"من حكمدار العاصمة إلي أحمد إبراهيم القاطن بدير النحاس لا تشرب الدواء.. الدواء فيه سم قاتل".. عبارة شهيرة مرتبطة بخطأ تسبب فيه صيدلاني في فيلم "حياة أو موت"، بطولة الفنان الراحل عماد حمدي والطفلة وقتذاك ضحي أمير، وعلي الرغم من مرور عشرات السنين علي الفيلم الذي تم إنتاجه في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، إلا أن الإهمال الطبي الذي نشهده حالياً كان سبباً في إعادة المشهد بحذافيره مؤخراً ولكن هذه المرة في محافظة قنا. "احذر الدواء فيه سم قاتل". كانت هذه هي العبارة التي حملتها مكبرات الصوت لوزارة الداخلية في قرية المحروسة بقنا، بعد ساعات قضتها مباحث شرطة قنا في البحث عن طفلة صغيرة عمرها لا يتعدي ثماني سنوات مصابة بسرطان الدم حياتها معرضة للموت في أي لحظة نتيجة جرعة دواء زائدة. الطفلة حبيبة حمدي تسافر كل أسبوع بصحبة والدها الحاج حمدي، لتقضي ساعات طويلة في الطريق، لكي تتناول علاج السرطان من المعهد القومي للأورام بسوهاج، الذي يمنحها جرعة علاج دورية للقضاء علي المرض الذي يتخلل جسدها الصغير، لكن إهمال الأطباء كاد أن يودي بحياة الطفلة التي تحاول أن تجد أملا لها في الشفاء، وتعيش الموت كل لحظة بسبب ألم المرض اللعين. المعهد القومي للأورام بسوهاج أعطي جرعة زائدة للطفلة من الدواء الذي تأخذه من خلال "إبرة" بصفة دورية، ولم يكتشف الأطباء خطأهم إلا بعد أن غادرت الفتاة ووالدها المعهد، ولم ينجح المعهد في اللحاق بالطفلة الصغيرة لإنقاذها، فلجأ إلي وزارة الداخلية لكي تتخذ الإجراء المناسب لإنقاذ حياة الطفلة. الأجهزة الأمنية حاولت بالتعاون مع الجهود الشعبية البحث عن خطوات يمكن من خلالها إنقاذ حياة الطفلة من خلال استخدام مكبرات الصوت وسيارات تنتشر في قرية "المحروسة" التي تعيش فيها الطفلة وإخطار نقاط الشرطة التابعة لها القري في البحث عن الطفلة. استمرت المحاولات لساعات حتي تمكنت الأجهزة الأمنية من التوصل إلي القرية التي تعيش فيها الطفلة وإخبار والدتها بخطورة الدواء الذي كانت ستتناوله الطفلة والذي كان من الممكن أن يودي بحياتها. العميد محسن كمال مأمور قسم شرطة قنا روي ل"آخرساعة" تفاصيل الحكاية، وكيف تم إنقاذ الفتاة قائلا إنه تلقي بلاغا من ممرضة تعمل بالمعهد القومي للأورام وهي من أبناء محافظة قنا، يفيد بأن المعهد القومي للأورام في سوهاج أعطي فتاة صغيرة جرعة دواء زائدة قد تودي بحياتها، وأن الطفلة تعالج من مرض سرطان الدم في المعهد وهي تعيش في قنا. ويوضح العميد محسن أنه بعد محاولات عديدة تمكنت الأجهزة الأمنية من تحديد مكان الطفلة بعد استخدام مكبرات الصوت التي جابت شوارع القري، وتم الوصول إلي والدة الطفلة لمنعها من إعطاء جرعة الدواء الزائدة لابنتها لأنها تشكل خطورة علي حياتها. وأكد العميد محسن أن المسئولين الذين يعملون بالمعهد بعد إعطاء الجرعة في حقنة لتأخذها الطفلة اكتشفوا أن الجرعة زائدة وقد تودي بحياتها، لافتاً إلي أن الطفلة تم العثور عليها في قرية المحروسة التابعة لمركز قنا، وتم تحذير أسرتها بعدم إعطائها الحقنة ومراجعة الطبيب، لأن الحقنة بها جرعة دواء زائدة عن المقررة. تواصلت "آخرساعة" مع والد الطفلة المريضة، لكنه رفض الحديث معللاً ذلك بأنه كان يخفي خبر مرض ابنته عن أهل القرية، لكن تم فضح الأمر بعد خطأ المعهد القومي للأورام، مشيراً إلي أن هذا يعد خطأ فادحا كانت ستدفع ابنته الثمن غاليا. أخطاء الأطباء مسلسل لا ينتهي يدفع ثمنه الكبار والصغار، وإذا كان هناك حالة تم إنقاذها لأن الله تعالي قدر لها البقاء علي قيد الحياة، فهناك آلاف الحالات التي تدفع حياتها ثمنا لأخطاء الأطباء. الحكايات كثيرة والقصص لا تنتهي رصدنا بعض الحكايات أبطالها انتهت حياتهم بالوفاة بعد أخطاء الأطباء، فهناك طفلة صغيرة عمرها لا يتجاوز العامين دخلت لإجراء جراحة في العين، فأعطاها الطبيب حقنة بالخطأ دفعت ثمنها حياتها. قصة أخري لسيدة دخلت مستشفي لتجري ولادة قيصرية، لكن الطبيب ارتكب أخطاء كبيرة حيث تسبب في قطع المثانة، ولم تنجح محاولاته لإنقاذها لأنه تسبب في إصابتها بفشل كلوي وتعفن رحمها داخل جسدها وانتهت القصة بالوفاة، فيما دخلت سيدة أخري لإجراء عملية تدبيس معدة لتقليل الوزن، لكن العملية انتهت بالوفاة بسبب خطأ طبيب، وغيرها من الحالات التي يذهب ضحيتها العديد من المرضي ويدفعون حياتهم ثمنا لخطأ طبيب لا يقدر حياة البشر ولا يعرف قيمة مهنته السامية. جمعية الحق في الدواء كشفت في تقرير حديث عن وجود حوالي 200 سبب لخطأ طبي يقع يوميًّا ضمن أمور غير مكتوبة من جانب الطبيب فيما يخص تعليماته لطاقم التمريض وبسببها يتهرب الطبيب من مسئولياته أمام القانون. وقال التقرير إن الإهمال الطبي تتنوع صوره وأشكاله وطرقه بين تأخر تقديم التدخل المناسب للطبيب في حياة المريض لعدم وجود طبيب في المستشفي أو غيابه أوعدم التزامه بأوقات العمل المحددة له، أو تشخيص خاطئ من جانب الطبيب يصاحبه دواء خاطئ قد يودي بحياة المريض، وأحيانا رفض وحدات الاستقبال استقبال بعض الحالات الحرجة وفقا لنص المادة 18 من الدستور، فضلا عن عدم المتابعة لحالة المريض بشكل سليم بعد إجراء التدخل الجراحي أو تدني مستويات النظافة والجودة داخل المستشفي وغياب التعقيم المناسب، ما قد يتسبب في انتقال مرض آخر إلي المريض نتيجة عدم التعقيم الجيد ووجود مصادر للعدوي داخل غرف العمليات. التقرير أشار أيضاً إلي أن الأخطاء الطبية لا تقف عند أخطاء الأطباء التي تودي بحياة المرضي، بل إن هناك أخطاء فريق التمريض الذي يصاحب الطبيب التي قد تكون سببا هي الأخري في وفاة المريض نتيجة عدم إعطاء الجرعات المناسبة للحالة أو إعطاء جرعات زائدة أو التأخر في منح المريض الجرعة التي يحتاجها في الوقت المحدد، ما يودي بحياة المريض، فضلا عن أن 65% من الحالات يعالجون بواسطة أطباء غير متخصصين. وفيما يتعلق بالمسئولية القانونية التي تقع علي الطبيب في حالة وجود خطأ طبي أودي بحياة مريض، تجدر الإشارة إلي أنه في معظم دول العالم تعامل قضايا المسئولية الطبية طبقا للقانون المدني الذي يقضي بالتعويضات المالية ولا يعاقب بالحبس، لكن في القليل من دول العالم من بينها مصر يعاقب الطبيب وفق القانون الجنائي وبالتالي تكون عقوبة الطبيب السجن أو الغرامة المالية أو كليهما معا. ويكون هناك حق للمتضرر من أي نشاط طبي في رفع دعوي ضد المتسبب في إحداث ضرره، حق رفع الدعوي يقتصر علي الشخص المتضرر أو ورثته. كما أن القانون يعطي المتضرر الحق في رفع دعواه مدنيا أو جنائيا، حيث تنص المادة 163 من القانون المدني علي أن "كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض". وتنص المادة 251 من قانون الإجراءات الجنائية علي أن "لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يقيم نفسه مدعيا بحقوق مدنية أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوي الجنائية في أي حالة كانت عليها الدعوي". ويعلق المحامي بالنقض عصام إبراهيم، قائلا: هناك العديد من حالات الإهمال الطبي التي تم رصدها في مصر خلال الفترة الأخيرة، لذلك لابد من اتخاذ العديد من الإجراءات الصارمة للحد من هذه الوقائع التي انتشرت بشكل كبير مما يشكل خطرا كبيرا علي المجتمع، مضيفاً: المواطن البسيط هو الذي يدفع ثمن الأخطاء الطبية الفادحة التي تودي بحياته. يذكر أن هيئة النيابة الإدارية كانت قد أصدرت توصية للقائمين علي القطاع الطبي، والأطباء، وأعضاء هيئة التمريض، تطالب فيها بمكافحة كل أوجه القصور ووقائع الإهمال الطبي بالمستشفيات الحكومية، والتصدي لها بإجراءات سريعة وصارمة.