نجاح إحدي الشركات المصرية مؤخرًا في ابتكار عقار جديد لعلاج فيروس (سي)، فتح ملف صناعة الدواء في مصر، خاصة بعد تراجع قيمة الواردات من المركبات الخام للصناعة، وارتفاع أسعار الأدوية المستوردة، وانتشار شائعات حول تداول أدوية مغشوشة أو منتهية الصلاحية في الأسواق. صناعة الأدوية، تُعد ثاني أكبر تجارة في العالم بعد تجارة السلاح، وانتاجها يحتاج عدة عوامل منها المواد الخام اللازمة، ورأس المال، والخبرة، والمواد البشرية المدربة، كما تعتمد في المقام الأول علي حسابات الربح، والخسارة، والجودة، والقدرة علي المنافسة. ويمر إنتاج أي عقار دوائي بمراحل متعددة، ومكلفة، ومعقدة، بداية من اكتشاف الشركة المنتجة للمادة الفعالة والتركيبة الكيميائية، مرورًا بمراحل إجراء الأبحاث والتجربة علي الحيوانات ثم علي متطوعين من البشر، وبين هذا وذاك يعكف العلماء علي إدخال تعديلات وتحسينات كثيرة تساعد علي زيادة فعالية التركيبة الكيميائية، وتقليل الآثار الجانبية لها إلي أقصي حد مُمكن وصولًا إلي مرحلة الإنتاج بعد الحصول علي موافقة واعتماد أكبر هيئتين مختصتين بصناعة الدواء في العالم، وهما إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، والوكالة الأوروبية لإجازة الدواء. وتعتمد مصانع الأدوية في مصر علي المواد الخام المستورده، خاصة من الصين، بفضل جودتها العالية، وبحسب الخبراء فإن أكثر من 75% من الأدوية المصرية يدخل في تركيبها مواد خام صينية، وتقوم مصر باستيراد بعض الأدوية الحيوية التي ليس لها بدائل في السوق المصرية ولا تقوم شركات الأدوية بإنتاجها، ومن بينها أدوية القلب، والسرطان، والربو، والحساسية، والسكر، والأنسولينات بمختلف أنواعها إضافة إلي ألبان الأطفال وأدوية الالتهاب الكبدي الوبائي فيروس (سي)، إضافة إلي استيراد بعض المستلزمات من الصين كالمستحضرات الصيدلية بأنواعها المختلفة ومنها الأقراص والكبسولات والحقن ومستحضرات التجميل، والمستلزمات والأجهزة الطبية، والكيماويات، والكواشف المعملية، والمواد الخام الأولية التي تبني عليها صناعة الدواء، ويبلغ حجم واردات مصر من الخامات الدوائية لأكثر من 250 مليون دولار. وتشير الأرقام إلي أن حجم صناعة وتجارة الدواء في مصر يصل ل36 مليار جنيه سنويًا، وعدد الشركات العاملة في مجال صناعة الدواء يبلغ 137 شركة، وعدد أصناف الدواء غير المتوفرة في الأسواق الدوائية المصرية يصل ل1471 مستحضراً دوائياً، وحجم خسائر قطاع الأعمال من هذه الصناعه يصل ل180 مليون جنيه سنويًا، ويصل حجم تصدير الشركات الدوائية في مصر لنصف مليار جنيه، ويصل حجم مديونيات وزارة الصحة لشركات قطاع الأعمال لمليار و250 مليون جنيه، وهناك مستحضرات دوائية تقل أسعارها عن 5 جنيهات، ويبلغ عددها نحو 1200 مستحضر دوائي، ويعمل بهذه الصناعة نحو نصف مليون عامل، ويبلغ حجم استثماراتها 45 مليار جنيه، ومع كل هذه الأرقام الصناعة تنهار تمامًا. الدكتور أحمد العزبي، رئيس غرفة صناعة الأدوية، يري أن هناك مشاكل أساسية في قطاع الأدوية تتمثل في عدم استقرار السياسات، وهذا ناتج عن تبعية القطاع لوزارة الصحة بينما نجد في مختلف دول العالم وجود هيئة مستقلة تتولي تحديد سياساته وإيجاد الحلول لمشاكلة، أيضاً نجد في مصر أن كل وزير يأتي تكون له رؤيته الخاصة، ويحتاج لفترة لدراسة مختلف الملفات، وفي الغالب يكون قطاع الأدوية ليس من ضمن أولوياته، لافتًا إلي أن الاستثمارات في صناعة الدواء تصل ل45 مليار جنيه، نصيب القطاع الخاص منها 30 ملياراً من خلال 128 مصنعًا، والباقي عبارة عن استثمارات حكومية. أضاف: يوجد جانب من الاستثمارات في قطاع الأدوية يأتي عن طريق صناديق الاستثمارات، موضحًا أن قطاع الأدوية من القطاعات الجاذبة للاستثمارات، خاصة أن معدل النمو في السنة يصل ل15% فضلًا عن القوة الشرائية المرتفعة، مشيرًا إلي وجود نقص في نحو 1200 صنف دواء في السوق بأسماء تجارية مختلفة، إضافة لوجود نحو 250 صنفًا ليس لها بدائل، كما أوضح أن حصة المصانع الأجنبية تبلغ 52% من الصناعة المحلية، وتستحوذ علي 82% من السوق، بينما يستحوذ الاستيراد علي 18%. من جانبه، يري الدكتور سمير بانوب، خبير تخطيط السياسة الصحية، وجود مشاكل كبيرة يعاني منها سوق الدواء في مصر، من بينها إغراق الأسواق بالصيادلة، حيث تمثل نسبة الصيادلة مقارنة بعدد السكان أعلي نسبة في العالم تصل إلي 1.6 في الألف مقارنة بالنسبة العالمية، والتي تصل إلي 0.7 من الألف، لافتا إلي أننا نستورد من الخارج 90% من المواد الأولية التي تستخدم في تصنيع الدواء، موضحاً أن منظومة الدواء في مصر تحتاج إلي إعادة نظر، مطالباً باستخدام التقييم الاقتصادي في قطاع الأدوية، لأن هذا القطاع من شأنه تمويل منظومة التأمين الصحي. أضاف، أن صناعة الدواء في مصر لا تتعدي التعليب والتوزيع وبعض المنتجات البسيطة حيث يوجد قصور في تطبيق الجودة والمعايير المُتفق عليها عالميًا في التصنيع والتسويق، فضلًا عن وضع حد للأدوية المصنعة تحت بئر السلم والمهربة، مشيرًا لضرورة إنشاء هيئة عليا للدواء والغذاء والموارد البشرية تتبع رئاسة الجمهورية، فهناك دول مثل الأردن تقوم بتصدير الدواء بواقع 4 أضعاف ما تقوم بتصديره مصر. الدكتور صبري الطويلة، رئيس لجنة تصنيع الدواء بنقابة الصيادلة، يؤكد أن إنقاذ الصناعة الدوائية الوطنية والمحافظة عليها يتطلب تضافر كل الجهود، ويقول: «نحن في نقابة الصيادلة نشجع الصناعة الوطنية، ونعمل علي إنقاذها، ومؤخراً قمنا بإنشاء هيئة أطلقنا عليها الهيئة البرلمانية للصيدلة مكونة من 13 صيدلانيًا وبعض النواب البرلمانيين المهتمين بقطاع الدواء لمناقشة أي قوانين تتعلق بالصناعة وتحتاج للتعديل»، مشيرًا إلي أن نقابة الصيادلة تعكف علي إنشاء مصنع لإنتاج ألبان الأطفال بتكلفة مليار جنيه، فضلاً عن وجود خطة لإنتاج اللقاحات الأكثر حساسية (التينافوس)، بالتعاون بين شركة (فاكسيرا)، وإحدي شركات الأدوية الإماراتية، كما تقوم شركة النصر بالتعاون مع إحدي الشركات الصينية لإنتاج ما يقرب من 35 صنفاً من الدواء برأس مال مليار ونصف المليار جنيه. من جهته، أكد الدكتور أحمد السواح، رئيس مجلس أمناء المركز المصري للحق في الدواء، ضرورة تعديل بعض التشريعات الخاصة لاستيراد المواد الخام، والمختصة بوجود تسعيرة للدواء المتداول في السوق حيث نلاحظ أن أحد أصناف الدواء يتوافر له نحو 20 مثيلًا بالسوق، وهذا الأمر غير موجود في أي دولة بالعالم, فيجب أن يكون للمنتج الدوائي الأصلي من 4 ل5 أمثال فقط، وطالب بضرورة العمل علي خفض أسعار الأدوية التي تنتجها الشركات الأجنبية في مصر، وتعديل أسعار الدواء المناسب للمريض واللحاق بركب التقنيات العالمية الحديثة حتي نستطيع التصدير والمنافسة. أما الدكتور تامر عصام، رئيس الإدارة المركزية للشئون الصيدلية بوزارة الصحة، فيؤكد أن المشكلة تتمثل في التخبط في القرارات وعدم وجود استراتيجية واضحة المعالم فيما يخص هذا القطاع المهم، إضافة إلي تعدد الجهات العاملة في مجال الدواء في مصر، وعدم الاتفاق علي رؤية واضحة، مطالباً بضرورة وضع استراتيجية جديدة واضحة فيما يخص نقاط الضعف والقوة وإيجاد حلول للمشاكل التي تعوق تقدم صناعة الدواء في مصر فضلاً عن تضافر كل الجهود والتنسيق بين مختلف المؤسسات والأجهزة المعنية بصناعة الدواء ووضع حلول مناسبة. وقال: «يجب وضع حد لقرارات تسعير الدواء من خلال إجراءات ودراسات ومشاورات بين مختلف الجهات والمؤسسات المعنية بصناعة الدواء والتي منها وزارة المالية والتخطيط والاستثمار وقطاع الأعمال، فضلاً عن النقابات والشركات لأن التنسيق مهم في اتخاذ قرار توافقي يضمن تنفيذه بما يعود بالنفع علي هذه الصناعة»، مشيرًا إلي ضرورة العمل علي وضع خطة لتشجيع إنتاج المواد الخام محلياً، وشكك عصام في معظم الأرقام التي يتم تداولها في السوق عن نقص أعداد كبيرة من الأدوية، قائلًا: «هذه الأرقام عبارة عن مصادر وبيانات مجهولة ولم تصدر عن وزارة الصحة أي بيانات أو إحصاءات عن أعداد الأدوية الناقصة، وسبب نقص بعض الأدوية يعود إلي استيراد المواد الخام من الخارج».