إعادة تعيين قائد شرطة جامعة كاليفورنيا بعد هجوم على طلاب مناصرين للفلسطينيين    من حضر مراسم تأبين الرئيس الإيراني في طهران من الوفود الدبلوماسية العربية والدولية؟    رحيل نجم الزمالك عن الفريق: يتقاضى 900 ألف دولار سنويا    اللعب للزمالك.. تريزيجيه يحسم الجدل: لن ألعب في مصر إلا للأهلي (فيديو)    نشرة «المصري اليوم» الصباحية..قلق في الأهلي بسبب إصابة نجم الفريق قبل مواجهة الترجي.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم قبل ساعات من اجتماع البنك المركزي.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم الخميس 23 مايو 2024    شاب يطعن شقيقته بخنجر خلال بث مباشر على "الانستجرام"    ناقد رياضي: الأهلي قادر على تجاوز الترجي لهذا السبب    أول دولة أوروبية تعلن استعدادها لاعتقال نتنياهو.. ما هي؟    موعد مباراة الزمالك وفيوتشر اليوم في الدوري المصري والقنوات الناقلة    سيارة الشعب.. انخفاض أسعار بي واي دي F3 حتى 80 ألف جنيها    برقم الجلوس والاسم، نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة بورسعيد    والد إحدى ضحايا «معدية أبو غالب»: «روان كانت أحن قلب وعمرها ما قالت لي لأ» (فيديو)    سر اللعنة في المقبرة.. أبرز أحداث الحلقة الأخيرة من مسلسل "البيت بيتي 2"    وأذن في الناس بالحج، رفع كسوة الكعبة المشرفة استعدادا للركن الأعظم (صور)    أسعار الفراخ والبيض في الشرقية اليوم الخميس 23 مايو 2024    إحدى الناجيات من حادث «معدية أبو غالب» تروي تفاصيل جديدة عن المتسبب في الكارثة (فيديو)    ارتفاع عدد الشهداء في جنين إلى 11 بعد استشهاد طفل فلسطيني    رئيس الزمالك: شيكابالا قائد وأسطورة ونحضر لما بعد اعتزاله    هل يجوز للرجل أداء الحج عن أخته المريضة؟.. «الإفتاء» تجيب    الإعلان الأوروبى الثلاثى.. ضربة جديدة للأوهام الصهيونية    محافظ بورسعيد يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 85.1%    ضبط دقيق بلدي مدعم "بماكينة طحين" قبل تدويرها في كفر الشيخ    والدة سائق سيارة حادث غرق معدية أبو غالب: ابني دافع عن شرف البنات    بالأسم فقط.. نتيجة الصف الخامس الابتدائي الترم الثاني 2024 (الرابط والموعد والخطوات)    قبل ساعات من اجتماع «المركزي».. سعر الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الارتفاع الأخير    المطرب اللبناني ريان يعلن إصابته بالسرطان (فيديو)    الزمالك يُعلن بشرى سارة لجماهيره بشأن مصير جوميز (فيديو)    4 أعمال تعادل ثواب الحج والعمرة.. بينها بر الوالدين وجلسة الضحى    أمين الفتوى: هذا ما يجب فعله يوم عيد الأضحى    تسجيل ثاني حالة إصابة بأنفلونزا الطيور بين البشر في الولايات المتحدة    البابا تواضروس يستقبل مسؤول دائرة بالڤاتيكان    سي إن إن: تغيير مصر شروط وقف إطلاق النار في غزة فاجأ المفاوضين    بالأرقام.. ننشر أسماء الفائزين بعضوية اتحاد الغرف السياحية | صور    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23 مايو في محافظات مصر    ماهي مناسك الحج في يوم النحر؟    وزير الرياضة: نتمنى بطولة السوبر الأفريقي بين قطبي الكرة المصرية    الداخلية السعودية تمنع دخول مكة المكرمة لمن يحمل تأشيرة زيارة بأنواعها    محمد الغباري: مصر فرضت إرادتها على إسرائيل في حرب أكتوبر    محلل سياسي فلسطيني: إسرائيل لن تفلح في إضعاف الدور المصري بحملاتها    محمد الغباري ل"الشاهد": اليهود زاحموا العرب في أرضهم    بسبب التجاعيد.. هيفاء وهبي تتصدر التريند بعد صورها في "كان" (صور)    ماذا حدث؟.. شوبير يشن هجومًا حادًا على اتحاد الكرة لهذا السبب    22 فنانًا من 11 دولة يلتقون على ضفاف النيل بالأقصر.. فيديو وصور    مراسم تتويج أتالانتا بلقب الدوري الأوروبي لأول مرة فى تاريخه.. فيديو    بقانون يخصخص مستشفيات ويتجاهل الكادر .. مراقبون: الانقلاب يتجه لتصفية القطاع الصحي الحكومي    حظك اليوم وتوقعات برجك 23 مايو 2024.. تحذيرات ل «الثور والجدي»    احذر التعرض للحرارة الشديدة ليلا.. تهدد صحة قلبك    «الصحة» تكشف عن 7 خطوات تساعدك في الوقاية من الإمساك.. اتبعها    أستاذ طب نفسي: لو عندك اضطراب في النوم لا تشرب حاجة بني    هيئة الدواء: نراعي البعد الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين عند رفع أسعار الأدوية    عمرو سليمان: الأسرة كان لها تأثير عميق في تكويني الشخصي    "وطنية للبيع".. خبير اقتصادي: الشركة تمتلك 275 محطة وقيمتها ضخمة    إبراهيم عيسى يعلق على صورة زوجة محمد صلاح: "عامل نفق في عقل التيار الإسلامي"    البطريرك مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان يلتقي الكهنة والراهبات من الكنيسة السريانية    حظك اليوم| برج الحوت الخميس 23 مايو.. «كن جدياً في علاقاتك»    محمد الغباري: العقيدة الإسرائيلية مبنية على إقامة دولة من العريش إلى الفرات    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن فى مستهل التعاملات الصباحية الاربعاء 23 مايو 2024    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سقوط دراما عاش «الهلال مع الصليب»!
طارق الشناوي يكتب:
نشر في صوت الأمة يوم 07 - 01 - 2011

· يعيش الأقباط وهم يحملون شعوراً بأنهم مهمشون ثم أصبحوا مستهدفين ورغم ذلك فإنهم في الدراما شخصيات ثانوية
· علي مدي تاريخ الدراما تكتشف أن المعالجات الفنية التي قدمت العائلة القبطية وجهت لها انتقادات مباشرة من الأقباط
· الدور الذي لعبه صلاح عبدالله في «فيلم هندي» اعتذر عنه أغلب نجوم السينما الشباب بحجة أن الجمهور لن يقبل علي الفيلم
يعيش الأقباط في مصر وهم يحملون شعوراً بأنهم مهمشون ثم أصبحوا مستهدفين ورغم ذلك فإنهم في لغة الدراما صاروا شخصيات ثانوية في الأفلام والمسلسلات!!
الدراما تتعامل بحذر مع الأقباط ليس الآن فقط ولكن لو راجعت الأفلام المصرية منذ الثلاثينيات ستكتشف أن الأبطال دائماً مسلمون حتي لو لم تفصح مباشرة الأحداث عن الديانة فأنت تري مثلاً أغلب الطقوس إسلامية الزواج، الطلاق، العيد، والصلاة.. كلها تؤكد علي أننا نري مسلمين.. الجمهور سواء أكان مسلماً أم مسيحياً ارتاح إلي هذا الإتفاق غير المعلن!!
لو راجعت مثلاً قصة فيلم "البوسطجي" التي كتبها "يحيي حقي" في مجموعته "دماء وطين" سنكتشف أن بطلي الفيلم مسيحيان ولكن بسبب اختلاف الملة بينهما صار هناك مأزق كنسي عندما قدم المخرج "حسين كمال" هذه الرواية للسينما اتفق مع كل من كاتبي السيناريو والحوار "صبري موسي" و"دنيا البابا" علي إلغاء خانة الديانة من الشخصية درامياً.. لا أتصورها تحمل أي عنصرية من المخرج ولكن لأن المجتمع تعارف علي أن يتجنب تقديم الشخصيات المسيحية كأبطال!!
تعودنا في الدراما أن نضع أوراق "السوليفان" علي الشخصية المسيحية وكأننا نرفع راية مكتوباً عليها ممنوع اللمس أو الاقتراب، الإحساس العام الذي يسيطر غالباً علي صناع العمل الفني أن المتفرج لا يريد أن يري شخصية من لحم ودم وأنه فقط يقرأ عنوانها لكنه لا يتعمق في تفاصيلها.. كان يبدو وكأن هناك اتفاقاً ضمنياً علي ذلك بين صناع العمل الفني والجمهور الجميع ارتاحوا إلي استبعاد الشخصية القبطية!!
آخر فيلم تعرض لتلك العلاقة هو "الخروج" تصريح الرقابة له يسمح فقط للعرض في مهرجان دبي في إطار محدود بجمهور خاص ولكن العرض الجماهيري داخل مصر للجمهور العادي دافع التذكرة أراه بعيد عن التحقيق قبل أحداث كنيسة القديسين فما بالكم بعدها نظراً لحالة الغضب المرتقبة التي شاهدناها كثيراً في مثل هذه الأحوال.. وعلي مدي تاريخ الدراما سوف تكتشف أن المعالجات الفنية التي اقتربت من العائلة المصرية القبطية وجهت لها انتقادات مباشرة من الأقباط ولاحقها أيضاً اتهام من الكنيسة الأرثوذكسية في مصر برغم أن المعالجة الفنية لأغلب هذه الأعمال لم يكن يهدف منها الحديث عن الديانة بقدر ما هو تناول عائلة مصرية مسلمة أو مسيحية!!
علي سبيل التذكرة فقط فإن السنوات الأخيرة شهدت اكثر من غضبة عارمة بسبب أعمال فنية تعاملت بحساسية وهدوء مع العائلة القبطية في مصر ورغم ذلك وجهت لها انتقادات حادة منها مثلاً مسلسل "أوان الورد" الذي لعبت بطولته "سميحة أيوب" و "يسرا".. سر الغضب هو أن "سميحة" لعبت دور امرأة قبطية تزوجت مسلماً حتي إن كاتب المسلسل "وحيد حامد" اضطر أن يضع علي لسان الشخصية المحورية في المسلسل حواراً قبل نهاية الحلقات لم يكن في السيناريو الأصلي وذلك في محاولة منه لامتصاص الغضب، حيث قالت "روز" وهي الشخصية التي أدتها "سميحة أيوب" إنها لو عادت بها الأيام فلن تتزوج مسلماً وذلك برغم أن المسلسل كان حريصاً علي التأكيد بأنها لم تتخل عن ديانتها المسيحية، إلا أن مساحة الغضب كانت أكبر من توقع الجميع كانت في عدد من البيوت المسيحية وانتقلت بعدها إلي جدران الكنيسة ولم يقلص ذلك أن مخرج المسلسل "سمير سيف" مسيحي متدين.. لقد كان بالمسلسل فريق متعادل من المسلمين والأقباط خلف الكاميرا حتي يضمن ألا يثير حفيظة أحد طالما أن أقباطاً شاركوا في صنعه إلا أن الاحتجاجات فاقت كل التوقعات واضطر "البابا شنودة" إلي إقامة سحور في الكاتدرائية لإنهاء هذا الاحتقان الذي اشتعل في رمضان 2001 وقت عرض المسلسل.. مسلسل "بنت من شبرا" عن قصة لفتحي غانم عرض بعده بنحو ثلاث سنوات بطولة "ليلي علوي" أثار الغضب أيضاً لأن البطلة في نهاية الأحداث أشهرت إسلامها حتي إن التليفزيون المصري الرسمي بعد أن أعلن عن عرضه في رمضان تراجع قبل 24 ساعة فقط من بداية البث ولم يعرض المسلسل بعدها إلا في قناة خاصة وكأن الدولة تريد أن تقول للأقباط إنها ليست مسئولة عن العرض.. مسلسل "مين اللي ما يحبش فاطمة" بطولة "شيرين سيف النصر" واجه أيضاً مساحات من الاحتجاج المسلسل قصة "أنيس منصور" وذلك لأن البطلة أشهرت إسلامها في نهاية الأحداث.. في مسلسل "يا رجال العالم اتحدوا" الذي كتبه عاطف بشاي لم يخل الأمر من غضب لأن "حسن حسني" كان يؤدي في المسلسل شخصية رجل مسيحي يريد الطلاق من زوجته ولهذا يفكر في تغيير الطائفة وليس الديانة حتي يتمكن من الحصول علي الطلاق اعتبر هذا السلوك من بعض الأقباط يتنافي مع الدين!!
أما الفيلم الذي حظي بأكبر مساحة من الغضب فهو "بحب السيما" عام 2004 إخراج "أسامة فوزي" وتأليف "هاني فوزي" وبطولة "ليلي علوي" و "محمود حميدة" كان أول فيلم يتناول عائلة مسيحية الزوج والزوجة والابن لم يتحمل قطاع عريض من الأقباط ذلك خاصة وأن الفيلم اتهم من قبل بعض المغالين بين "الأرثوذكس" بأنه يروج للمذهب "البروتستانتي".. مشاعر الغضب والرفض امتدت أيضاً إلي أحد رجال الدين في الكنيسة "البروتستانتية" وهو "د.إكرام لمعي" تساءلوا كيف يسمح بتصوير قبلة بين "منة شلبي" و"ادوارد" في الكنيسة.. شكلت الدولة وقتها لجنة للتصريح بالفيلم حرص آنذاك الرقيب "مدكور ثابت" علي أن يشارك في عضويتها أكبر عدد من الأقباط من نقاد وكتاب ورفضت اللجنة التصريح بالفيلم، بل طالب بعض أعضائها بالاستعانة برجال الكنيسة لأخذ الموافقة. أمام ذلك الرفض تم تشكيل لجنة أخري أيضا ضمت أغلبية عددية من الأقباط روعي في تشكيلها أن يكونوا أكثر مرونة في تقبل تواجد عائلة مسيحية في الدراما وبالفعل وافقت اللجنة علي الفيلم بدون محذوفات.. الغريب أن الجمهور لم يقبل علي الفيلم حيث شهدت الإيرادات تراجعاً وهو نفس ما حدث أيضاً قبلها بعام مع فيلم عنوانه "فيلم هندي" 2003 الذي قدم علاقة بين صديقين مسلم ومسيحي لعب بطولته "أحمد آدم" و "صلاح عبد الله" إخراج "منير راضي" الغريب في هذا الفيلم أن أغلب النجوم الذين رشحوا لأداء دور الشاب المسيحي الذي لعبه بعد ذلك "صلاح عبدالله" اعتذروا بحجة أن الجمهور لن يقبل علي الفيلم لأنه لم يتعود أن يري شخصيات قبطية في دور البطولة.
فيلم «واحد صفر» قوبل أيضا باحتجاج بسبب شخصية المطلقة المسيحية التي لعبتها الهام شاهينَ
الحقيقة هي أن المشاهد المصري وأيضاً العربي تعود علي رؤية الشخصيات المصرية في الأغلب مسلمة وإذا قدمت شخصية قبطية فإنها غالباً إيجابية مثلاً "مرقص أفندي" في "أم العروسة" قبل نحو 45 عاماً هذا الدور الذي أداه "اسكندر منسي فهمي" كان عليه أن يتستر علي "عماد حمدي" وينقذه من الفضيحة حتي لا يعرف أحد انه اختلس من الخزانة للإنفاق علي فرح ابنته.. آخر شخصية محورية قبطية شاهدناها جاءت في فيلم "حسن ومرقص" 2008 إخراج "رامي إمام" التي أداها عادل إمام، حيث لعب دور أستاذ علم اللاهوت وحرص عادل إمام علي أن يلتقي "البابا شنودة" ويطلعه علي الشخصية قبل الشروع في تصوير الفيلم وبالفعل تم إجراء بعض التعديلات الدرامية ليصبح أستاذاً بدلاً من قسيس في علم اللاهوت وبالطبع فان موافقة البابا لعبت دوراً في تقبل عدد كبير من الأقباط لشخصية "مرقص"، كما أن السيناريو الذي كتبه "يوسف معاطي" قدم إطاراً هندسياً صارماً ليضمن الحياد الدرامي التام بين المسلمين والأقباط في كل المواقف وتلك "السيمترية" أي التماثل الشديد في المواقف خصمت الكثير من قيمة الفيلم أصبحنا بصدد معادلة حسابية وليس عملاً فنياً.
أما فيلم "الخروج" فلا توجد هذه المعادلة، حيث إنه يقدم علاقة عاطفية وجنسية بين فتاة مسيحية وشاب مسلم برغم أن المخرج ربما بعد نصيحة من أحد العاملين بالفيلم قدم علاقة هامشية عاطفية موازية بين قبطي ومسلمة.
مأزق هذه الأفلام هو أن المتفرج لم يألف رؤية شخصيات قبطية تمارس أي قدر من الانحراف طوال تاريخ الدراما ولهذا تنتقل الحساسية التي نراها في الشارع إلي دور العرض وبدلاً من أن يشاهد الجمهور شريطاً سينمائياً به عائلة مصرية بعيداً عن ديانتها سوف يراها عائلة قبطية بل ويعتبرها البعض في هذه الحالة تحمل إدانة دينية وليست درامية نكتشف أن بين المثقفين الأقباط هناك عدداً منهم يرفض أن يري شخصية قبطية منحرفة ورغم ذلك فان الحل لا يمكن أن يصبح هو المنع الرقابي ولكن أن يألف الجمهور مشاهدة العمل الفني ولا يري شخصيات تعبر عن أديان بقدر ما يراها تحمل هموماً وأحلاماً وإحباطات عائلة مصرية!
يجب أن نعترف بأن ما نراه في الدراما من حساسية تتحمل وزره الحياة الفنية والثقافية المصرية لأنه كلما طال الابتعاد والغياب زادت الحساسية ولكن علي صناع الأعمال الفنية أن يواصلوا الطريق ويمنحوا الشخصيات القبطية حضورها الدرامي.. شعور الأقباط بأنهم مهمشون في الواقع زاد من حساسيتهم أمام الشاشتين في تقبل أي عمل فني.. ولكن علي صناع الأعمال الفنية والدولة والجمهور بمسلميه وأقباطه أن يبدأوا الخطوة الأولي وهي أن نري مصريين علي الشاشة ولا يعنينا هل هم مسلمون أم أقباط؟!
**************
«الوتر» .. خدعوك فقالوا إنه فيلم بوليسي
بعد أن شاهدت فيلم "الوتر" لم أعثر كما يعتقد بعض الزملاء علي فيلم بوليسي تبحث بين ثنايا لقطاته عن القاتل وأنه طبقاً لذلك يصبح من غير اللائق أن يفتن أحد ويشي باسمه ولهذا فإن الرجاء الذي يطلبه صناع هذه الأفلام عادة هو الاحتفاظ باسم القاتل!!
العمل الفني البوليسي يدخل عادة في معركة مع خيال المتلقي وبالطبع فإن أقرب النماذج ما تقدمه قصص "أجاثا كريستي" التي تحول بعضها إلي أفلام ومسرحيات التي يعرض عدد منها مثل "المصيدة" طوال 50 عاماً علي مسارح لندن ولا يمكن أن نعتقد أنه طوال هذه السنوات أن أحد لم يشي باسم القاتل.. هذا النوع الدرامي يعتمد علي زرع معلومة يتم تصديرها للمتلقي تصل إلي حد اليقين وبعد أن يتوجه المتلقي إلي أن يمسك ببعض الخيوط يكتشف أنه قد ذهب إلي الاتجاه الخاطئ وأمسك الهواء بيديه وأن ما تصور أنه القاتل بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب بينما البريء والبعيد عن كل الشبهات هو القاتل!
أما فيلم "الوتر" فإنه قد يخدع المتفرج للوهلة الأولي باعتباره فيلماً يبحث عن حل اللغز ولكن بعد أن تتأمله تكتشف أن العثور علي القاتل ليس هو الهدف ولكن العمل الفني يحاول أن يناقش مفهوم الجريمة التي أحياناً تبدو أنها جريمة حلال؟!
المخرج "مجدي الهواري" كانت أمامه الفرصة مهيأة لكي يقدم لنا فيلماً موسيقياً يمزج فيه الشحنة الانفعالية في أداء ممثليه بإحساس موسيقي.. المعالجة الدرامية بالتأكيد كانت ستنتقل إلي آفاق أبعد المخرج كان يشعرني في لحظات بأنه يريد أن يرنو إلي آفاق الفيلم الموسيقي الرحبة من خلال تلك الانتقالات الموسيقية بين المشاهد إلا أنه في أغلب المشاهد كان يعود مسرعاً وربما أيضاً آسفاً إلي البناء التقليدي الذي يخصم الكثير من الفيلم.. إنه بالتأكيد تردد سحب الكثير من سحر كان يبرق أحياناً بين الحين والآخر وكثيراً ما يخفت أيضاً بين الحين والآخر!!
من هو القاتل هو السؤال الأول إلا أنه ليس هو السؤال الأهم.. ولهذا وبدون ثرثرة درامية طويلة يبدأ الحدث وضابط المباحث الذي أدي دوره "مصطفي شعبان" يحقق في جريمة قتل تستشعر بأن هناك خيطاً يربط الضابط بتلك الجريمة التي يروح ضحيتها موسيقار شاب "أحمد السعدني".. الجريمة تمت باستخدام وتر آلة موسيقية، كما أن القتيل يحتفظ بصورة معهم.. المشهد الأول نري الضابط "مصطفي شعبان" وهو داخل فيلا "أحمد السعدني" إن الأنظار تتجه علي الفور إلي الشقيقتين عازفتي الكمان "غادة عادل" والتشيللو "أروي جودة" من يستخدم هذا السلاح ينبغي أن يكون له علاقة وطيدة بهذا النوع من الآلات الوترية.. الضابط يبدو منذ اللحظات الأولي متورطاً في هذه القضية أكثر من كونه مجرد ضابط محايد فهو ومنذ الوهلة الأولي لا نراه محققاً محايداً نكتشف ذلك تدريجيا عندما نعلم أنه قتل زوجته الفنانة التشكيلية لأنها تعرضت لمحاولة اغتصاب وبدلاً من أن تقتل الرصاصة المعتدي ذهبت خطأ إلي الضحية هذا هو الاستنتاج الأول.. إلا أننا قبل نهاية أحداث الفيلم ندرك أن المحقق كان يقصد أن يصوب الرصاصة إلي زوجته الخائنة.. نفس تلك الرصاصة التي رأيناها تستقر في صدر زوج أم بطلتي الفيلم "غادة" و"أروي" انتقاماً منه لأنه مارس زنا المحارم مع "غادة" وهي طفلة ولم يتوقف عن محاولة ذلك بعد أن صارت امرأة!
تبدو جريمة القتل أو جرائم القتل الثلاث في الفيلم وهي تحمل قدراً من الموافقة الضمنية، بل وبعضها يصل إلي مرحلة المباركة أيضا من الجمهور لتكشف في جانب منها عن مشاعر المتفرج الذي لديه هو أيضاً ميولاً انتقامية كامنة.. لا يقدم المخرج شخصيات بريئة نتعاطف معها الكل مدان إلا أنه في جانب ما قد يبدو في لمحة سريعة ضحية أيضاً.. نحن نعلم الكثير عن بطلتي الفيلم ولكن لم يقدم لنا "أحمد السعدني" إلا باعتباره زير نساء.. كان ينبغي دراميا أن يتغلغل الكاتب أكثر في تفاصيل حياته ليتحول من مجرد رمز للخيانة النسائية إلي إنسان من لحم ودم.. ما نعلمه فقط أنه لا يستطيع مقاومة النساء وما رأيناه من علاقات كان مجرد قطرة في بحر!!
الفيلم هو أفضل عمل فني للمخرج "مجدي الهواري" بعد تجاربه الأربع السابقة التي كان فيها مجرد منتج يحاول أن يخرج أفلامه بفلوسه.. هذه المرة حاول المخرج إضفاء جو عام علي الفيلم تستطيع أن تري أن له أسلوباً خاصاً في بنائه ولكنه كان يأخذ من كل قضية قضمة ساخنة ويتركها مثل تقديم زنا المحارم، حيث إن بطلة الفيلم "غادة عادل" تتعرض لضغوط من زوج أمها ولا ندري الرجل الذي يعتدي جنسياً علي الطفلة ويعتدي جسدياً علي الأم في زمن "الخلع" كيف لم تستبدله الأم "سوسن بدر" بآخر خاصة أنها تملك القرار.. أيضاً شخصية "غادة عادل" تبدو في لحظات امرأة نهمة جنسياً مستعدة لإقامة أي علاقة وعلي هذا تصبح خيانة حبيبها تحصيل حاصل فهي خيانة مشتركة وفي لحظات أخري تبدو المرأة المخدوعة.. في كل الأحوال عبرت "غادة" بدرجة عالية جداً من الرهافة عن أبعاد هذه الشخصية كانت الغواية بالنظرة واللمحة والإيماءة وبألق فني خاص.. "أحمد السعدني" في حالة مزاجية عالية في دوره.. "مصطفي شعبان" تقدم خطوة أوسع بهذا الفيلم إلي جمهوره.. الممثل "سعيد الصالح" أراه دائماً موهبة تستطيع أن تطل علينا في أي مساحة تتاح له.. "أروي جودة" كان أداؤها متبايناً وهذه مسئولية المخرج بالطبع.. "سوسن بدر" كالعادة تترك علامة حتي لو كان الدور بلا دور.. هذه المرة هناك شريط صوت يسيطر علي الأجواء من خلال موسيقي "محمد مدحت" و "أمير هداية" وشاشة برع في تقديمها من خلال رؤية المخرج وتنفيذ مديري التصوير "مازن المتجول" و "عمرو فاروق".. كان الفيلم بحاجة إلي رؤية مونتاج أخري ليست فقط علي الشريط السينمائي من المونتيرة "غادة عز الدين" ولكن من المخرج تبدأ مع السيناريو الذي كتبه "محمد ناير".. ولكننا نظل في كل الأحوال أمام فيلم لا نبحث فيه عن الجريمة التي ارتكبها الأبطال ولكنك تبحث خلالها عن جريمتك أنت التي تمنيتها ولكن غيرك وضع أصبعه علي الزناد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.