المتابع لما تنشره، وتذيعه، وتعرضه، أجهزة الإعلام الأجنبية، عن مصر خاصة في إسرائيل وإيران يلاحظ أن مصادرها الوحيدة لما يجري في بلادنا، تكاد أن تكون مقصورة علي ما تنشره صحفنا المصرية المعارضة، أو المستقلة. فالبلدان: إسرائيل وإيران قد يختلفان في أشياء، لكنهما يتفقان علي عدم تصديقهما للإعلام القومي: مقروءاً، مسموعاً، و مرئياً! ولست هنا مهاجماً لهذا الموقف ال »إيرانوإسرائيل«، احتراماً من جانبي لحق الجميع حتي لو كان الصهاينة والملالي من بينهم في اختيار ما يرضيهم ويعجبهم. وهو نفس الحق الذي أعطيه لنفسي عندما أحرص علي متابعة ما يقوله، ويكتبه، المعارضون والمستقلون في إسرائيل وإيران عن بلادهم وحكوماتهم. مناسبة هذا التوضيح يرجع إلي الزوبعة التي أثار ضجيجها، وغبارها، الرئيس الإيراني: »أحمدي نجاد« خلال زيارته الأخيرة للبنان. أجهزة الإعلام الإيرانية الحكومية، والمؤيدة هللت للزيارة، و وصفتها بأنها: تاريخية، و عظيمة، ومناسبة سعيدة أتاحت الفرصة أمام عشرات الملايين العرب للتعبير عن محبتهم، وانبهارهم، و تعظيمهم، للقائد الوحيد في المنطقة الذي وعد بمحو اسم: »إسرائيل« من فوق خريطة المنطقة. والصورة اختلفت تماماً في تغطية أجهزة الإعلام الإيرانية المعارضة لتلك الزيارة. الاختلاف الكامل، الشامل، والدائم بين هؤلاء وأولئك يثير الدهشة، ويزيد حيرة البعض عند تحديد:أيهما الصادق الأمين؟ وأيهما الكاذب الأشر ؟! اكتفيت مما سمعته، وقرأته، لأبواق النظام الإيراني في تغطيتها لحظة بلحظة لزيارة رئيسهم: »نجاد أحمدي« أو »أحمدي نجاد« لبيروت، وانتقلت للتعرف علي بعض ما جاء في تغطية الإعلام الإيراني لتلك الزيارة، مستخدماً حقي في قراءة ما يعجبني من آراء ومقالات معارضي نظام طهران من الكتاب والمفكرين الإيرانيين. من بين هؤلاء.. تشكلت مجموعة كبيرة من أبرز، وأشهر، الصحفيين الإيرانيين الذين أجبروا علي مغادرة بلادهم علي خلفية فضيحة الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي زُوّرت فيها النتيجة ليفوز بها »أحمدي نجاد« زوراً، وتلفيقاً، و بجاحة منقطعة النظير. الصحفيون، المفكرون، الشجعان.. رفضوا هذه الفضيحة، ولعنوها بألسنتهم وأقلامهم، فسارع الزبانية إلي إغلاق عدد كبير من الصحف، وحبس وتعذيب الكثير من الصحفيين وأقاربهم وجيرانهم، في حين تمكن آخرون من مغادرة البلاد، وواصلوا من الخارج معارضتهم للنظام، ورئيسه »مزوّر« الانتخابات الأخيرة. المعارضة الإيرانية، في الخارج، وثيقة الصلة بزميلتها في الداخل. الاختلاف الواضح بينهما أن المعارض »المهاجر« يحظي حتي الآن بالأمن والبعد عن اليد الطويلة لعملاء الحرس الثوري، في حين أن المعارض »المقيم« في إيران لا يطمئن علي حريته، ولا حتي حياته.. في أي وقت، و في كل وقت. ويبدو أن الاتفاق بين هؤلاء وأولئك أوصلهم إلي توزيع الأدوار بينهما. صحفيو الداخل يستمرون في عملهم بحثاً عن الأخبار الممنوعة، ونزع الستار عن فضائح النظام الحاكم، ورصد الحقائق رداً علي الأكاذيب، وبث هذا كله أولاً بأول إلي الزملاء في الخارج الذين يقومون بترتيبها ونشرها، وإذاعتها، وعرضها، تباعاً. والباحث عن التفاصيل.. سيجد كما وجدت مقالات مكتوبة، وأحاديث مسموعة، و»فيديوهات« مرئية، تتضمن فيضاً لا يتوقف مما يقال ويكتشف داخل إيران: سراً، ويحظر الجهر به علناً. والأمثلة علي ذلك كثيرة، منها: مجموعة صحفيي ومفكري المهجر لم ينس واحد منهم بلاده. فهم جميعاً يحنون إليها، ويأملون في العودة إليها ليس من أجل الأهل والأصحاب فقط، وإنما الأهم للقيام بواجبهم في إبلاغ النظام الديكتاتوري الحاكم بما يريده الشعب منه، وليس لإعلام الشعب بما ينتظره زبانية النظام منه! في زيارته الأخيرة لمقر الأممالمتحدة في نيويورك.. تقمص الرئيس الإيراني شخصية »الواعظ الديمقراطي الذي لا يجاريه فيها أعتي رموز الديمقراطية علي مدار الكرة الأرضية«. سمعناه يتباهي أمام الكاميرات والميكروفونات بأنه » جعل من الجمهورية الإيرانية الإسلامية واحة الحريات وأرض حقوق الإنسان«! وعن احترامه الشخصي لمبدأ: »الرأي والرأي الآخر« قال نجاد إنه : »يحرص دائماً علي مواجهة خصوم الرأي.. بالرأي المضاد، وليس بالقمع والردع والتعذيب.. كما يزعم خصومه«.. ولولا بعض الخجل لأضاف هاتفاً، متغنياً:»أنا الديمقراطي.. و الديمقراطي أنا«! صحفيو المهجر ذهلوا من أكاذيب »نجاد« في مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكان ردهم عليها وعليه، أنهم أرسلوا له رسالة مفتوحة نشرت في صحف، وتليت عبر الأثير، و عرضت مقتطفات منها علي شاشة قنوات كُثر اتهموه فيها بأنه »يقول ما لا يفعل«. ولو كان شجاعاً كما يزعم فعليه أن يوافق علي عقد »مؤتمر صحفي عالمي« يسمح لهم بحضوره ليسمعوا إجاباته علي أسئلتهم«. الاقتراح مثير. والتحدي أكثر إثارة. و للحديث بقية..