ولأن صلاح أبوسيف نشأ في بيئة شعبية في حي بولاق وباب الشعرية فكانت أحد الأسباب التي جعلته يهتم بالأفلام الواقعية التي تعبر عن حياة الشعب وكانت طفولته خشنة ونشأ نشأة فقيرة جدا بالرغم من ثراء والده العمدة في »الحوفة« مركز الواسطي بالصعيد.. والذي لم يكن يريد له أن يتعلم.. لكن الأم كان لها دور كبير في تعليمه وهي التي ساعدته.. انفصل عن والده منذ صغره.. قلت مرة لصلاح أبوسيف أن شخصية العمدة في أفلامك قدمتها بشكل كاريكاتيري ساخر.. مثل شخصية صلاح منصور في »الزوجة الثانية« قال لي لم أكن منتبها لها.. ربما كانت في عقلي الباطن دون أن أدري وأنا صغير.. وربطت ذلك بعلاقتي المهتزة بوالدي العمدة. بدأت رحلة صلاح أبوسيف مع الفن من عام 1946.. وكان قد بدأ مع نيازي مصطفي أحد رواد صناعة الفيلم العربي. وصلاح أبوسيف أبو الواقعية المصرية التي بدأها كمال سليم في فيلم »العزيمة«.. قال عنه المؤرخ السينمائي العالمي جورج سادول أنه واحد من أهم مائة مخرج سينمائي في العالم. وأفلام »أبوسيف« غير تجارية.. لم تكن تهدف إلي الربح لكن فيها فكر وفن وصدق ومتعة.
صاحبته في كثير من المهرجانات ففي مهرجان روتردام بهولندا التي عرضت فيه بانوراما للسينما المصرية تتضمن أفلام صلاح أبوسيف.. دهشوا تماما عندما شاهدوا أفلام أبوسيف.. وقالوا لم نكن نتصور أبدا أن السينما الواقعية موجودة في مصر منذ هذا الوقت البعيد. صاحبته أيضا مع مهرجانات أخري مثل مهرجان الجزائر.. ومهرجان كارلو ڤيڤاري ومهرجان موسكوودمشق وهو معروف في كل هذه البلاد وشخصية نفخر بها في كل مكان.
صلاح أبوسيف يميل في أفلامه إلي الرمزية لكي لايقدم ألفاظا غير لائقة ولكنه يعبر عنها بالرمز فمثلا في »القاهرة 30« فالقرون علي الحائط تعبر أن البطل »قواد« دون أن ينطق هذه الكلمة، وقد عرض الفيلم في مهرجان كارلو ڤيڤاري فضجت دار السينما بالضحك وأيضا فيلم »شباب امرأة« عندما أعلن عن زواج تحية كاريوكا بشكري سرحان وضع أيادي العريس والعروس تحت منديل المأذون يظهر منظر النعجة التي تجر من رقبتها.
ولازلت أتابع أفلام صلاح أبوسيف بشغف وكأني أشاهدها لأول مرة مثل »شباب امرأة« و »الزوجة الثانية« و»بين السما والأرض« و »القاهرة 30« وغيرها.. وقد عرضت معظم أفلامه في مهرجانات دولية وحصلت علي الكثير من الجوائز منها جائزة أحسن مخرج 10 مرات.
ولا ننسي دوره الذي لا ينكر في نشر الثقافة السينمائية بالتدريس لطلبة وطالبات معهد السينما بإصداره كتبا عن السينما.. ولا ننسي أنه أول من قام بتأسيس معهد للسيناريو عام 1963.. ذلك المعهد الذي قدم للسينما المصرية عددا من أنجح كتاب السينما.. ومع كل ذلك فإن صلاح أبوسيف يتميز بالأدب والتواضع الشديد والصوت الواطي بعكس شباب الجيل الذي جاء بعده والذي يتميز بالغرور والصوت العالي والشجار أحيانا.. وأذكر مرة حينما كنا نُقيّم بعض الأفلام.. وجئنا إلي بند السيناريو.. وكان معنا صلاح أبوسيف أن قال أحدهم »بالنسبة للسيناريو فأنا الذي أقيمه متجاهلا صلاح أبوسيف الذي لم يرد بكلمة واحدة وهو الذي أقام لأول مرة معهد السيناريو عام 1963 وخرج الكثير من أنجح كتاب السيناريو.
صرح صلاح أبوسيف عندما حدثته مرة وكان ذلك في مهرجان دمشق الذي اختاروه عدة مرات رئيسا للجنة التحكيم حينما سألته عن الجيل الذي جاء بعده فقال »هناك كثيرون من المخرجين الممتازين مثل محمد خان وخيري بشارة وغيرهما.. أما عاطف الطيب فهو امتداد لي في أفلام الواقعية«.. لكن عاطف الطيب رحل في عز شبابه وعطائه دون أن يكمل المشوار..
ولا ننسي أن صلاح أبوسيف قد أشرك معه الأديب العالمي الكبير نجيب محفوظ في كتابة السيناريو والحوار.. ولم يكن نجيب يعرف يعني إيه سيناريو! وكانت أحسن أفلامهما معا.
كان جريئا ومتمشيا مع الزمن في مشاكله وتطلعاته خاصة بالنسبة لشخصية المرأة.. كانت المرأة عورة إذا أرادت أن تعمل فأخرج »أنا حرة«.. وتناول أيضا موضوع البكارة فالرجل يفعل كل مايريد ويعرف الكثير من النساء لكن حين يتزوج يختار فتاة لم يمسها أحد وذلك في فيلم »بداية ونهاية«.. أيضا فساد بعض الوزراء في »القاهرة 30« الذي عرض في مهرجان موسكو.. وكان وزير الثقافة في ذلك الوقت سليمان حزين يريد أن يمنع ذلك الفيلم لأن الوزير هنا شخصية حقيقية.. لكن الرقابة وافقت عليه.. ومنع سعاد حسني من السفر الي المهرجان لتمثيل الفيلم وقال »عيب« أن امرأة تسافر مع هذا الحشد من الرجال! وصلاح أبوسيف أكثر مخرج حصل علي جوائز عالمية في المهرجانات ونشرت عنه الكثير من الكتب وكان سابقا لعصره فحين قدم فيلم »بين السما والأرض« هوجم من النقاد.. وبعد سنوات عرض الفيلم من خلال التليفزيون.. فقدم الناقد سمير فريد اعتذارا عما كتبه من قبل ليشيد بالفيلم.. وهو موقف يحسب للناقد الكبير.
سيظل صلاح أبوسيف حيا في وجداننا فقد ترك لنا ثروة قومية كبيرة.. وسنظل نتابع أفلامه من خلال التليفزيون بحب مثل »الفتوة« و»أنا حرة« و»الطريق المسدود« و»الزوجة الثانية«.. و»كل هذا الحب« الذي منحه لنا علي مدار أفلامه التي تعتبر أهم أفلام السينما المصرية.