ينتمي فيلم "الوتر" إلي نوعية أفلام الإثارة والغموض "suspense" التي تقوم علي لغز أو جريمة قتل، يتهم فيها أكثر من شخص لهم علاقة بالقتيل، وتدورحولهم الشبهات، وهو مايحتم علي المشاهد أن يدخل طرفاً في الحدث بعد أن تتفتح كل خلايا فضوله، للمشاركة في معرفة القاتل"بينه وبين نفسه أو بين رفاقه" وهذه النوعية من الأفلام تعاني مشكلة مع المشاهد المصري والعربي عموماً الذي تأخذه الحماسة، والرغبة الملحة في معرفة اسم القاتل أو حل اللغز، بحيث تصرفه عن متابعة جماليات الفيلم أو العمل الفني، الذي ربما اتخذ من الشكل البوليسي مدخلا لطرح قضايا مهمة أو استطرد في طرح علاقات إنسانية شديدة التعقيد والجمال في نفس الوقت، وهو ماحدث مؤخرا مع مسلسل أهل كايرو، الذي انشغل الجمهور المصري بمعرفة من يكون القاتل عن الاهتمام بكل القضايا والعلاقات الإنسانية التي طرحها المسلسل، أو حتي المستوي المتميز جدا لأداء الممثلين وأسلوب المخرج في عرض موضوعه، وأصبح السؤال الذي يلح علي الأذهان من هو قاتل صافي سليم؟؟ وبعد أن عرفوا القاتل لم يعد اهتمامهم بقيمة العمل كذي قبل، وأحياناً ما يظهر شخص بايخ، ويتعمد إفساد متعة المتابعة علي المشاهدين، ويعلن اسم القاتل من البداية ويكون هذا الشخص من فريق العمل، أو صحفيا كان يحضر تصوير الفيلم أو المسلسل وعرف من أحد أبطاله وتصور أنه سوف يحقق سبقا صحفيا لو أنه أعلن علي القراء اسم القاتل، ولهذا السبب تعمد بلال فضل مؤلف أهل كايرو إخفاء حقيقة القاتل عن أبطال العمل، حتي الحلقة الأخيرة! وللأسف إن نوعية الأعمال البوليسية تحقق نجاحا كبيرا لدي الجمهور الغربي، لأنه جمهور متحضر ومدرب علي المشاهدة بالإضافة لكونه جمهورا "مؤدبا" يحترم الأعمال الفنية وصناعها، لدرجة أن مسرحية "المصيدة" المأخوذة عن رواية لاجاثا كريستي ظلت معروضة علي مسارح لندن لمده ثلاثين عاما تعاقب فيها أعداد كبيرة من الأبطال وشاهدها الملايين دون أن يبوح أحد من الجماهير باسم القاتل ، حتي لايفسد علي غيره متعة المشاهدة أو حرق الأحداث، وقد اشتهر المخرج الراحل كمال الشيخ بتقديم الأفلام البوليسية، المأخوذة عن أفلام أمريكية للمخرج العبقري الفريد هيتشكوك رائد هذه النوعية من الأفلام الملغزة، ولكن كان نجاحها في مصر أقل من غيرها من الأفلام الاجتماعية أو الكوميدية أو الميلودرامية، واختفي الفيلم البوليسي سنوات طوالا، حتي قدمت ساندرا نشأت فيلمها الناجح "ملاكي إسكندرية" الذي كان أحد أسباب ارتفاع اسهم كل من أحمد عز وخالد صالح ونور اللبنانية، وغادة عادل بطلة فيلم الوتر! وكان الوتر قد عرض في مهرجان دمشق السينمائي وقيل إنه كان ينتظره عدة جوائز وخاصة في مجال التمثيل "غادة عادل" والإخراج "مجدي الهواري" ، ولكن الجائزة ضاعت لأسباب غير معلومة، وإن كان من شاهدوا عرض الفيلم في دمشق أكدوا أهميته وتميز عناصره الفنية فعلاً، والواقع أن مستوي الفيلم أجمل من كل ماقيل عنه، فهو يقدم حالة إبداعية خالصة، بغض النظر عن حكاية من يكون القاتل، فهو من الأفلام التي يمكن مشاهدتها أكثر من مرة حتي لو عرفت مسبقا حل ألغازها، وقد نجح السيناريست محمد ناير مع المخرج مجدي الهواري، في خلق جو عام من الإثارة مع مهارته في رسم الشخصيات الأساسية وقدرته علي إضفاء أجواء من الغموض علي الأحداث التي تبدأ الأحداث باكتشاف مقتل "حسن راغب" أحمد السعدني وهو موزع موسيقي شاب،يشتهر بكثرة علاقاته النسائية، وقد تم العثور علي جثته ملقاة علي أرضية الشالية الخاص الذي يمتلكه في العجمي بالإسكندرية، مخنوقا بوتر من آلة موسيقية، ويحضر إلي مكان الحادث ضابط المباحث المقدم محمد نسيم "مصطفي شعبان"الذي يوحي من اللحظات الأولي ، أنه يعاني من أزمة نفسية حادة، نعرف بعد ذلك أنها ناتجة عن قتله لزوجته عن طريق الخطأ، وإذا كنت حريف مشاهدة أفلام أجنبية، فسوف تلحظ أن هناك تشابهاً بين حالة مصطفي شعبان وحالة آل باتشينو في فيلم "أنسومينيا"، رغم إختلاف موضوع الفيلمين، المهم تدور الشبهات حول مجموعة من الأشخاص الذين تربطهم بالقتيل علاقات مختلفة ومتباينة، وبينهم الشقيقتان مايسة "غادة عادل" وهي عازفة كمان في الفرقة السيمفونية، وشقيقتها الصغري "منة" أو أروي جودة وهي عازفة "تشيللو" في نفس الفرقة، وكما تعلم أن كلا من الكمان والتشيللو من الآلات الوترية وأن الأصل في الفرق الموسيقية، أن تكون هناك حالة تآلف وتناغم بين الآلات المختلفة، ونشاز آلة ما، يمكن أن يربك الفرقة كلها ويفسد العرض، ومع استمرار الأحداث، ندرك من حكايات الشقيقتين أن هناك حالة من الغيرة المتأصلة بينهما، ترجع لأيام الطفولة، حيث كان والدهما يسرف في تدليل الابنة الصغري "اروي جوده"، بينما الابنة الكبري"غادة عادل" تعاني من أزمة طاحنة بعد وفاة والدها وزواج أمها"سوسن بدر" من آخر، حيث اعتاد هذا الآخر الاعتداء عليها جنسياً، مما أفسد نفسية الفتاة وجعلها في حالة ارتباك معنوي مستمر، أما ضابط المباحث "محمد نسيم" فهو يتعاطف مع مايسة رغماً عنه ويجد نفسه منجذبا لها، ومن يستطيع مقاومة سحر غادة عادل وخاصة في هذا الدور الجميل الذي اتقنت أداءه، حتي بدت في لحظات في غاية الوداعة، وفي لحظات اخري تبدو وكإنها نمرة متوحشة وإمرأة داهية، تم تصوير بعض مشاهد الفيلم في أروقة دار الأوبرا المصرية، رغم المبالغ الباهظة التي تطلبها إدارة الأوبرا لتصوير اليوم الواحد، حتي أن المخرجة أسماء البكري اضطرت أن تصور أحداث فيلمها "كونشرتو درب سعادة" الذي لعبت بطولته نجلاء فتحي، في مسرح الجمهورية بعد أو وجدت أن تكلفة تصوير اليوم الواحد في الأوبرا سيكلفها ثلاثين ألف جنيه! نهاية فيلم الوتر تحمل أكثر من مفاجأة، ولكن أرجوك حاول أن تكون ناضجاً، ولاتهتم كثيرا بمعرفة من القاتل، فالفيلم يحمل الكثير من المتع البصرية والسمعية، أهمها طبعا الموسيقي بما أننا بصدد فيلم عن عازفتين في فرقة موسيقية، والتصوير والإضاءة لمازن المتجول من أهم العناصر الجمالية، أما غادة عادل فسوف تحصل حتما علي عدة جوائز، عن دورها في الوتر ويقدم مصطفي شعبان أداءً يؤكد موهبته، في التعامل مع الأدوار الصعبه، إنه يعيد اكتشاف نفسه، بعد إخفاقه في أفلام الأكشن التي أهدر فيها وقته ووقتنا!