النجاح جميل والشهرة مثيرة.. والتفاف الناس حولك والتقرب إليك والتبرك بنجاحك.. إحساس لذيذ مجنون لايفوقه شيء في الدنيا وإن ادعي هؤلاء المشهورون غير ذلك وهم يستعيذون من عين الحسود بألف خرزة زرقة.. فالنجومية حلم ليلة صيف نالها.. أهل الفن.. طوال سنين وخطفها منهم الآن.. أهل.. الإعلام وسنينه!! النجومية.. الشهرة.. معرفة الناس بك وملاحقتك في كل مكان تذهب إليه.. إحساس طاغ بالتفرد والتميز.. نظرات الإعجاب واللهفة التي تطل من وجوههم.. ترشق سهام المتعة في قلبك.. فلقد فعلتها بفضل دعاء الوالدين.. أو بفضل ذكائك وفطنتك واستيعابك لأصول اللعبة المعروفة والظروف العالمية للوصول إلي النجومية في القرن الحادي والعشرين.. أحلام يقظة تساور الجميع أن ينجحوا.. والناجحون كثيرون في كل مكان.. ولكن النجاح في مجال الفن والإعلام المرئي.. حاجة تانية وثالثة ورابعة.. فاقت حتي نجوم الفن والطرب المعروفين والذين بدون عطائهم هذا.. تكون حياتنا فراغا وبرودة.. وشجارا زوجيا لا ينقطع فوجودهم نعمة.. نختفي وراءه حتي لا نواجه مشاكلنا العائلية بشجاعة وصراحة ونجد في أفلامهم ومسلسلاتهم ملاذا نلوذ به من الصمت الزوجي!! ماعلينا. ذلك كان زمن الشهرة التي لا يطولها إلا هؤلاء الفنانون بكل أنواع تنوعهم الفني.. الآن جاء علي الساحة نجوم جدد.. نجوم الإعلام.. الكلمة التي تهز وتفضح الصورة التي تدين أو تبرئ ساحة المظلوم. البرنامج الذي يلجأ إليه من لا ظهر له ومن له ألف ظهر ويريد أن يغسل فلوسه.. الحرام أحيانا كثيرة ويبيض وجهه.. الذي ملأته بثور الفساد فأصبح »جرسة« لكل من يشاهد يوميا برامج الحوارات المشهورة. عالم جديد وغريب علي مجتمعاتنا العربية التي تربت علي الكتمان والصمت وأسقطت حملها الحرام في أول مقلب زبالة.. حتي لاتدفع ثمن كشف المستور وفضح الحقيقة التي لا يقدر علي مواجهتها أحد في العالم الثالث رحمه الله. شيء من الحرية جاء مستأذنا.. خجولا.. مترددا في بداية الأمر.. يخوض في مواضيع كانت تعتبر »من المحرمات« التي مكتوب عليه ممنوع التصوير والاقتراب والا تنال عقابا جماعيا من مجتمع.. يكره من يواجهه بمساوئه.. جاء الإعلام المرئي.. ليأخذ حتي مكانة الاذاعة القديرة التي عشنا علي برامجها سنين طويلة فالقراءة تأخذ منك جهدا ذهنيا لا يقدر عليه إلا المثقفون المتخصصون.. أما السمع فهو سهل.. تتلقي ولا تبذل أي مجهود.. وأتذكر برنامج الإعلامية الجادة الشجاعة (بثينة كامل) في برنامجها الليلي »اعترافات ليلية« والتي علي حد ما تسعفني ذاكرتي كانت أول من واجهت المجتمع بعوراته وبدأنا نسمع علي الهواء.. الهوايل وخاصة فتح ملف (زني المحارم) المحرم الأكبر الذي يخفي المجتمع وجهه في الرمال حتي لا يعلن عن مآسيه.. فنحن تربينا علي تلك العبارة السخيفة المحرمة.. (لايجب أن ننشر غسيلنا القذر علي الملأ) ولكن لا بأس أن نظل نعيش في قذارة هذا الغسيل حتي يميتنا عفنا.
طبعا المجتمع لم يكن جاهزا بعد.. لتلك الصراحة.. فألغي البرنامج ونقلته هي مكتوبا.. بعد فترة في إحدي صحف المعارضة. ثم بدأ عصر القنوات المفتوحة والخاصة والبعيدة عن عين وبطش وتكميم الأفواه الحكومية.. بدأت تلك البرامج تدور حول الأمور الاجتماعية العادية لسنوات لا تلفت نظر أحد.. إلا بمقياس تمضية وقت وتسلية يومية!! ثم مرت سنوات بسيطة وفتحت ستارة الحرية الإعلامية قليلا.. ثم خطوة.. خطوة خطي عتبة الحوارات الساخنة والملفات المسكوت عنها.. فانفتحت طاقة القدر لنجوم تلك البرامج.. فجأة أصبحوا نجوما.. بجد.. يعرف الناس وجوههم.. ويسمعون أصواتهم مباشرة علي الهواء تكلمهم وتنقل همومهم وتوصلها مباشرة لأصحاب السلطة أي الوزراء والحكومة!! من هنا.. جاءت الأهمية التي فاقت شهرة نجوم الفن.. فالفن متعة لا نستغني عنها لغذاء روحنا.. ولكن عندما لانجد غذاء الجسد تتبخر كل تلك الاحتياجات ولا نتذكر إلا هموم المعيشة اليومية وتوفير أكل العيش »للعيال وأمهم«.. ومن هنا. شعر الإعلامي التليفزيوني.. بأهميته.. وبالتالي بنجوميته.. وأصبح كثير من رجال الحكومة المهمين أو رجال الأعمال المحظوظين ذوي القربي والمصاهرة التي تفوق أهميتها.. مصباح علاء الدين يتهافتون علي تلك البرامج لكثير من الأسباب .. ربما أقلها أن يعرفهم الناس وأكثرها خطورة.. أن يبرروا أخطاءهم وسرقاتهم واستغلالهم للمال العام.. أمام الرأي العام.. الذي لا أعتقد أن أحدا يهتم برأيه أصلا.. إنما أمام من يهمهم تظهر ملفاتهم نظيفة أمامهم. حتي لا يطيروا في أول تغيير أوتنسحب منهم عضوية نادي المقربين المحظوظين.
وكما يقال في الأمثال الشعبية علي الأقمشة والملابس يوجد عندنا (علي كل لون يابتسطة) يوجد من الاعلاميين نفس الصنف. فهناك الإعلامي الذي عرف حدود دوره من أولها.. أن يفعل أي شيء.. إلا أن يغضب صاحب القناة أو الحكومة.. حتي لا يخسر وظيفته وأنا هنا لا أتحدث عن الأموال التي لم يكن يحلم بها.. التي يتلقاها شهريا.. علي رأي الحكاية الاذاعية الشهيرة القديمة جدا (علي بابا بعد الضنا.. لبس حرير في حرير..). إنما أتكلم عن الشهرة والنجومية والسلطة الرهيبة التي يملكها.. عبر طلته علي الشاشة يخاطب الجميع كل الشعب.. ليدين هذا أو يبرئ هذا.. أو يبيض أفعال تلك وذاك.. بناء علي أوامر عليا ساحقة ماحقة. تبدل رأيه في يوم وليلة. وللصراحة أرفع لهؤلاء القبعة لبراعتهم في التلون بتلك السرعة والحنكة.. دون أن يحمر لهم خد واحد.. لأنه مهما »مثل« أو تشنج.. أو حتي بكي.. تظل فئة ما.. كثيرة أو قليلة (تكشفهم من أول جملة وتعرف أن الأوامر قد صدرت.. بالفعل لشن الحرب علي فلان أو تفنيد أسباب جريمة علان حتي يتحول فجأة من مجرم.. إلي ضحية ياعيني عليه وياما في الحبس مظاليم.
ولكن المشاهد المصري ابن بلد مدقدق ومدردح.. يلتقطها وهي طايرة!! يعرف المذيع المحترم من المذيع الذي لامؤاخذة.. يفرق تماما بين المذيع المخبر الذي يعمل للأمن ويراقب مايدور في البرنامج ويلحق علي الهواء مباشرة أي تجاوزات من مشاهديه لايرون الخط الأحمر الذي اخترقوه فيأتي بسلامته ليعيد الأمور إلي نصابها وملاحقة حتي علي زميله في البرنامج حتي لا يعمل فيها بطل ويوديه في داهية ويحاسب علي إهماله في تأدية وظيفته. ولكننا نحن نعرف الفرق ولكن السؤال هنا هل يعرفون هم أنفسهم.. إننا فعلا نعرفهم ونعرف اتفاقياتهم السرية والمواءمات التي يخضعون لها أو يتبرعون هم أنفسهم بإهدائها إلي ذوي السلطة حتي ينالوا الرضا السامي وتبعاته. إذا لم يكن يعلم فهأنذا أبلغه أننا نعرفه جيدا.. نعرف قدر كل واحد منهم قد نشاهد برنامجه ربما يوميا لنضحك عليه ونلعنه ولنعرف إلي أي مدي قد وصل في انحداره المهني. ولكننا نتابع بكل احترام برامج أخري أثبتت لنا مصداقياتها.. واحترامها لذكاء المشاهدين نعرفهم وعندما يصادر البرنامج نعرف أننا كنا علي حق.. ونجري وراءه في كل القنوات التي تتغني بالحرية وبأنها الصدر الحنون الجريء.. ثم لا يستطيعون مجاراة صدقه وشجاعته: فيتوقف البرنامج.. ولكن المقاتل لايهدأ يظل ينتقل من قناة إلي أخري.. ولا يتعلم الدرس لأنه ببساطة لا يستطيع إلا أن يكون صادقا مؤمنا بقيم الحرية وحق المشاهد في المعرفة يدفع الثمن وهو راض.. وغاضب وحزين علي بلده التي لا تتحمل الملتزمين الشرفاء. إنه زمن الإعلامي المدفوع الثمن مقدما.. حاجة كده زي مايقال كده عن رجال بتوع الحلق حوش.. يفعلون أي شيء حتي يظلوا علي الشاشة يجري وراءهم الناس في كل مكان.. أما المهنية.. المصداقية.. فهي من حفريات من زمن عدي وفات!!
ولكن كما رفعها الصحفي القدير رؤوف توفيق شعارا من زمان »بأنه لايصح إلا الصحيح«. فإن من ينال حب الناس واحترامهم.. يظل معروفا مدفوقا بالوشم علي القلوب.. ومن لم يهمه حتي ضيوفه وأوصل العديد منهم إلي السجون حتي ينال فرقعة إعلامية ولم يهمه الضيف الذي وثق به وحضر إلي برنامجه ليدلي برأيه وكانت النتيجة التشريفة وراء القضبان.. معروفا أيضا!! فالمصري ابن حنط لماح.. يفهمها وهي طايرة.. ويعيها بمزاجه فلا تتصوروا أيها النجوم الإعلاميون بأنكم ضحكتم علينا بالشو الاعلامي إياه.. فقدركم وثمنكم معروف لنا..
وآه من النجومية وكم يدفع من أجلها لكي تبقي نورا حول رأسه ونارا تدور حوله قد تحرقه في أي لحظة يخونه فيها ذكاؤه.. ويروح وراء الشمس.. وتنطفيء الأنوار ولا يجري وراءه أحد ليتصور معه »ولا يشاور« عليه الناس في الشارع وتتجمع حوله ويعلنها بتواضع كاذب. إن للشهرة متاعبها الخاصة ولكننا نتحملها من أجل الجماهير ثم يغمز لنفسه ويقول.. ولو يوم بعيد عنك.. ياشاشتي التليفزيونية المثيرة.. فبدونك لا نجومية لي.. يعني الموت أهون!! ولكنهم لا يموتون.. إنما يقومون كالبهلوانات في سيرك الحياة. ليستمر البرنامج.. وتستمر النجومية ونستمر نحن.. نسلي ليالينا ببرامجهم الجادة والتافهة حتي نهرب من الخرس الزوجي ولا نواجه مشاكلنا العائلية التي جعلت كل فرد جزيرة منعزلة لايعرف أحد عن الآخر شيئا. ولكن الإعلامي يعرفها ويتكلم عنها ويواجهنا بها في أمسيات الشتاء الطويلة وليالي الصيف اللطيفة.