أفغانستان [email protected] ماذا لو أتيحت لك فرصة القيام برحلة الأحلام؟ أي بلد تختار زيارته؟ وأي أناس تود التعرف علي أسلوبهم في الحياة، وعلي بعض عاداتهم وتقاليدهم؟ أسئلة قد نراها سهلة، خاصة إذا كانت الفرصة المتاحة لا تحدد بلدا بعينه، ولا تضع سقفا لتكاليف، ولا لمدة الرحلة. هناك من سيختار إحدي دول الأمريكتين أو عدة دول متجاورة في القارة الأوروبية، وهناك من يحلم بزيارة بلد وأناس لم يسبق له معرفتهم، إلا من خلال ما قرأه في الصحف، وما رآه علي شاشة التليفزيون، خاصة في القارة الآسيوية بدءا باليابان والصين، مرورا علي تايلاند، وأندونيسيا، وماليزيا، وهونج كونج، وسنغافورة. وهناك - أيضا - من يحلم برحلة »سفاري« في كينيا أو غيرها في القارة الأفريقية، يتجول خلالها داخل الغابات وعلي بعد أمتار قليلة من أشرس الحيوانات المفترسة، وهو آمن علي نفسه وحياته داخل سيارة ومن حوله حراسة مسلحة ومدربة. ونفس الشيء يقال عن رحلات ال »سفاري« في غابات أمريكا الجنوبية خاصة في البرازيل حيث يتعرف علي نباتات لم يرها من قبل، وعلي مخلوقات غريبة، عجيبة، ونادرة تحلق في الجو، وتجري في البراري، وتزحف وتتلوي علي الأرض، وتعوم علي سطح الأنهار، وتغوص في أعماق البحار. وهناك أخيراً - وليس آخراً - من يريد التعرف علي أهله وناسه وجيرانه أولا، قبل أن يذهب لزيارة الآخرين. وما أكثر الدول الشقيقة التي يحلم بزيارتها، مثل: لبنان، وسوريا، والمغرب، وتونس، والإمارات، والبحرين.. وغيرها. إلي جانب هؤلاء وأولئك - ممن لم تتح أمامهم الفرصة من قبل للسفر خارج بلادهم - نجد آخرين سبق لهم السفر، وقاموا بزيارة عمل خاطفة للعديد من عواصم العالم، وعندما تعرض عليهم فرصة لرحلة طويلة، مجانية، فمن المؤكد أنهم سيختارون مدناً صغيرة، ساحرة، خططوا منذ زمن طويل للقيام بها مثل: الجزر المتناثرة في المحيطات، أو المصايف الشهيرة في ميامي، وجنوب فرنسا، وجنوب إيطاليا، واليونان، واسبانيا، أو مشاتي جبال الألب متعددة الجنسيات، وباقي المناطق التي تنعم بجو ربيعي، هربا من صيف بلادهم إلي أخري تستقبل نسمات شهور الربيع! مقدمة أراها مناسبة للحديث عن رحلات سياحية تختلف تماما عن تلك التي تحدثنا عنها. الاختلاف هائل بين هذه وتلك ليس فقط في صعوبتها، ومشقتها، وبدائية ظروفها المعيشية.. وإنما - الأهم - في خطورتها علي حرية وأرواح من يغامرون بالقيام بها! شركة سياحية سويسرية:(Babel Travel) »بابل« أعلنت عن البدء في تنظيم رحلات سياحية لزيارة »المناطق الأكثر خطورة في الكرة الأرضية«! لا علاقة بين هذه الرحلات وبين رحلات »سفاري« في الغابات الأفريقية أو الأمريكية حيث تتركز خطورتها في المرور - داخل سيارات مجهزة - علي الحيوانات المفترسة التي تتقافز بالقرب من السيارات ولا تشكل خطرا علي ركابها. أما رحلات شركة »بابل« فهي مقصورة علي زيارة أكثر الدول خطراً علي سكانها، فما بالنا مع زوارها، مثل: العراق، ودارفور، وأفغانستان، والأراضي الفلسطينية المحتلة، والصومال، وكوريا الشمالية.. وغيرها. وقبل أن تسخر - عزيزي القارئ - من هذه الرحلات الجنونية. ومن المشاركين فيها الأكثر جنونا منها، دعنا نتعرف علي آراء الذين نظموا هذه الرحلات والذين دفعوا الكثير جدا من أجل القيام بها. فتاة استرالية الجنسية - »برونين شاربل« 29 عاما - وصلت سويسرا منذ أيام ليس لممارسة رياضة التزحلق علي الجليد في أحد منتجعاتها الجبلية الشهيرة - »جشتاد«، »سان موريتز«، »فيربييه«، »فيلار« وغيرها. وإنما لتشارك في رحلة سياحية للتعرف علي ثلاث من المناطق الأكثر خطورة في العالم: العراق، وإيران، وأفغانستان (..). الرحلة ليست مجانية ولا حتي زهيدة بهدف تشجيع السياح علي المغامرة بأرواحهم. زيارة الصومال لمدة أسبوعين تتكلف 8500 فرنك سويسري. زيارة السودان ودارفور لمدة 22 يوما تتطلب 15 ألف فرنك. أما الرحلة متعددة الدول التي اختارتها السائحة الشابة الجميلة »برونين شاربل«. فقد كلفتها 33 ألف فرنك سويسري، وهو مبلغ كبير إذا عرفنا أن الفرنك الواحد يعادل 560 قرشا. والغريب أنها ليست رحلة ترفيهية، ولا استجمامية، ولا حتي علاجية بالنباتات الشيطانية والمواد السحرية.. وإنما هي رحلة مرهقة، خطيرة، وطويلة تستغرق 45 يوما.. وربما تزيد تبعاً لظروف وتوقيتات المواصلات بكل وسائلها وأنواعها البدائية منها والمعاصرة! السائحة الاسترالية »برونين شاربل« سعيدة للغاية بالرحلة الخطيرة التي ستقوم بها، والمختلفة تماما عن كل رحلاتها التقليدية السابقة. فهي لن تكتفي بالتعرف علي معالم المناطق التي تزورها لأول مرة، وإنما الأهم أنها ستقوم بأعمال تطوعية، إنسانية، لأناس أبرياء عاشوا - ويعيشون - أسوأ وأتعس ساعات، وأيام، وشهور، وسنوات، حياتهم. في تصريحات ل »كيفين بولارد« مؤسس الشركة السياحية (Babel Travel) هو استرالي الجنسية ويقيم في سويسرا إلي صحيفة »لو ماتان« السويسرية، قال فيها إن رحلات شركته مخصصة للذين يريدون التفاعل الإيجابي مع المآسي الإنسانية، وليس الاكتفاء بمشاهدتها والتقاط الصور التذكارية لبعض مظاهرها، مما يتطلب فيهم قدرات مالية عالية، ومستوي تعليمياً مرتفعاً، واستعداداً حقيقياً لخدمة المحتاجين. واعترف »كيفين بولارد« بأنه ليس مخترع ما يسمي ب »رحلات سياحية في مناطق خطيرة «فهناك شركات سياحية كثيرة سبقته في تنظيم رحلات للمغامرين بحياتهم إرضاء لهواياتهم. فمثلاً: هناك رحلات للرياضيين الذين يتسلقون قمم أعلي جبال أوروبا وآسيا، وأخري لهواة الإبحار والطواف حول العالم في مراكب شراعية قد لا تصمد في مواجهة العواصف والأعاصير المدمرة. ورحلات للذين لا يرعبهم الاقتراب من فوهات البراكين الخامدة، التي قد يفور الغليان - بلا سابق إنذار - في عمق أحدها، قاذفا حممه النارية في أي وقت. ورحلات رابعة يتلهف عليها هواة صيد الحيوانات الوحشية والأليفة - لا فرق - في البقية الضئيلة الباقية من غابات قارات الدنيا الخمس التي لم يحظر صيد حيواناتها وطيورها حتي الآن. هذه الرحلات، ومثيلاتها، تختلف عن رحلات »كيفين بولارد« التي تنفرد شركته بتنظيمها حالياً.. حتي إشعار آخر. كوارث الرحلات الأولي يسأل عنها ضحاياها لأخطاء وقعوا فيها، أو نتيجة لتقلبات الطبيعة المفاجئة. أما كوارث الرحلات الأخري فالمسئول الأول والأخير عنها هم البشر الذين شنوا الحروب، وأبادوا الشعوب، وخربوا البلاد، وحولوا جيرانهم - من الشعوب التي كانت حليفة وشقيقة - إلي أعداء. كوارث الأولي لا يملك الإنسان منعها أو التصدي لها ووقفها، أما جرائم الثانية فهم أناس فقدوا إنسانيتهم وعبئت قلوبهم بالشرور والأحقاد والأطماع وكراهية الآخرين. ومن الطبيعي أن نتساءل عن الهدف من وراء تنظيم رحلات إلي دولة خربة، الكل فيها يحمل سلاحاً إما للقتل أو للدفاع عن النفس.. أيهما أقرب؟! أظن أن الإجابة عن السؤال لن تختلف من واحد لآخر. فليس من المعقول ولا المقبول أن يطلب منك مائة ألف جنيه - علي الأقل - للسفر والإقامة في بلد هكذا دمره حكامه، ووسط شعب يتناقص عدده علي مدار الساعة: قتلاً، أو نسفاً، أو مرضاً، أو جوعاً، أو انتحاراً! حتي لو افترضنا وجود أناس علي استعداد ل »ركوب الصعب« لإشباع ميولهم الفضولية، فماذا يتوقعون مشاهدته ومعرفته أكثر مما شاهدوه علي شاشة التليفزيون، وقرأوه في الصحف والدوريات والكتب، عن هول ما حدث - ويحدث - في أفغانستان، أو دارفور، أو الصومال، أو العراق؟! لا شيء، ولا جديد، تحت الشمس.. كما يقولون، اللهم إلا إذا تصور البعض أن القتل، والنسف، ودوي التفجيرات، وتدفق الدماء.. من عجائب الدنيا الجديدة الواجب السفر إليها، والتعرف - بالصوت والصورة - علي إنجازاتها ونجاحاتها؟! ما قلته هنا.. يتعارض تماماً مع ما قاله صاحب شركة السياحة السويسرية Babel Travelترويجاً لرحلاته المنتظمة إلي الدول الأكثر خطورة في كرتنا الأرضية، فالرجل - »كيفين بولارد« يري الذهاب إلي تلك الدول يتيح الفرصة للسياح للتعرف، والتعامل، مع سكانها وجهاً لوجه. ليس هذا فقط.. بل يضيف »خبير السياحة المرعبة« قائلاً، متباهياً: إن برنامج الرحلة ليس مقصوراً علي التخاطب والتعامل مع المواطنين، وإنما يتضمن لقاءات مع الرئيس الصومالي. وربما أيضا مع أقرانه في الدولة المماثلة. يحدثهم فيها عن أحوال بلده وآلام وأحلام شعبه، كما يستمع إلي آراء السياح في أي شيء وكل شيء يخطر علي بالهم، من خلال ما شاهدوه وعايشوه قبل موعدهم مع رئيس البلاد. بعد - أو قبل - لقاء السياح المغامرين مع رؤساء، أو رؤساء حكومات، الدول المعنية، تعقد لقاءات أخري مع العديد من كبار المسئولين في هذه الدول تباعاً وطبقاً لبرنامج الزيارة في كل دولة. وبالطبع.. ليس في هذه اللقاءات الرسمية ما يغري السياح علي القيام بمغامرتهم المرعبة، وهو ما يوافقنا »كيفين بولارد« عليه، موضحا أن الإغراء الحقيقي للسياح هو إتاحة الفرصة أمامهم للعمل الخيري، التطوعي، لدعم ومساندة المواطنين البؤساء المحرومين من أي أمن أو أمان داخل أعشاشهم وأكواخهم، أو حتي خلف أبواب غرفهم. ويضاعف مؤسس الشركة المنظمة من كم إغراءاته مبشرًا سياحه، بأن كل واحد - أو واحدة - سيجد نفسه - أو نفسها - يسير علي هدي الممثل الأمريكي العالمي: »جورج كلوني «الذي قدم ويقدم الكثير جداً من أجل مساندة ضحايا الحرب المجنونة المشتعلة منذ سنوات في دارفور. وسبق أن قال الممثل الشهير إنه يجد سلامه مع نفسه في كل مرة يذهب فيها إلي مخيمات إيواء الفارين من دارفور، يحدثهم. يستمع لشكاواهم، ويعمل علي حل بعضها بما لديه من أموال واتصالات، وتعاون أهل الخير من أصدقائه ومعارفه والمعجبين بأفلامه وإبداعه. والدور الإنساني الذي يقوم به »جورج كلوني« ليس مقصوراً علي زياراته وجلساته الطويلة مع سكان مخيمات اللاجئين الهاربين من ديارهم في دارفور، وإنما يتسع ويمتد إلي ما بعد مغادرته البلاد، فلا يترك مناسبة إلا انتهزها للحديث عن مآسي أهل دارفور، ومطالبة الدول الكبري والأمم المتحدة بالضغط علي »أمراء الحرب« في دارفور لوقف جرائمهم ضد الشعوب كلها، وليس ضد شعب دارفور وحده. الراحة النفسية، والسعادة الذاتية، التي ينعم »جورج كلوني« بهما، يمكن بسهولة- كما يقول مبتكر رحلات الرعب السياحي - نقلهما إلي السياح الذين سيسيرون علي نهج وخطي الممثل العالمي. حقيقة أن إمكانيات »جورج كلوني« تفوق إمكانيات كل السياح - المادية، والأدبية، والإعلامية - لكن المهم، كما يضيف »كيفين بولارد « أن برنامج الرحلات يتركز علي العمل الخيري التطوعي في المدارس والمستشفيات وداخل مخيمات الفارين واللاجئين ليس فقط في دارفور، وإنما ينتشر ويمتد إلي مساندة أشباه الأموات في جبال ووديان أفغانستان، وفي طول العراق وعرضه.. شماله وجنوبه، وفي معسكرات قهر المعارضين الإيرانيين، وعائلات المسجونين المختفين تحت سابع أرض، وفي ساحات القتال الطائفي الرهيب بين جماعات التكفير من جانب، وبين قوات الجيش الصومالي من جانب آخر. مغامرون كثر صدقوا وعود منظم رحلات الرعب السياحي. البعض بدأ يحلم من الآن - وقبل السفر - بأن التاريخ الإنساني سيذكره جنباً الي جنب نجم السينما »جورج كلوني« وغيره من عظماء ورموز العمل الخيري التطوعي بالأمس، واليوم، وغداً. البعض الآخر كان أكثر واقعية، فتساءل عن الضمانات التي ستوفرها الشركة للسياح منذ ركوبهم طائرة المغادرة وحتي عودتهم بعد انتهاء الرحلة؟ أكدت مصادر الشركة أنها ستبذل كل ما في استطاعتها من أجل توفير الرعاية والعناية الكاملتين لسياحها. وشددت المصادر علي أهمية الترتيبات التي أقرتها الشركة لحماية السياح، من بينها: الشركة تتعامل مع المحترفين فقط، بمعني أن تحاط زيارات ولقاءات وانتقالات السياح بدعم أمني يوفره الوجود الدائم لعدد من رجال الأمن المسلحين المحترفين. في زيارة العراق - علي سبيل المثال سيتولي عملاء شركة الأمن الأمريكية الشهيرة (Blackwater) مسئولية حماية السياح، وهي نفس الشركة التي سبق ووفرت الحماية للرئيس الأمريكي السابق »جورج بوش« وللرئيس الأمريكي الحالي »باراك أوباما« خلال زيارتيهما للعراق. وعندما تساءل أحد السياح عن التأمينات والتعويضات التي توفرها الشركة لسياحها في حال تعرضهم للأذي بتعدد أنواعه ومصائبه، أجاب المصدر بأن الشركة تتحمل علاج جرحاها إذا أصيبوا في حوادث انفجارات. وإذا حدث ونجحت عصابة إرهابية أو إجرامية في خطف سائح - أو أكثر - فإن التأمين لا يغطي المبالغ الطائلة التي يمكن للإرهابيين المطالبة بها ك »فدية« مقابل الإفراج عن المحتجزين! ❊❊❊ ما رأي شركاتنا السياحية المصرية في هذه الفكرة؟ هل يمكن أن تفكر إحدي شركاتنا في الإعلان عن تنظيم رحلات سياحية إلي أكثر مناطق العالم خطورة؟! وإذا حدث.. هل ستلقي الدعوة قبولاً، ورواجاً، من هواة المغامرات والمفاجآت؟! لا أظن.