كان والده رجلاً ريفيا بسيطًا.. وكان يمثل الجانب الأبوي العطوف للطفل نظير جيد. وفي الوقت نفسه نتيجة الظروف التي واجهت الأسرة؛ أصبحت رعاية نظير وتربيته الأولي هي مسئولية أخيه الأكبر روفائيل، وليس أبيه. تحمل نشأة البابا شنودة الثالث شكلا درامياً به العديد من المفارقات.. أهمها أن شقيقه الأكبر روفائيل ومن بعده شوقي (الذي أصبح رجل دين في سن مبكرة).. قد أصبحا المؤثر الرئيسي في تكوين نظير الشخصي. ولقد لاحظت أن العديد من الكتب التي صدرت، وتتناول شخصية البابا شنودة ونشأته الفكرية.. لم تتناول نهائياً شخص والده سوي في عبارات محدودة جداً. وهي عبارات مستوحاة من إجابات البابا نفسه في سرده لقصة حياته في بعض الكتب. ولم يرد تحديداً ذكر سنة وفاة الأب سوي المعلومة التي تؤكد أنه قد رحل بعد زوجته بسنوات قليلة جداً. ولم نجد أي صورة لوالده أو والدته، ولم نجد سوي صورة واحدة نادرة له مع روفائيل وشوقي. وعلي الرغم من ثراء حياة البابا شنودة الثالث بالأحداث والمواقف؛ فإنه لم ترد تفاصيل مؤكدة حول نشأته الأولي سوي في جوانب قليلة منها. ولد الطفل نظير جيد روفائيل (البابا شنودة الثالث فيما بعد) في صعيد مصر بقرية سلام محافظة أسيوط في 3 أغسطس سنة 1923 لأسرة غنية.. فكان جده لأبيه عمدة قرية سلام. وكان يمتلك 500 فدان. ولقد كان نصيب جيد روفائيل منها 125 فدانًا بعد وفاة الجد. أما والدته السيدة بلسم جاد (من قرية أبنوب الحمام بأسيوط).. فقد ورثت عن والديها 30 فدانًا. ولقد توفت والدته بعد ولادته مباشرة بسبب إصابتها بحمي النفاس حيث تبادلت سيدات القرية إرضاعه.. ثم تولت شقيقته الكبري رعايته مع أبيه الذي توفي بعدها بسنوات قليلة. وقد كانت أسرة نظير جيد تتكون من خمس شقيقات متزوجات، وشقيقين فقط هما: روفائيل وشوقي. أحتضن "روفائيل" أخيه الصغير نظير، وأخذه مع أخيه الأكبر شوقي (القمص بطرس جيد فيما بعد) الذي يكبره بخمس سنوات إلي مدينة دمنهور التي عمل بها موظفاً بإحدي إدارات وزارة المالية، حيث التحق نظير بالتعليم الابتدائي. ويذكر لزوجة الأخ الكبير روفائيل دورها في رعاية نظير وشوقي فكانت بمثابة الأم الحنون عليهما. فتخدمهما وتسهر عليهما كأولادها بدون أي تفرقة. التحق نظير بالتعليم الأولي (رياض الأطفال) وكان التعليم فيه يسمي حينذاك تحضيرياً ومدته ثلاث سنوات فاجتازه في سنة واحدة. ثم التحق بالسنة الأولي (الابتدائي) وبعدها انتقل إلي الإسكندرية بسبب نقل عمل أخيه روفائيل حيث أمضي السنة الثانية والثالثة من المرحلة الابتدائية هناك. ثم انتقل إلي أسيوط وهو في السنة الرابعة الابتدائي. وانتقلت الأسرة إلي بنها بعد حصول روفائيل علي فرصة عمل أفضل. ولكن تعطل نظير عن الالتحاق بالمدرسة لمدة سنتين بسبب عدم وجود شهادة ميلاد له. ثم التحق بالمدارس مرة ثانية وأنهي مرحلة التعليم الإعدادي في بنها. ثم انتقلت الأسرة إلي القاهرة حيث التحق نظير بالمدارس الثانوية. وسكنت الأسرة بالترعة البولاقية (شبرا مصر) بجوار كنيسة الأنبا أنطونيوس. ظل نظير جيد طوال مراحل دراسته متفوقاً، والأول باستمرار وعند ما كان بالسنة الأولي والثانية الثانوية التي تعادل الإعدادية الآن وعمره 16 عاماً كان يكتب الشعر ويتذوقه وقد أجاد عروضه وقوافيه وكل ما يختص به. وكان من الطبيعي أن يلتحق بعد ذلك بكلية الآداب لتبدأ مرحلة جديدة من حياته.. تنتهي بدخوله عالم الرهبنة وتدرجه إلي أن وصل لقمة الهرم الكنسي عندما أصبح البابا 113 في تاريخ الكنيسة منذ سنة 1971 .