في زيارته الأخيرة للأمم المتحدة في نيويورك، صرح الرئيس الإيراني »أحمدي نجاد« زاعماً أن جمهورية إيران الإسلامية واحة الحريات، وأرض حقوق الإنسان! وتلقف صحفيو و مفكرو المهجر من الإيرانيين الذين غادروا بلادهم هرباً من القمع والردع والسجن والتعذيب مزاعم »نجاد« فأرسلوا له رسالة مفتوحة وطالبوه فيها بتأكيد تصريحاته بالموافقة علي عقد مؤتمر صحفي عالمي يجيب فيه علي أسئلة الصحفيين ومن بينهم ممثلو جماعة الصحفيين والمفكرين الإيرانيين في المهجر! جاء في رسالة التحدي: [السيد/ محمود أحمدي نجاد رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية. السلام عليكم. نحن جمع من المراسلين والصحفيين والمصورين الإيرانيين غادرنا البلاد بعد إغلاق صحفنا، والضغوط السياسية التي تعرضنا لها. ليس لنا أي جريدة في إيران لكن لدينا أسئلة لم نجد لها أجوبة في أي من لقاءاتكم الصحفية مع وسائل الإعلام الغربية. إن الصحفيين في داخل البلاد إما يمكثون في السجون أو أجبروا علي اختيار الصمت بعد تهديدات وإنذارات الأجهزة الأمنية في فضاء غير آمن للإعلام]. وتنتقل الرسالة المفتوحة لتخاطب الرئيس نجاد مباشرة، قائلة: [ بعد الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل، كانت لكم عدة مؤتمرات صحفية حضرت معظمها وسائل إعلام مناصرة للحكومة، وغاب عنها الصحفيون المنتقدون للسلطة. آخر هذه اللقاءات تم في نيويورك مع وسائل الإعلام الغربية، وأكدت فيها علي »وجود حرية التعبير في إيران، وأن كل مواطن بإمكانه أن يطرح رأيه و فكره ومعتقداته بكل حرية. وهو ما دفعنا اليوم نحن الذين نشكل قسماً من ضحايا محدودية حرية التعبير في إيران، وهاجرنا إلي خارج البلاد لتحرير هذه الرسالة المفتوحة نطالبك فيها احتراماً لما قلتموه بإتاحة الفرصة أمامنا لنطرح أسئلتنا عليكم في أي مكان خارج إيران .. طبعاً]. ولأن جماعة الصحفيين والمفكرين كانوا لا يتوقعون رداً إيجابياً من »راعي الحريات وحامي الحقوق«، فقد اختتموا رسالتهم المفتوحة محذرين: [ نحن صحفيون حرمنا من العيش داخل وطننا. وقد اتهمتنا كذباً بأن هجرتنا بلا سبب ولا مبرر لها. وأنتم أول من تعرفون كذب هذه المقولة. ولا يوجد عاقل واحد يصدق أن هذا الكم الهائل من الصحفيين يترك بلده وأهله وعمله ويهاجر إلي بلد آخر دون أي مبرر(..). نحن لا نطلب سوي فرصة للمشاركة في مؤتمر صحفي عالمي تدعون إليه والسماح لنا بإلقاء أسئلتنا عليكم تحت سمع وبصر الدنيا كلها. إن ردكم السلبي علي الرسالة هذه، أو تجاهلكم لها ولأصحابها، سوف يثير تساؤلات لدي الرأي العام العالمي حول رئيس إيراني يتهرب من الرد علي صحفيين إيرانيين، كما يزيد من الشكوك حول مصداقية هذا الرئيس الذي يتباهي بحرية التعبير في البلاد التي رأسها في انتخابات مزورة]. الرسالة لم تكن من »مجهول«. بل علي العكس كانت موقعة من عشرات الصحفيين والمفكرين الإيرانيين الذين هربوا بأرواحهم خوفاً عليها من زبانية الحرس الثوري الذي يتفاخر »نجاد« بأنه نشأ وترعرع بين صفوفه! وبالطبع.. لم يعر »بطل الحريات وراعي الحقوٍق« نجاد أحمدي الرسالة الموجهة إليه أدني التفات أو اهتمام. كأنها لم تُكتب وبالتالي فهي لم تصل. وهذا التجاهل المتوقع لم يصدم عشرات الصحفيين الإيرانيين الذين وقعوا علي الرسالة، كما لم يزد أو يقلل من كراهية ملايين الإيرانيين داخل وخارج إيران لهذا الديكتاتور الذي يحكم الشعب بالحديد، والنار، والسوط، والرجم، والذبح، وقطع الرقاب قبل بتر الأيدي والأرجل.. وكله كما يزعم بأحكام التعاليم الخومينية (..). النتيجة الإيجابية بالنسبة لي شخصياً: أنني تعرفت علي مواقع جديدة للمعارضة الإيرانية، أهمها موقع: »النداء الأخضر للحرية« The Green Voice of Freedom الذي تبثه، بعدة لغات أولها: الفارسية، جماعة الصحفيين والمفكرين الإيرانيين المقيمين في الخارج، ويتيح لنا التعرف علي الصورة الأخري، و الرأي الآخر، لما يجري داخل جمهورية أحمدي نجاد الديكتاتورية. أهمية هذا الموقع يوفرها جهد عشرات الصحفيين الإيرانيين، وعشرات غيرهم من الكتاب المحسوبين علي المعارضة السياسية .. وجميعهم يتضامنون ويجتهدون في توفير خدمة إخبارية صادقة عن »إيران والإيرانيين« تختلف من ألفها إلي يائها عن الخدمة الإخبارية المزورة التي تبثها الأجهزة الإيرانية الرسمية. زيارة الرئيس الإيراني لبيروت وجدت اهتماماً من جماعة الصحفيين في المهجر: قبل الزيارة، وخلالها، و بعدها. وتبلور هذا الاهتمام الكبير في »بيان وقعه كثيرون من المثقفين والنخب الإيرانية«، وبثوه تحت عنوان: » سياسات نجاد أخطر من أي وقت مضي«. .. وللحديث بقية. إبراهيم سعده [email protected]