حريق يلتهم 4 أفدنة قمح في قرية بأسيوط    متحدث الصحة عن تسبب لقاح أسترازينيكا بتجلط الدم: الفائدة تفوق بكثير جدًا الأعراض    بمشاركة 28 شركة.. أول ملتقى توظيفي لخريجي جامعات جنوب الصعيد - صور    برلماني: مطالبة وزير خارجية سريلانكا بدعم مصر لاستقدام الأئمة لبلاده نجاح كبير    التحول الرقمي ب «النقابات المهنية».. خطوات جادة نحو مستقبل أفضل    ضياء رشوان: وكالة بلومبرج أقرّت بوجود خطأ بشأن تقرير عن مصر    سعر الذهب اليوم بالمملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الأربعاء 1 مايو 2024    600 جنيه تراجعًا في سعر طن حديد عز والاستثماري.. سعر المعدن الثقيل والأسمنت اليوم    تراجع أسعار الدواجن 25% والبيض 20%.. اتحاد المنتجين يكشف التفاصيل (فيديو)    خريطة المشروعات والاستثمارات بين مصر وبيلاروسيا (فيديو)    بعد افتتاح الرئيس.. كيف سيحقق مركز البيانات والحوسبة طفرة في مجال التكنولوجيا؟    أسعار النفط تتراجع عند التسوية بعد بيانات التضخم والتصنيع المخيبة للآمال    رئيس خطة النواب: نصف حصيلة الإيرادات السنوية من برنامج الطروحات سيتم توجيهها لخفض الدين    اتصال هام.. الخارجية الأمريكية تكشف هدف زيارة بليكن للمنطقة    عمرو خليل: فلسطين في كل مكان وإسرائيل في قفص الاتهام بالعدل الدولية    لاتفيا تخطط لتزويد أوكرانيا بمدافع مضادة للطائرات والمسيّرات    خبير استراتيجي: نتنياهو مستعد لخسارة أمريكا بشرط ألا تقام دولة فلسطينية    نميرة نجم: أي أمر سيخرج من المحكمة الجنائية الدولية سيشوه صورة إسرائيل    جونسون: الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين داخل الجامعات الأمريكية نتاج للفراغ    قوات الاحتلال تعتقل شابًا فلسطينيًا من مخيم الفارعة جنوب طوباس    استطلاع للرأي: 58% من الإسرائيليين يرغبون في استقالة نتنياهو فورًا.. وتقديم موعد الانتخابات    ريال مدريد وبايرن ميونخ.. صراع مثير ينتهي بالتعادل في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    معاقبة أتليتيكو مدريد بعد هتافات عنصرية ضد وليامز    موعد مباراة الأهلي والإسماعيلي اليوم في الدوري والقنوات الناقلة    عمرو أنور: الأهلي محظوظ بوجود الشناوي وشوبير.. ومبارياته المقبلة «صعبة»    موعد مباريات اليوم الأربعاء 1 مايو 2024| إنفوجراف    ملف رياضة مصراوي.. قائمة الأهلي.. نقل مباراة الزمالك.. تفاصيل إصابة الشناوي    كولر ينشر 7 صور له في ملعب الأهلي ويعلق: "التتش الاسطوري"    نقطة واحدة على الصعود.. إيبسويتش تاون يتغلب على كوفنتري سيتي في «تشامبيونشيب»    «ليس فقط شم النسيم».. 13 يوم إجازة رسمية مدفوعة الأجر للموظفين في شهر مايو (تفاصيل)    بيان مهم بشأن الطقس اليوم والأرصاد تُحذر : انخفاض درجات الحرارة ليلا    وصول عدد الباعة على تطبيق التيك توك إلى 15 مليون    إزالة 45 حالة إشغال طريق ب«شبين الكوم» في حملة ليلية مكبرة    كانوا جاهزين للحصاد.. حريق يلتهم 4 أفدنة من القمح أسيوط    دينا الشربيني تكشف عن ارتباطها بشخص خارج الوسط الفني    استعد لإجازة شم النسيم 2024: اكتشف أطباقنا المميزة واستمتع بأجواء الاحتفال    لماذا لا يوجد ذكر لأي نبي في مقابر ومعابد الفراعنة؟ زاهي حواس يكشف السر (فيديو)    «قطعت النفس خالص».. نجوى فؤاد تكشف تفاصيل أزمتها الصحية الأخيرة (فيديو)    الجزائر والعراق يحصدان جوائز المسابقة العربية بالإسكندرية للفيلم القصير    حدث بالفن| انفصال ندى الكامل عن زوجها ورانيا فريد شوقي تحيي ذكرى وفاة والدتها وعزاء عصام الشماع    مترو بومين يعرب عن سعادته بالتواجد في مصر: "لا أصدق أن هذا يحدث الآن"    حظك اليوم برج القوس الأربعاء 1-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. تخلص من الملل    هل حرّم النبي لعب الطاولة؟ أزهري يفسر حديث «النرد» الشهير (فيديو)    هل المشي على قشر الثوم يجلب الفقر؟ أمين الفتوى: «هذا الأمر يجب الابتعاد عنه» (فيديو)    ما حكم الكسب من بيع وسائل التدخين؟.. أستاذ أزهرى يجيب    هل يوجد نص قرآني يحرم التدخين؟.. أستاذ بجامعة الأزهر يجيب    «الأعلى للطرق الصوفية»: نحتفظ بحقنا في الرد على كل من أساء إلى السيد البدوي بالقانون    إصابات بالعمى والشلل.. استشاري مناعة يطالب بوقف لقاح أسترازينيكا المضاد ل«كورونا» (فيديو)    طرق للتخلص من الوزن الزائد بدون ممارسة الرياضة.. ابعد عن التوتر    البنك المركزي: تحسن العجز في الأصول الأجنبية بمعدل 17.8 مليار دولار    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    "تحيا مصر" يكشف تفاصيل إطلاق القافلة الإغاثية الخامسة لدعم قطاع غزة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط.. صور    أفضل أماكن للخروج فى شم النسيم 2024 في الجيزة    اجتماعات مكثفة لوفد شركات السياحة بالسعودية استعدادًا لموسم الحج (تفاصيل)    مصدر أمني ينفي ما تداوله الإخوان حول انتهاكات بسجن القناطر    رئيس تجارية الإسماعيلية يستعرض خدمات التأمين الصحي الشامل لاستفادة التجار    الأمين العام المساعد ب"المهندسين": مزاولة المهنة بنقابات "الإسكندرية" و"البحيرة" و"مطروح" لها دور فعّال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روبرت فيسك يتساءل: متى سيتم الوصول إلى قتلة الحريرى؟

نشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية أمس الأحد، مقالاً للكاتب الكبير روبرت فيسك المعنى بقضايا الشرق الأوسط، يتناول فيه الموقف من قضية اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريرى، متسائلاً متى سيتم الوصول إلى قتلة الحريرى؟
يبدأ فيسك مقاله قائلاً: دوت قنبلة وزنها 1.700 كيلو جرام وسط بيروت عام 2005 لتحصد بانفجارها روح رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريرى. ومن المقرر أن تصدر محكمة لاهاى حكماً بشأن القتلة المزعومين مع مطلع العام الجديد. ولكن يبقى هنا السؤال: هل من الممكن أن يُسمح بإجراء محاكمة تتضمن أسراراً خطيرة وتداعيات أخطر يمكن أن تهز أوساط الشرق الأوسط بأكملها؟.
أين الحقيقة؟
بالقرب من خط مواجهة الحرب الأهلية القديم فى قلب بيروت، توجد ساعة رقمية عملاقة تقف بشموخ لتعلن عن مرور 1.500 يوم على حادث اغتيال الحريرى. ولا تزال تشغل الأصداء اللبنانية ذكرى الحادث الأليم، حيث يطمح اللبنانيون فى أن تظهر "الحقيقة" قريباً.
ومع دقات هذه الساعة الضخمة، يتلاشى ببطء أملهم فى التوصل إلى معرفة الحقيقة حول مقتل الملياردير ورئيس الوزراء السابق أو معرفة من قام باغتياله بصحبة 21 آخرين فى 14 فبراير 2005. وقد قامت الأمم المتحدة بتحقيقات واسعة النطاق لحل ألغازه بالاشتراك مع ضباط شرطة أيرلنديين، وقضاة من ألمانيا وبلجيكا وكندا، وتم تحديد مكان المحاكمة بالفعل فى لاهاى، إلا أنه لم يُدان أحد بتهمة اغتيال الحريرى.
ويحتجز فى سجن فى مدينة رومية شمال بيروت، 4 أشخاص يشتبه فى ضلوعهم فى ارتكاب هذه الجريمة. والجدير بالذكر أن هؤلاء الأربعة المحتجزين قد كانوا ضباطاً كبار فى جهاز الأمن اللبنانى، وكان ولاؤهم الأول لدمشق بدلاً من بيروت. وفى أعقاب حادث الاغتيال، توجهت أصابع الاتهام بقيادة الرئيس الفرنسى السابق جاك شيراك والزعيم اللبنانى الدرزى وليد جنبلاط، إلى تورط سوريا المؤكد فى هذا الحادث. فمن غير سوريا يستطيع تخطيط هذه العملية الضخمة وتنفيذها فى أكثر المناطق تأميناً فى العاصمة اللبنانية؟. ألم يعرب الرئيس السورى بشار الأسد عن ازدرائه الكبير للحريرى؟. وكذلك ألم تكن سلسلة الاغتيالات التالية لموت الحريرى تهدف إلى قتل المعارضين السياسيين لسوريا؟.
مهمة فى انتظار أوباما
تنتظر الرئيس الأمريكى المنتخب، باراك أوباما، مهمة لبدء "الحوار" مع سوريا عند تسلمه مقاليد الحكم فى 20 يناير القادم. وبما أن الولايات المتحدة تحتاج بشدة لمساعدة سوريا فى منع المسلحين من مهاجمة القوات الأمريكية فى العراق، ليس من الصعب تصور شكل "الحوار" بين الدولتين. نعم، يحتاج الأمريكيون مساعدة سوريا، ونعم، ستتفهم دمشق ضرورة وجود نهج أقل حدة تستخدمه الإدارة الأمريكية فى العالم العربى. ونعم، سيتمنى الأمريكيون أن تقطع سوريا علاقاتها بكل من إيران وحماس. ولكن على الرغم من ذلك، قبل بدء هذا الحوار، سيتوجب على الطرفين مناقشة قضية الحريرى العالقة.
والحقيقة هى أن الحريرى كان دائماً شوكة فى عنق سوريا، ولكنه بقى صديقاً للنظام السورى، فقد بنى قصر الرئاسة فى دمشق كهدية منه، وأيضا كان من مواطنى المملكة العربية السعودية، ولطالما أبدت سوريا احتراماً شديداً له. إلا أن السوريين طالما شكوا من أن الحريرى يريد استعادة سيادة لبنان الكاملة ويحررها من سيطرة دمشق. ولخوفها من النظام السياسى الموالى لإسرائيل فى بيروت، والذى أسفر فى النهاية عن غزو إسرائيل للبنان عام 1982، تنفست سوريا الصعداء عندما تولى حلفاؤها مقاليد السلطة فى لبنان. وهكذا استطاعت سوريا أن تحصل على أصدقاء بدلاً من أعداء فى البرلمان اللبنانى، وبالتالى تأكدت من أن الرئيس اللبنانى سيظهر دائماً وأبداً الولاء لدمشق. ومن هنا برزت خطورة موقف الحريرى.
لم يتوقع بشار الأسد أن الأمم المتحدة ستكلف لجنة بالتحقيق فى جريمة اغتيال الحريرى، ولكنه صدق هذا عندما طار الرئيس المصرى حسنى مبارك إلى سوريا لتحذيره من أنه بالفعل فى مأزق عسير. وقد قاد فريق الأمم المتحدة الأول، نائب المفوض الأيرلندى، بيتر فيتزجيرالد، الذى اكتشف أن حطام موكب الحريرى المؤلف من ست سيارات قد تمت إزالته من مسرح الجريمة فى منتصف ليلة يوم الحادث، واكتشف كذلك أن هناك مواد ليست لها صلة بالتفجير، ولكنها وضعت فى مكان الحادث. وكان الرجل المسئول عن هذه العملية هو الجنرال على الحاج، الذى كان حينها مدير إدارة قوات الأمن الداخلى اللبنانية (تحت السيطرة السورية آنذاك)، وهو واحد من الأربعة المسجونين فى رومية منتظرين النظر فى أمرهم أمام المحكمة، وهذا إن كان هناك محكمة.
وعمل الحاج لدى الحريرى من قبل، حيث كان حارسه الشخصى، ولكن الحريرى قد أزاحه عن حاشيته عندما نمى إلى علمه أنه يعمل لصالح الاستخبارات السورية أيضا. وفى الواقع، بلغت بالحاج الجرأة ليذهب إلى قصر الحريرى بعد مقتله لأداء واجب العزاء، وقامت حينها إحدى أقرباء الحريرى بطرده من القصر، قائلة "هذا ليس مكانك يا كلب".
ونعود إلى سجن مدينة رومية، حيث يوجد هناك أيضا الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية اللبنانية، الجنرال ريمون عازار، والعميد مصطفى حمدان (قائد لواء الحرس الرئاسى)، وجميل سيد. ولقد تلقيت مثلاً قاسياً على أين تكمن القوة فى بيروت عندما لجأت إلى الحريرى قبل سنوات من اغتياله لأطلب منه فك حظر نشر كتابى الذى يناقش الحرب الأهلية اللبنانية. حينها قال لى الحريرى، إنه ليس الوقت المناسب للإساءة إلى سوريا. ولكن الغريب وما يدعو للمفارقة، شأن العديد من المفارقات التى تقع فى بيروت، أنه تم رفع الحظر مباشرة، عقب مرور ثمانية أعوام من رفض الرقابة له، بعد مكالمة هاتفية لم يتعدَ وقتها الدقيقة الواحدة إلى جميل سيد، وهو المدير العام لقسم الأمن العام فى وزارة الداخلية اللبنانية، فهو رجل لا يستطيع أن يتجادل معه أحد.
وأيضا لم يكن الحريرى رجلاً يستطيع أحد أن يتجادل معه، فعلى الرغم من كونه رجل خير شديد الثراء، قام بمساعدة آلاف الطلاب اللبنانيين بالالتحاق بالجامعة، إلا أنه كان رجل أعمال لا يعرف الرحمة فيما يتعلق بالعمل. وقام الحريرى بتشييد العديد من المستشفيات، كما حاول إعادة إعمار بيروت فى غضون الحرب الأهلية والتى استغرقت 15 عاماً من 1975 وحتى عام 1990، ثم حاول إعادة إعمارها مرة أخرى بعد ذلك. ومع تصاعد قوته وشعبيته، زادت مخاوف المصرفيين، وخصوصاً عندما شرع الحريرى فى شراء الكثير من الأميال المربعة للعقارات. ولقد سألت الحريرى عما إذا كان يؤمن بالله، فأجاب بالإيجاب (واعتقد أنه كان صادقاً)، ولكن عندما سألته كم من الأراضى اللبنانية قد اشتراها، أجاب بأنه لا يعلم (واعتقد أنه لم يكن صادقاً). وأثناء الحادث الذى راح ضحيته الحريرى، كان هناك رجل أعمال على خلاف شديد مع الحريرى، وقد أصيب فى هذا الحادث، ولكنه اعتقد فى بداية الأمر أن الحريرى هو الذى خطط لقتله بهذا الانفجار.
ولكن كيف تم إلقاء القنبلة؟ رأى فريق الأمم المتحدة الثانى فى لبنان أن القنبلة كانت على متن شاحنة مفخخة يقودها انتحارى. وبالفعل، عقب ساعات قليلة من الحادث، أعلن وزير الإعلام الموالى لسوريا، أنها كانت "مهمة استشهادية". وبالطبع اعتبر الوزير الحريرى "شهيداً"، أم لم يعتبره؟!
سلسلة من الاغتيالات
وقد تبع حادث اغتيال الحريرى، سلسلة أخرى من الاغتيالات المروعة راح ضحيتها العديد من الرجال، الذين عارضوا بشدة الوجود السورى فى لبنان، وكان منهم الكاتب البارز والصحفى سمير قصير، والذى انفجرت به سيارته خارج منزله ببيروت، وكان قد تلقى تهديداً عبر الهاتف من قبل جميل سيد حين كان الحريرى على قيد الحياة، وتبعه مقتل السياسيين جورج حاوى ووليد عيدو، واللذين لقيا نفس مصير قصير. وتستمر عمليات التفجيرات لتحصد أرواح المحرر الصحفى جبران توينى، والنائب بيير الجميل.
ومن جهة أخرى، نفت سوريا بشدة من جانبها تورطها فى الضلوع فى حوادث القتل المتتالية. وعندما سألت وزير خارجية سوريا فى ردهة فندق فى باريس، من قتل الحريرى، قام بإخراج كل الأموال التى كانت فى جيبه وقال، إذا كنت تستطيع إخبارى من قام بقتل الحريرى، يمكنك أخذ كل هذه الأموال!. وكان الصحفى الأمريكى سيمور هيرش، بصحبة الرئيس السورى بشار الأسد عندما تلقى نبأ وفاة الحريرى. وقال لى هيرش، إنه على الرغم من أن الأسد كان دائم الانتقاد للحريرى، ولطالما اعتبره رجلاً فاسداً، إلا أن الأخبار قد أثارت بالفعل دهشة الأسد. ومع هذا لم يعترِ القائد الدرزى جنبلاط أدنى شك فى أن سوريا هى التى تلام على حادث مقتل الحريرى، والواقع أن سوريا قد قامت باغتيال والد جنبلاط، كمال، لأنه رفض الاتحاد مع سوريا.
وكان جنبلاط فى منزله فى بيروت عندما وقع الانفجار، الذى أودى بحياة الحريرى فى قلب العاصمة بيروت. وقال لى جنبلاط، لقد عرفت حينها أنه الحريرى، فهذا الحادث كان سيستهدفنى أنا أو الحريرى، ولم أكن أنا. وقام جنبلاط بإجراء اتصال هاتفى بمنزل الحريرى، ليجد أن خبر مقتله صحيحاً، وعندما ذهب إلى المشرحة قال له رجل يعرفه، إن "الحريرى قد مات"، لذا قام بأخذ أحد أبناء الحريرى معه فى سيارته وقال له "الأخبار ليست جيدة".
وأسفرت هذه المذبحة عن إصدار مجلس الأمن الدولى قراراً يفيد بسحب القوات السورية، والتى تتألف من 14 ألف جندى من لبنان. وقد وطأت أقدام هذه القوات أرض بيروت أول مرة عندما وافق الرئيس الأمريكى حينئذ جيمى كارتر على إرسالها لوضع نهاية للحرب الأهلية هناك عام 1976، ولكنهم فشلوا فى مهمتهم وبقوا فى البلاد لمدة 29 عاماً للحفاظ على أمن البلاد، وعمل الحاج وسيد لصالحهم. وبعد مقتل الحريرى، تعثرت التحقيقات، التى كانت تقوم بها الأمم المتحدة، حيث استمرت فى إلقاء القبض على أشخاص لا علاقة لهم بالحادث، وظلت تتعهد بالحصول على "الحقيقة" ولكنها لم تستطع أبداً الوفاء بهذا العهد.
وقد أصدرت نيويورك تقريرا ًجاء فيه أسماء بعض الأفراد التابعيين لدائرة الأمن السورية، ويشير إلى احتمال تورطهم فى الحادث، ولكن الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفى أنان قام بفرض الرقابة على هذا التقرير، وكان هذا الدليل الأول على أن سوريا ربما تفلت من العقاب حتى إذا ثبتت إدانتها.
قلق جنبلاط
وكان جنبلاط نفسه قلقاً من أن الأمم المتحدة قد تتخلى عن قرار محاكمة سوريا، لذا ذهب إلى واشنطن، والتقى مع الرئيس جورج بوش لمدة 35 دقيقة، وقام أيضا بلقاء رئيس وكالة الاستخبارات المركزية. وكان ما فعله جنبلاط آنذاك خطيراً للغاية، فهو سياسى لبنانى معارض لسوريا يقوم بحث المحافظين الجدد فى الولايات المتحدة على ضرورة وجود محكمة لاتهام سوريا. وشارك الرئيس الفرنسى جاك شيراك، الأمريكيين فى مراقبة تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولى بانسحاب القوات السورية من لبنان. وعلى الرغم من أن العلاقة بين الحريرى وشيراك كانت علاقة عمل بحتة، إلا أن الطرفين حظيا بإعجاب بعضهم البعض.
ولكن هنا يجب الإشارة إلى أن نيكولاى ساركوزى، الرئيس الفرنسى الحالى، ليس جاك شيراك، حيث يريد ساركوزى إعادة العلاقات الفرنسية بسوريا على الساحة السياسية، وتحديداً إعادة العلاقات بين سوريا وشركة النفط الفرنسية توتال. وتلقى ساركوزى دعوة لزيارة دمشق، وبعدها قام بزيارة بيروت ليؤكد للبنانيين أن فرنسا مازالت حليفة لهم. وتعتقد الأوساط اللبنانية أن جميع الزعماء الفرنسيين، يريدون استعادة الحكم الفرنسى على لبنان وسوريا. ويُروى أن الجنرال هنرى جوراد قد قام بخلق لبنان من سوريا، على الرغم من اعتراض السكان المسلمين لهذا القرار، وقام حينها شارل ديجول بحكم هذه الولاية الجديدة (لبنان) من فيلا استردها فيما بعد الحريرى. وكانت تلك قصة مأساوية استأنفها ساركوزى عندما أعرب عن تأييده لاتفاقية الدوحة للسلام، والتى بموجبها تم منح أحزاب المعارضة الموالية لسوريا فى بيروت، حق نقض (الفيتو) قرارات مجلس الوزراء. وعادت الهيمنة السورية مرة أخرى إلى لبنان لكن هذه المرة بدون قواتها العسكرية.
وفى خضم كل هذا، ظل مقاتلو حزب الله، أو "جيش المقاومة"، كما يحب أن يطلق على نفسه، صديقا وفيا (أو حتى خادماً) لسوريا. وعقب مقتل الحريرى، أدعى السيد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، أنه قد التقى سراً فى العديد من المرات مع الحريرى لمناقشة مستقبل لبنان. ولكنى أذكر أن الحريرى كان غاضباً من نصر الله، حين اكتشف أن حزب الله ينوى دفن "شهداء" جنوب لبنان أمام مطار بيروت الدولى، الأمر الذى سيضر بالطبع بحركة السياحة وبقدوم رجال الأعمال إلى لبنان التى كان يحاول إعادة بنائها.
الذكرى حاضرة
وفى بيروت، ظلت ذكرى الحريرى حاضرة بوجود ابنه سعد المناهض لسوريا، ولكن قوة سعد كانت قد اهتزت بشدة عندما فشل فى إيقاف حزب الله ومنعه من الاستيلاء على غرب بيروت، حيث قام مقاتلو حزب الله بالاستيلاء على مقر الحزب، وإغلاق المحطة التليفزيونية الخاصة به. وقد حذر جنبلاط سعد الحريرى من عدم الاعتماد على مقاتلين، وذلك لأنه سيكون من السهل على حزب الله التغلب عليهم، ولكن سعد لم يعيره اهتماماً، وكان سعد خاطئاً، بينما كان جنبلاط على حق.
وهكذا اضمحلت سمعة الحريرى ذات الصيت العالى بفشل ابنه سعد. أما بشأن أموال الحريرى التى لا حصر لها، فهى مازالت موجودة بالطبع، حيث امتلك الحريرى أجزاء فى هيوستن وتكساس وبيروت وباريس، الأمر الذى إن دل على شىء لا يدل إلا على أن ازدهار موقف الحريرى المالى فى ظل الوجود السورى فى لبنان كان قد شجع انتشار الفساد فى البلاد. فكان الحريرى يدير حكومتين فى آن واحد، حكومة تعكس رؤيا سوريا السياسية، والأخرى هى التى كان يمولها بأمواله الخاصة، وكان يدير البلاد من خلالها. وعندما تولى الحريرى منصب رئيس الوزراء، بلغت ثروته آنذاك ما يقرب من مليار دولار، ولكنها بلغت عند وفاته 16 مليار دولار، حيث احتل قائمة فوربس لأكثر 100 شخص ثراءً حول العالم، وكان رابع أثرى سياسى فى العالم.
ومن هنا جاء لقب "سيد لبنان"، وهو لقب خطير على أرض نزفت كثيراً من الدماء. وتظل سلامة لبنان الداخلية متماسكة على الرغم من مخابرات شعبها وسحره وعطفه. وقد أظهر حزب الله جانباً من هذه الدولة لم تكن نعرفه من قبل، حيث وجد اللبنانيون أنفسهم محاربين من أجل قضية وليسوا فقط مقاتلين، وقاموا بمحاربة الجيش الإسرائيلى وتسببوا فى هزيمة منكرة له عام 2006 لن تنساها إسرائيل أبداً. وربما يتكرر هذا السيناريو هذا العام إذا استفز حزب الله، حليف إيران الغالى فى لبنان، حكومة إسرائيل اليمينية الجديدة.
وقد صدقت نبوءة الحريرى، الذى اعتقد دائماً أن إيران سيكون لها دور كبير على ساحة السياسة الداخلية للبنان. ومازال الإيرانيون يعتقدون أن القاعدة فى العراق هى السبب الرئيسى وراء اغتيال الحريرى، وجاء هذا بسبب عقده لاجتماعات سرية مع رئيس الوزراء العراقى فى بيروت. ولكن الحقيقة ستظهر فقط من خلال محكمة الأمم المتحدة التى من المقرر انعقادها فى لاهاى فى غضون شهر فبراير أو مارس أو فى وقت ما خلال هذا العام.
ويبقى هنا السؤال: هل ستكون هناك محاكمة؟ وإن وجدت، هل ستكون مجرد إجراء تقوم به الأمم المتحدة ليبقى قتلة الحريرى مجهولين؟، وتفلت سوريا من مسئولية قتله، وتضيع دماء الحريرى هباءً دون أخذ ثأرها؟ وهل سينجح محامو الأشخاص الأربعة المحتجزين فى الحصول على حكم ببراءتهم أو على الأقل بحصولهم على قدر ولو محدود من الحرية؟ فعلى مدار الثلاثة عقود المنصرمة، لم تحل قضية اغتيال سياسى واحدة. وكما أن حرب إسرائيل وحزب الله عام 2006 قد شغلت تركيز تحقيقات الأمم المتحدة، سينشب للأسف الكثير من الأزمات الأخرى والصراعات العنيفة فى لبنان، التى من شأنها إبعاد حادث مقتل الحريرى عن ذاكرة الحاضر ودفعها إلى تاريخ الماضى البعيد، ربما لا يوافق على هذه النظرية اللبنانيون، ولكن من المحتمل أن يصدقها العالم.
وعلى بعد أمتار قليلة من موقع الحادث، يقف تمثال رفيق الحريرى بشموخ وفخر مقابل البحر ناظراً إلى تلك المدينة التى أعاد إعمارها مرتين فيما سبق، تاركاً بيروت واللبنانيين فى حيرة من أمرهم، ليبقى السؤال الحائر يشغل أذهانهم: من قتل الحريرى؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.