شاهدت فيلم الوتر الأسبوع الماضي في عرض خاص, وفي الحقيقة ومن شدة تأثري به لم استطع تأجيل الكتابة عنه إلي أن يبدأ عرضه علي الجماهير في السينما, فالفيلم كله حالة سينمائية عالية جدا, واعتقد أنه سيكون حالة أيضا أو نقلة فنية مهمة لكل من شارك فيه . وبصفة خاصة مخرجه وصاحب قصته مجدي الهواري الذي من المؤكد أنه ستكتب له شهادة ميلاده الإخراجية الحقيقية علي يد هذا الفيلم. أما حدوتة الفيلم, نفسها والتي كتب السيناريو والحوار لها محمد ناير فكانت هي العصب الحقيقي لبناء هذا الفيلم حيث لا يوجد فيلم جيد من غير ورق مكتوب جيد أيضا, وهذا ما فعله محمد ناير وشاركه فيه الهواري, فجاء الفيلم خليطا من أنواع سينمائية متنوعة ومتعددة لذلك لا نستطيع أن نطلق عليه بوليسيا رغم أن أحداثه تدور حول جريمة قتل ولكنها جريمة يتخللها أجواء من الغموض والإثارة واللعب علي الجوانب النفسية والاجتماعية والعاطفية, وكل ذلك مغلف في إطار موسيقي حالم, لذلك فهو يمثل نفس نوعية سينما زمان التي أصبحت مفقودة الآن! ومن أهم ما يميز الفيلم سرعة أحداثه بل إن هذه الأحداث لم تبدأ مع بداية الفيلم فقط بل منذ نزول تتراته التي جاءت هي الأخري مصممة بطريقة جديدة ومبتكرة تماما, فراح الفيلم علي الفور يستعرض جريمة القتل التي راح ضحيتها حسن راغب أحمدالسعدني, وبعد جو شديد الغموض راحت الشبهات تحوم حول جميع أبطال الفيلم وبصفة خاصة البطلات مايسة غادة عادل وشقيقتها منة أروي جودة بعد أن اتضح تورط كل واحدة منهن في علاقة عاطفية مع القتيل دون علم الأخري طبعا, وكان هذا دليل كاف في حد ذاته ومبررا قويا لقتل أي واحدة منهن له. ومع تصاعد الأحداث بدأت الشبهات تحوم حول سوسن بدر أم الفتاتين بل وتم القبض عليها بالفعل لوجود دافع لها في قتل الشاب الذي خدع وغرر بابنتيها وتستمر الأحداث ليدخل جميع أبطال الفيلم تقريبا في دائرة الشك لنكتشف بعد ذلك أن جريمة القتل والبحث عن الجاني ليست غاية الفيلم بل هي وسيلة للوصول أو الدخول في نفسية بطلتي الفيلم والتعمق فيهما والتعرف علي أسباب انحرافهما وضياعهما حتي ضابط المباحث محمد سليم مصطفي شعبان وبرغم أنه كان هو الذي يحقق في جريمة القتل إلا أنه كان يعاني هو الآخر نفسيا بسبب ارتكابه جريمة قتل خطأ أو المفروض أنها كذلك, ولكنها تتضح في نهاية الفيلم أنها لم تكن خطأ لذلك ينتهي الفيلم بدون تقديم الضابط الجاني إلي العدالة التي كانت تحتم عليه أن يسلم نفسه هو أولا قبل تقديمه لباقي المجرمين الآخرين والذين لن أفصح عنهم حتي لا أحرق نهاية الفيلم. جاء اسم الفيلم الوتر لعدة أسباب أولها لأن القتيل في الفيلم تم قتله بوتر إحدي الآت العزف وثانيا لكي يتم الاشتباه في بطلتي الفيلم اللتين تعملان في مجال العزف الموسيقي, فمايسة تعزف الكمان, بينما اختها منة تعزف التشيللو, بالإضافة إلي كل ذلك فالفيلم كله يدور في إطار موسيقي بديع وقد نجح الفيلم فعلا في عمل مزج غريب بين الموسيقي وأجواء جريمة القتل والتحقيق فيها بحس مرهف وعال جدا لدرجة جعلت الفيلم علي بعضه سيمفونية موسيقية فنية عذبة جدا. لم يكن أداءأبطال الفيلم أقل من اخراجه أو قصته المحبوكة فجاء أداء مصطفي شعبان في دور الضابط المجهد المضطرب نفسيا في منتهي التمكن والنضج ولولا أني أعلم أن هذا الفيلم قد تم تصويره قبل مسلسل العار لقلت إن نجاح مصطفي في هذا المسلسل انعكس علي ثقته في نفسه وهو يقوم ببطولة هذا الفيلم, ولكن يبدو أن مصطفي يعيش في مرحلة نضج فني هي التي انعكست عليه سواء في المسلسل أو الفيلم, واعتقد أن دوره في هذا الفيلم سيكون عربون تصالح له مع السينما مرة أخري بعد خصام طويل بسبب أفلامه السابقة! أما الجميلة غادة عادل فقد أصبح يعاد اكتشافها في كل فيلم جديد خاصة بعد دورها في ابن القنصل ودورها الحالي في فيلم الوتر الذي هو اعمق واجرأ بكثير من ابن القنصل ولكنها الجرأة المستندة علي التمثيل وليس العري أو الابتذال, وفي هذا الفيلم الوتر جاء الإغراء من غادة عن طريق ملامح وجهها وانفعالاتها وليس ملابسها أو الكشف عن جسدها. لم يكن أداء باقي أبطال الفيلم علي نفس جودة أداء غادة ومصطفي وهذا طبعا ليس ذنبهم بل ذنب السيناريو والإخراج اللذين اهتما بنجمي الفيلم حتي لو جاء هذا الاهتمام علي حساب باقي الأبطال الآخرين وعموما فهذه آفة من آفات أفلامنا وإن كان يحسب لهذا الفيلم أنه لم يتعامل مع النجم أو البطل الأوحد بل كانت البطولة متساوية بين البطل والبطلة, وعلي أي حال يعتبر فيلم الوتر اسما علي مسمي لأنه جاء فعلا مثل الوتر الذي عزف الفيلم فيه باللعب علي قلوبنا ومشاعرنا ليس فقط من خلال الجمل والألحان الموسيقية بل السينمائية أيضا!