسين أمين عام حزب العمل والمرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، بعدم تطبيق نظام التصويت الإلكتروني في الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة ، لافتا إلي أنه يعتبر الباب الخلفي للتزوير، نظرا لإمكانية اختراقه والتلاعب في نتائجه.
من جانبه يخشي الدكتور مصطفي كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ومدير مركز دراسات الدول النامية، من أن ارتفاع نسبة الأمية الذي يصل في مصر إلي 29٪ بجانب الأعداد الضخمة من المصريين صاحبة الأمية التكنولوجية قد يعوق عملية استخدام الإنترنت والوسائل التكنولوجية في الانتخابات القادمة. ويضيف إنه بالرغم من ضرورة البدء الفوري في الاستعداد لتطبيق التصويت الإلكتروني في الانتخابات المصرية، حتي يتعود عليه المواطنون، فإنه يري أن الوقت ما زال مبكرا لتطبيقه. ويقول إن صعوبة تطبيقه في الانتخابات القادمة تأتي من ارتفاع احتمالية التلاعب في النتائج، في مجتمع يشيع فيه تزوير الانتخابات لعقود طويلة.
التصويت الإلكتروني من وجهة نظر خبراء الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات شئ بسيط ومطلب ينادي به أغلبهم ويقول محمد أبو قريش خبير اتصالات ورئيس الجمعية العلمية لمهندسي الاتصالات. أن العديد من البلدان سبقتنا في الوصول إلي استخدام التصويت الإلكتروني في كلِ انتخاباتها، مثل البلدان المتقدمة كالولايات المتحدةالأمريكية، وأوروبا الغربية، وكذلك بلدان مثل ماليزيا والهند وباكستان، ضاربًا مثالاً بالتجربة الهندية، التي يستخدم بها450 مليون صوت انتخابي أجهزة طرفية في اللجان الانتخابية المختلفة، وهي أجهزة ليست معقدة بل بسيطة نسبيا، تدور كل مهمتها حول التعرف علي بطاقة هوية الشخص أو البطاقة الانتخابية، كما تتيح له بعد التأكد من شخصيته إمكانية الاختيار بين المرشحين، ثم تنقل البيانات فورًا لأجهزة حاسبات باللجان العامة، تنقلها بدورها إلي أجهزة مركزية. وحول وضع مصر الحالي والإمكانيات المطلوبة يقول هناك الكثير من التجارب في الدول الأخري، وأنظمة معلوماتية خصيصًا لهذا الغرض، وهي موجودة بالفعل، ولن تتطلب القيام بأجهزة مخصصة لمصر، فلدينا شركات صغيرة وكبيرة تعمل في هذا المجال، بالإضافة إلي توافر الخبراء المصريين في ذلك المجال من أساتذة بالجامعات المصرية بكليات الحاسبات والمعلومات. ويؤكد وجود تقنيات وإمكانيات عبر المحمول تمكن من إجراء عملية التصويت الإلكتروني، لكنها تستلزم نظامًا قويا للتأمين والتأكد من صحة البيانات، والتأكد من عدم تكرار المواطن للتصويت أكثر من مرة.
علي الجانب القانوني، يؤكد الدكتور عاطف البنا، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق جامعة القاهرة أن استخدام التصويت الإلكتروني في الانتخابات القادمة يتطلب تعديلاً قانونيًا، من خلال تعديل نص قانون واحد فقط، لإجازة التصويت الإلكتروني علي الانتخابات، علي أن تنتقل النتائج بعد ذلك إلي القضاة ليقوموا بفحصها والتحقق منها وإخراجها في شكلها النهائي، مشيرًا إلي أن تطبيقه في الانتخابات الرئاسية سيكون أيسر من الانتخابات البرلمانية. ويري أن الإدلاء بالأصوات إلكترونيًا سيوفر التكلفة العالية، والتي تصل إلي المستحيلة التي يتطلبها التصويت اليدوي في الانتخابات لمصريي الخارج، من إقامة لجان في أغلب مدن وعواصم العالم بعدد اللجان الموجودة دخل مصر، والتي تصل في انتخابات مجلس الشعب إلي أكثر من 54ألف لجنة، كما يؤدي إلي تعطيل الحياة القضائية في مصر لمدد طويلة. من الناحية الاقتصادية يؤكد الدكتور عبد الرحمن عليان، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، أن التصويت الإلكتروني يقلل الكثير من التكاليف والأعباء المادية للتصويت اليدوي، كتخفيف التزاحم الرهيب الناتج من الذهاب إلي لجان الاقتراع، كذلك المساحات الكبري التي تشغلها اللجان، والمشاكل المرورية. ويشير إلي أن هناك عددًا من المشكلات الأخري كمشاكل الريف في الانتخابات، وظروف المجتمع الحالية غير المستقرة، موضحًا أن تطبيق التصويت الإلكتروني يتطلب في البداية موارد مالية عالية بعض الشيء، لتوفير كل الإمكانيات المطلوبة، إلي جانب الموارد البشرية من الخبراء المؤهلين، وكذلك تدريب المواطنين علي استخدامه. ويشير الدكتور هشام المهدي الأستاذ بكلية الحاسبات بجامعة القاهرة الي أهمية البدء في توعية الناس، أولا باستخدام التكنولوجيا المتقدمة في عملية التصويت، ونشر ثقافة التصويت الإلكتروني. ومن جانبه نوه حاتم زهران، المنسق العام للجنة دعم الحريات، بأن بأن بطاقة الرقم القومي، لا تصلح إلا في الاستفتاءات وانتخابات الرئاسة والبرلمانية لكنها لا تصلح في انتخابات المحليات والنقابات والاتحادات.