الاثنين يوم الثامن والعشرين من سبتمبر الماضي.. بضع مئات من مقاتلي طالبان يهاجمون إقليماً أفغانياً كبيراً، يُسمي "كوندوز" علي الحدود الشمالية للبلاد، وكان يدافع عنه 7 آلاف مجند من الجيش النظامي بتسليح وتدريب وتمويل أمريكي، ولكن ما إن أطلقت الرصاصة الأولي في الاشتباك فر الآلاف أمام المئات. مشهد يذكر بالعاشر من يونيو 2014 حيث استولي 7 آلاف مسلح، يحملون لواء (داعش) علي الموصل عاصمة إقليم نينوي ثاني أكبر مدينة عراقية ويقطنها مليونا نسمة وتقع علي بعد 400 كم من العاصمة بغداد. نيويورك تايمز: الولاياتالمتحدة تنوي وقف برامج تدريب المعارضة السورية مازالت مدينة الموصل في أيدي داعش رغم إعلان الحكومة العراقية التجهيز لهجوم مضاد لطرد عناصر التنظيم منها تمكن أتباع أبوبكر البغدادي من هزيمة الجيس العراقي الذي ترك أسلحته ولاذ بالفرار، علماً بأن الولاياتالمتحدة أنفقت علي تسليح وتدريب الجيش العراقي أكثر من 10 مليارات دولار.. بلدان مختلفان والسياق العام للأحداث مغاير في كل منهما، ولكن يبقي سؤال وحيد يصلح في الموقفين: هل هناك بلد يمكن أن يحارب من أجل بلد آخر؟. في واشنطن قال كارل إيكينبيري، الجنرال السابق بالجيش الذي خدم في أفغانستان وعمل كسفير في كابول أيضاً، لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية: بمنذ 15 عاما وميزانيتنا للإنفاق وتدريب قوات دول أخري شيء يدعو للرثاء ولكن هل هذه هي المشكلة الحقيقية؟. مازالت مدينة الموصل في أيدي تنظيم داعش، رغم الإعلان الصاخب، منذ 6 أشهر من قبل الحكومة العراقية عن التجهيز لهجوم مضاد لطرد عناصر التنظيم من المدينة، وعلي النقيض وبمساعدة الطيران وقوات خاصة أمريكية تم استعادة مدينة كوندوز الأفغانية بعد 5 أيام فقط من استيلاء طالبان عليها، ولم يكن من الوارد استعادة المدينة دون تدخل الطيران الأمريكي، فيما مازال جدل كلاسيكي مستمر بين واشنطنوكابول عمن المسؤول عن مقتل عشرات الموظفين والجرحي علي مشفي تابع لمنظمة أطباء بلا حدود الفرنسية .MSF تحت وطأة ضربات طالبان لم تتوقف الحالة الأمنية عن التدهور يوما بعد يوم، وتبدو أفغانستان في وضع مشابه لعراق 2011 حينما استفادت الميليشيات السُنية المسلحة من انسحاب القوات الأمريكية لاستعراض عضلاتها. في أفغانستان حيث ال150 ألف جندي (أغلبهم من الأمريكيين) الذين نشرهم حلف شمال الأطلنطي، بدأوا في الانسحاب اعتبارا من 2011 علماً بأن نشرهم من الأساس كان بتفويض من الأممالمتحدة عام 2001 بهدف إسقاط نظام طالبان المتهم بإيواء تنظيم القاعدة المسئول عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وتم إنجاز مهمتهم في نوفمبر 2001 حيث إنه بدعم في صورة قصف من طيران التحالف الغربي تمكنت المعارضة الأفغانية ممثلة في «تحالف الشمال» من الاستيلاء علي العاصمة كابول، وتم تدمير معسكرات تنظيم القاعدة. واضطر الملا محمد عمر زعيم طالبان ومن تبقي معه من رجال إلي الهرب لمناطق البشتون الباكستانية، وبما أن الحكومة القائمة في كابول حكومة أفغانية فإن المشاكل أيضاً أصبحت أفغانية أفغانية، بينما قرر الغربيون البقاء تحت مسمي أبناء أمة، سانحين بذلك فرصة ذهبية لطالبان للعودة مرة أخري بذريعة مقاومة قوات أجنبية محتلة، ما أدي علي مدار أربعة عشر عاماً إلي مقتل عشرات الآلاف. منذ 2011 تركت واشنطن قوة قوامها 13 ألف جندي ولكن لا شيء يسير كما هو مخطط له، فرغم إنفاق أمريكي هائل إلا أن الجيش الأفغاني يبدو معدوم الفاعلية والكفاءة، كما أن حكومة كابول تعاني انقسامات داخلية حادة. ومن ناحية أخري فإن باكستان مصممة علي زعزعة استقرار أفغانستان من خلال تمويل ودعم طالبان، بل إنها تعمل علي إنشاء حكومة إسلامية محلية، ويؤكد كارل إيكينبيري أنه (لو انسحبت القوات الأمريكية المتبقية فإن حكومة كابول سوف تفقد السيطرة علي المدن بالتدريج إلي أن تفقد العاصمة نفسها). وهو نفس التحذير الذي أطلقه الجنرال جون كامبل، قائد القوات الأمريكية في أفغانستان، في جلسة استجواب بمجلس الشيوخ يوم السادس من أكتوبر الجاري، حيث شدد علي ضرورة عدم ارتكاب نفس أخطاء العراق وترك قوة صلبة مقاتلة وإلا فإن البلاد ستسقط في براثن حرب أهلية وستشكل طالبان تهديدا حقيقيا علي العاصمة كابول. ويجب الاستمرار في تدريب ومساعدة الجيش الأفغاني.. لكن إلي متي؟. دولتان بالكاد تعمل المؤسسات في كليهما، والاثنتان في حالة حرب منذ عام 1979 ولكن دولتين بهذا الشكل بهما الكثير من الأعراق والمذاهب هل يمكنها إنتاج أفراد يدركون معني المواطنة بما يسمح بإنشاء مؤسسة من المفترض أن تكون متماسكة كالجيش؟ خلاصة درس تدخل الولاياتالمتحدة في البلدين نجده في تقرير أصدرته جامعة الدفاع الوطني وجاء فيه: من المستحيل إرساء جيوش حقيقية مستعدة للدفاع عن أشياء تتجاوزها مالم تكن هناك حكومة تعمل بكفاءة. والحديث عن حكومة تعمل بكفاءة لا ينطبق علي بغداد أو كابول أو حتي دمشق. الجنرال كامبل يبدي لنيويورك تايمز هذه الملاحظة: «هل ممارسة مثل هذا التأثير علي أعلي المستويات في الحكومة بما يجعلها بمثابة وزارة دفاع لنا في واقع الأمر، هل ذلك بناء أمة أم استعمار جديد؟». في واشنطن نجد أنصار مبدأ بناء أمة يدعون إلي شيء لا يتميز به الغربيون كثيراً: الصبر. فالهدف وقبل كل شيء هو عدم سقوط عاصمة مهمة مثل كابول أو بغداد في أيدي إسلاميين متطرفين. الشيء ذاته تقريبا يفعله الروس في سوريا، ليبقي سؤال واحد موجه إلي كل من موسكووواشنطن: إلي متي ستحاربان للآخرين؟. ولكن ما يستحق التوقف عنده، هو ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز من تسريبات يوم الجمعة الماضي عن نية الولاياتالمتحدة في وقف برامج تدريب المعارضة السورية، والتي من المفترض أنها تحارب ضد تنظيم داعش بمساندة من طيران التحالف الذي تقوده واشنطن منذ عام، وقصر الأمر علي تسليم أسلحة ومعدات متطورة لرؤساء ميليشيات مسلحة سيتم اختيارها علي أسس تحددها وزارة الدفاع الأمريكية. وكانت جلسة خاصة لقائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط الجنرال لويد أوستن، كشفت أن تجربة تدريب ما يُعرف بمعارضين سوريين معتدلين، قد ولدت ميتة حيث إن عدد من تم تدريبهم علي مدار عام كان 54 فردا بينما كان المستهدف 5000 فضلاً عن من دربتهم واشنطن تعرضوا لهجوم بمجرد وصولهم الأراضي السورية، في يوليو الماضي، من قبل جماعة تابعة لتنظيم القاعدة، ومن لم يتم قتله أو أسره فر هارباً عائداً إلي تركيا حيث تلقي تدريبه، وحينما سُئل الجنرال أوستن عن عدد الفارين الأحياء، كانت إجابته صاعقة: (إنهم 4 أو 5 أشخاص). وما زاد من إحباط نواب الكونجرس هو أن مبلغ ال500 مليون دولار الذي خصصوه لبرنامج تدريب مسلحين يحاربون داعش، لم يجتذب سوي 200 فرد فقط كانوا يتدربون في الأردن، لذا فمن المرجح أن يعلن أوباما عن وقف برامج تدريب المعارضة السورية كافة في السعودية وقطر وتركيا، ليكون ذلك بمثابة إعلان فشل لاستراتيجية أوباما الخارجية من أفغانستان للشرق الأوسط.