كانت ملء السمع والبصر، بعد أن صعدت بسرعة الصاروخ، كصديقة مقربة جداً من وزير الداخلية آنذاك »نيكولا ساركوزي« ومصدر ثقة لزوجته الأولي، لدرجة أنه بعد توليه رئاسة جمهورية بلاده لم يحتفظ بها في مكتبه، وإنما دفع بها إلي الملأ مسنداً إليها منصب وزير العدل، لتصبح أول سيدة، وأول مغربية، وأول مسلمة، وزيرة لإحدي أهم الوزارات في فرنسا! إنها »رشيدة داتي« جزائرية الأب، ومغربية الأم التي عاشت طفولتها البائسة في أسرة مهاجرة، كثيرة العدد. فهي رقم (11) بين أخوتها وأخواتها، بالكاد ينجح الأب العامل والأم العاملة في توفير بعض لا كل أهم ضروريات أدني مستوي للمعيشة! كان يمكن أن تلقي »رشيدة« نفس مصير أخواتها الأكبر منها، فتكتفي بالدراسة في مرحلتها الأولي لتعمل في أي عمل يعرض عليها مقابل بضعة فرنكات تساهم بها في دخل أسرتها إلي أن تجد من يتزوجها ويتحمل بالتالي تكاليف إعاشتها وإنجاب أطفالها. لكن »رشيدة« كانت أكثر حظاً من أخوتها وأخواتها. فقد اهتمت بدراستها، وتفوقت فيها، وحظيت بشهاداتها، ونالت منحا ومساعدات مكنتها من مواصلة دراستها الجامعية وتخرجت في كلية الحقوق. حصلت علي وظيفة لم يقترب منها أحد من كل عائلتها ومعارفها وسكان حيها. وشجعها تفوقها وانفرادها علي طلب المزيد. فطموحها كان أكبر، وأوسع، مما حققته حتي الآن. عادات وتقاليد بيئتها أجبرتها علي الزواج، وعندما أحست أن زواجها يقف عثرة في طريقها لم تتردد في السعي إلي طلب الطلاق الذي تحقق رغم غضب الأب، وحسرة الأم، وسخط الأقارب! واصلت »رشيدة« طريقها في ثبات، وإصرار.. إلي أن أتيحت لها فرصة العمر لتعمل في وظيفة قانونية ضمن طاقم مكتب وزير الداخلية آنذاك »نيكولا ساركوزي« الذي سرعان ما اهتم بها، وقربها إليه وإلي زوجته »سيسيليا«، التي وثقت فيها وإئتمنتها علي كل أسرارها الخاصة والعائلية! وكانت »رشيدة« عند حسن ظن الزوجين وحاولت بقدر استطاعتها أن توفق بينهما عندما توترت العلاقة بينهما، بظهور معجبة بالزوج، ومعجب بالزوجة. رغم كل محاولات »أولاد الحلال«، و »رشيدة« أولهم، فقد فشلوا جميعاً في إعادة الوئام والهيام إلي الزوجين، وأصبح »أبغض الحلال« يتردد باستمرار علي بيت الزوجية المهجور من »سيسيليا« أحياناً، ومن »نيكولا« أحياناً أخري. توقف »أولاد الحلال« عن التدخل فيما لا يعنيهم. أما »رشيدة« فإنها واصلت تدخلها في نفس الوقت الذي حافظت فيه علي ما تصورته »حياداً« لا يهدد علاقتها الحميمة ب »سيسيليا«، ولا يمس من قريب أو بعيد ثقة »نيكولا« في إخلاصها له، وتفانيها إلي جانبه، ودورها المتنامي في مساندته بقدر استطاعتها في طريقه إلي قصر الإليزيه، مع قرب انتهاء إقامة ساكنه العتيد:»جاك شيراك«. قيل إن ثقة »نيكولا« في إخلاص و ولاء وتفاني »رشيدة« شجعته علي مصارحتها بحبه الجديد لمانيكان، و مغنية نصف معروفة، تدعي: »كارلا بروني«، وأنه ينوي بالفعل الزواج منها! وأمام إصرار »الساعي إلي الإقامة في الإليزيه«، كان من المنطقي بالنسبة »لرشيدة« أن تغيّر موقفها وتتخلي عن دورها »كبنت الحلال« في إعادة المياه إلي مجاريها بين الزوجين الصديقين. فالرجل كما تأكدت قرر الفراق نهائياً، ليس علي الفور وإنما يُؤجل إلي ما بعد غزو الإليزيه حتي لا يتسبب »الطلاق« في الإساءة إلي صورة الرئيس القادم! وبحسبة أنثوية بسيطة.. تيقنت »رشيدة« من أن عليها أن تتماشي شاءت أم أبت مع أحلام، وطموحات، وسيناريوهات الرجل الذي في استطاعته وحده الدفع بها لتحقق لنفسها ما لا يخطر علي بال كل من عرفها وتابع مشوار حياتها! رجل هذه قدراته.. وتلك امكانياته.. يجب عليها أن تمسك به بأيديها إن لم تستطع قضمه بأسنانها! .. وللقصة بقية. إبراهيم سعده [email protected]