مرت خمس سنوات علي الجريمة البشعة التي راح ضحيتها رفيق الحريري: رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، ولم يكشف الستار حتي الآن عن الذين خططوا لهذه الجريمة، والذين مولوها، والذين نفذوها! ولعل هذا هو السبب وراء اختيار تلك الجريمة ضمن قائمة المغدورين الذين تم اغتيالهم خلال العقود العديدة الماضية وقام كاتبان صحفيان فرنسيان بالكتابة عنهم في كتابهما المبهر الذي صدر مؤخراً تحت عنوان لافت يتساءل:» هل ماتوا هباء؟!«. هناك شخصيات عربية ضمن قائمة المغدورين مثل الرئيس المصري أنور السادات، والرئيس اللبناني »بشير الجميل«،والمناضل الجزائري »محمد بوضياف«، ورئيس الوزراء اللبناني»رفيق الحريري«.. وهو ما سأبدأ بتلخيص مأساته كما رواها مؤلفا الكتاب. ولد »رفيق« في عام1944في الجنوب اللبناني، حيث نشأ، وتعلم، وتخرج معلماً لمادة الرياضة. وهاجر في عام 1966 إلي السعودية حيث قام بالتدريس لفترة قصيرة في إحدي مدارسها، وأتيحت له الفرصة لإعطاء دروس خاصة في مادته لأحد أولاد الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز. من التدريس انتقل »رفيق الحريري« ليصبح »مقاولاً«، بعد أن تقدم بتصوره لإنشاء قصر ملكي جديد في مدينة الطائف، ولقي هذا التصور إعجاباً من الملك فهد الذي كلفه بإنشائه، وهو ما حققه »رفيق« بمشاركة إحدي شركات المقاولات الفرنسية الكبري خلال ستة شهور فقط. وتفتحت أبواب عشرات المشروعات أمام »المقاول الشاب« رفيق الحريري، الذي حظي بالنجاح، والشهرة، والثقة في شخصه، وفي قدراته. وعندما قرر »رفيق« العودة إلي وطنه الأم، كان يملك ثروة مالية هائلة لا تدانيها أي ثروة أخري في لبنان. الثراء الهائل لم يُنس »رفيق« ماضيه كشاب ينتمي إلي أسرة متواضعة، وأنه اعتمد علي نفسه في الوصول إلي ما وصل إليه. وكان أول ما فكّر »رفيق« فيه بعد عودته، أن يرد الجميل لبلده وللشعب الذي ينتمي إليه. وأفضل أسلوب لتحقيق ذلك من وجهة نظره كان منح »الفرصة« لأكبر عدد ممكن من الشباب اللبناني للنهل من التعليم الجامعي، والفوز بمنح لمواصلة الدراسات العليا في أرقي جامعات أوروبا والولايات المتحدة، خاصة في التخصصات التي يحتاجها الاقتصاد اللبناني لتنميته وتقويته. وسرعان ما تحوّلت الفكرة إلي مؤسسة ضخمة تواصل تقديم خدماتها، ومساعداتها، ومنحها، للشباب اللبناني والأخذ بأيديهم حتي الانتهاء من دراساتهم وتخصصاتهم مع توفير فرص العمل لهم في مشروعات وشركات رفيق الحريري داخل لبنان، وخارجه. ما قدمته هذه الفكرة الجميلة للبنان وشباب لبنان، أكسب صاحبها شعبية كاسحة في طول البلاد وعرضها، شمالها وجنوبها. أصبح اسم: »رفيق الحريري« علي كل لسان، باعتباره الرجل الذي عاد إلي لبنان ليضع فكره، وخبراته، وأمواله، في خدمة الاقتصاد وتنفيذ مشروعات البنية التحتية التي يحتاجها لبنان الجديد بعد طول صراعات، وتهديدات، وتدخلات ، وحروب أهلية يعتمد بعض أطرافها علي الدعم والسلاح من خارج الحدود! ما بناه »رفيق الحريري« خلال العشرين عاماً من حياته شبهه الكتاب الفرنسي ب»الامبراطورية« المعمارية، بدءاً بالقصر الأميري في »الطائف«، مروراً علي قلاع شيدها في باريس و شيكاغو وغيرهما من عواصم ومدن العالم. كما أطلق الكتاب علي »رفيق« الوصف الشهير القائل »إن كل ما يلمسه رفيق الحريري من تراب وأحجار يتحوّل إلي ذهب«. سنوات طويلة، أعقبت عودته، تفرغ »رفيق« لعمله، ومشروعاته الاقتصادية، ومؤسساته الخيرية. كان »رفيق« مقبلاً علي الحياة. تسعده الابتسامة علي وجوه من يقابلهم أو يمر عليهم. لا يطيق أن يري حزيناً إلاّ كان اول الواقفين إلي جانبه: مخففاً من حزنه، ومبادراً بحل أزمته إن كان في استطاعته. كان يشارك أصحابه، ومعارفه، وجيرانه، في أفراحهم وأحزانهم. حتي الذين لا يعرفهم شخصياً كان يلبي دعوتهم لزيارتهم وإسعادهم بحضوره. الشيء الوحيد الذي صمم علي رفضه خلال سنوات من عودته هو احتراف السياسة! كثيرون وجدوا فيه السياسي الذي يحتاجه لبنان، لكنه كان يصر دائماً علي الاعتذار لهم متمسكاً في الوقت نفسه بعزوفه عن أن يصبح واحداً ضمن جوقة محترفي السياسة في لبنان! .. وأواصل غداً. إبراهيم سعده [email protected]