بايدن ونتنياهو لا انتقاد ولا تحفظ ولا مجرد ذكر للتوسع الاستيطاني وممارسات الاحتلال في الضفة الغربية، ذلك هو ملخص زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن لإسرائيل ولقائه برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بل إن بايدن كان فصيحاً بلغياً وخطيباً مفوهاً في الحديث عن الحميمية والعلاقات العاطفية التي تربط واشنطن بتل أبيب، وعائلته بعائلة "بيبي" بحسب ما تطلق الصحف علي رئيس وزراء الدولة العبرية. كما أسهب بايدن في التباكي علي ضحايا الهجمات الفلسطينية بالسكاكين في يافا والقدس وبتاح تكفه محملاً السلطة الفلسطينية وحدها المسئولية دون أن يتطرق من بعيد أو قريب للجرافات الإسرائيلية التي تهدم بيوت الفلسطينيين علي رؤوس أصحابها بحجة أنها مبنية علي أرض كانت مملوكة ليهود منذ أكثر من 2000 عام، فتتركهم بلا مأوي أو أي أمل في المستقبل. وكان وصول بايدن لتل أبيب متزامناً مع سلسلة هجمات نفذها شاب فلسطيني، يبلغ من العمر 22 عاماً ومنحدر من الضفة الغربية، قتل خلالها سائحا أمريكيا يُدعي تايلور فورس البالغ من العمر 29 عاماً، الذي أدي خدمته العسكرية في العراق وأفغانستان. ودون أن يذكر بايدن السلطة الفلسطينية أو اسم الرئيس محمود عباس، وجه إليه اللوم قائلاً: " الولاياتالمتحدة تدين هذه التصرفات وتدين أولئك غير القادرين علي إدانتها"، وكان أسلوب الهجوم بالسكاكين، علي المستوطنين والجنود الإسرائليين، بدأ منذ مطلع أكتوبر 2015، وأسفر عن مقتل 188 شخصاً بينهم 28 إسرائيلياً وأمريكيين اثنين وإيريتري وسوادني، ودأبت الحكومة الإسرائيلية في الفترة الأخيرة علي ترديد أن تلك الهجمات ترتبها السلطة الفلسطينية سرا. نائب الرئيس الأمريكي أشار بشكل غامض للوضع الراهن للقضية الفلسطينية، والتي لم تشهد أي مفاوضات منذ تلك التي قادها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في ربيع عام 2014، ولم يتحدث بايدن عن إمكانية عقد مفاوضات أخري في الوقت الحالي وهو ما تذكره باراك أوباما فجأة وهو يعد أيامه الأخيرة في البيت الأبيض، وكانت صحيفة وول ستريت جورنال ونيويورك تايمز تحدثتا مؤخراً بعبارات غامضة مطاطة عن رغبة أوباما في عقد مفاوضات سلام، دون تحديد أي آلية أو الهدف النهائي من العملية التفاوضية. وكذلك لم يأت بايدن علي ذكر ما اقترحته فرنسا الشهر الماضي علي لسان وزير خارجيتها السابق لوران فابيوس، بإجراء مؤتمر دولي للسلام في باريس ستجبر خلاله تل أبيب علي قبول حل الدولتين وإلا فإن فرنسا ستعترف من جانبها بالدولة الفلسطينية. لم يُعر بايدن اهتماماً لأي مما سبق، وفضل الحديث عن متانة العلاقات بين إسرائيل والولاياتالمتحدة وعن "مستوي تاريخي علي صعيد المساعدات الأمنية"، مؤكداً أن الدولة العبرية تمتلك "الأسلحة الأكثر تطوراً بما في ذلك منظومة دفاع صاروخية دفاعية الأكثر فاعلية في العالم"، وأشار بايدن إلي "الحقائق الجديدة في المنطقة"، وإلي التغيرات التي حدثت حول إسرائيل نتيجة لما يٌعرف بالربيع العربي، بقوله " لو كان أحدهم سألني منذ خمس سنوات في المنطقة عن إمكانية حدوث سلام.. سلام حقيقي مشروط بين إسرائيل والدول العربية، لكنت أجبت بأنه لا يوجد أي فرصة لتحقيق ذلك، ولكن المصلحة الأمنية المشتركة في مواجهة "داعش" غير المعطيات". بايدن تطرق أيضاً إلي إيران مؤكداً أن "الولاياتالمتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي لو أجرت طهران محاولات أخري لإطلاق صواريخ باليستية"، وكانت إيران أعلنت عن نجاح تجاربها في إطلاق صاروخ باليستي، قبيل زيارة بايدن لإسرائيل بيوم واحد، وكانت الصواريخ مدمغة بعبارة " الفناء لإسرائيل"، وأكد أمير علي حاج زاده رئيس قوات الحرس الثوري الإيراني أن التجربة كانت لإثبات أن بلاده تمتلك صواريخ يمكنها الوصول إلي قلب الدولة العبرية، ولكنه استدرك بتصريح آخر أقرب للسخرية والتحقير من شأن تل أبيب قائلاً " إسرائيل محاطة بالعديد من الدول الإسلامية ولن تتمكن من العيش طويلاً في حالة حرب.. ستنهار قبل أن تصلها صواريخنا". زيارة بايدن لإسرائيل جاءت وسط أجواء ملبدة بالغيوم بين واشنطن وتل أبيب، أو بمعني أدق بين الرئيس باراك أوباما ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حيث سبق وصول بايدن لتل أبيب إعلان صادر عن مكتب نتنياهو يعلن فيه هذا الأخير أنه رفض القيام بزيارة للبيت الأبيض علي إثر دعوة رسمية، وبنبرة يشوبها الكثير من الدهشة والاستغراب صرح نيد برايس، المتحدث الرسمي باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، " كنا نهيئ أنفسنا لهذه الزيارة، ولكننا فوجئنا من خلال وسائل الإعلام أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يبادر برفض الزيارة بدلاً من أن يقبل دعوتنا". وكان من المفترض أن تتزامن زيارة نتنياهو مع انعقاد مؤتمر لجنة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية American Israel Public Affairs Committee المعروفة اختصاراً باسم آيباك (AIPAC) غير أن مكتب نتنياهو أكد أن رون ديرمر، السفير الإسرائيلي في واشنطن، أخطر البيت الأبيض بإلغاء الزيارة يوم الرابع من مارس الجاري، معللاً ذلك بأنه لا يريد الذهاب إلي أمريكا الآن بينما الجميع مشغول بماراثون الانتخابات الرئاسية، ويبدو هذا الأدب الجم مثيراً للسخرية مقارنة مع ما فعله نتنياهو العام الماضي في نفس التوقيت، حيث ذهب إلي الولاياتالمتحدة دون أن يخطر البيت الأبيض، وألقي خطبة أمام الكونجرس بغرفتيه الشيوخ والنواب مطالباً إياهم بعدم التصديق علي اتفاقية تسوية ملف إيران النووي التي أبرمها أوباما ومعه دول فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا مع طهران. ورغم حديث بايدن عن مستوي تاريخي من العلاقات علي صعيد الأمن، صرح نتنياهو بأنه يمكنه انتظار مجيء الرئيس الجديد للولايات المتحدة في يناير المقبل كي يعقد معه اتفاقية أمنية بشكل أفضل. وتبدو الاتفاقية الأمنية إحدي النقاط المثيرة للتوتر بين واشنطن وتل أبيب، فبموجب اتفاقية دفاع موقعة عام 2007 تحصل الدولة العبرية سنوياً علي 3.1 مليار دولار سنوياً من الخزينة الأمريكية، فضلاً عن أسلحة ومعدات حربية لوجيستية بما يُجمل المساعدات بقيمة 5 مليارات دولار، وتأمل إسرائيل في تحسين تلك الاتفاقية بدعوي أن المنطقة تشهد سباقاً للتسلح في إشارة ضمنية إلي إيران. في هذا الجو المشحون بالتوتر لم يتحمل أوباما كم الإهانات التي وجهها إليه نتنياهو، لا سيما أن هذا الأخير يتجاهل الحديث عنه أو ذكر اسمه أمام وسائل الإعلام، فأكد أوباما عقب إعلان نتنياهو إلغاء زيارته، أنه رفض في السابق مجيء نتنياهو للبيت الأبيض بحجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي كان يريد إعطاءه محاضرة عن كم الأخطار المحدقة بإسرائيل، فبدا بايدن بزيارته وكأنه حمامة سلام بين الرجلين. الود المفقود بين أوباما ونتنياهو لم يؤثر علي العلاقات الراسخة بين الولاياتالمتحدة وطفلتها المدللة في الشرق الأوسط، ففي السابع من مارس الجاري أجريت مناورات عسكرية مشتركة تحت مسمي Juniper Cobra بهدف التصدي لهجوم صاروخي قد تتعرض له إسرائيل. وأوضح روفين بن شالوم السفير الإسرائيلي السابق بواشنطن "1992 - 1994، 1998، 2000"، والمستشار الحالي لنتنياهو: "التعاون الأمني في جمع المعلومات المخابراتية لم يكن مزدهراً كما هو في عهد الرئيس أوباما"، وتابع بن شالوم الذي خدم في جيش الاحتلال الإسرائيلي لمدة 25 عاماً في تصريحات خاصة لصحيفة لوموند الفرنسية، "إذا نظرتم للأسلحة التي نستخدمها وإلي الطائرات التي نطير بها ستعرفون أننا لا نعتمد سوي علي التكنولوجيا الأمريكية.. أحد أهم العوامل المهمة التي تقوم عليها نظريات دفاعنا عن أنفسنا هو التعاون في مجال تطوير الأبحاث الأمنية مع الأمريكيين.. ولكن الأمريكيين أيضاً مستفيدون من تلك العلاقة والدليل علي ذلك اهتمامهم بمنظومة القبة الحديدية (نظام لاعتراض الصواريخ التي تطلقها حماس).. أعتقد أنهم تعلموا منها كثيراً.. وفي المقابل لقد ساعدونا في اكتشاف جديد يساهم في الكشف المبكر عن الأنفاق التي تحفرها حماس».