بات واضحا أن أي ظاهرة من الظواهر التي تبرز في المجتمع وتأخذ مساحة في فضائها وكل توجه فكري له مضامينه وأهدافه السياسية والاجتماعية إنما هو نتاج المجتمع ومؤسساته الثقافية والفكرية والتعليمية والتربوية وصناعة خطابه الوعظي والدعوي في منابره الدينية والثقافية.. إذا يتشكل فكر ووعي الإنسان من خلال ما يتلقاه من مفاهيم وتفسيرات وتأويلات للنصوص والممارسات والأفعال وتأتي أفعاله وعلاقاته بمحيطه الاجتماعي وتفاصيل الحياة في الفضاء البشري نتيجة لتراكم هذه الثقافة الفكرية وتوجهات الشخص ونظرته للفعل الاجتماعي والمقاييس التي ينطلق من خلالها في تقويم الأمور وقبوله أو رفضه أو تناغمه مع التحولات والمستجدات الفكرية وقدرته العلمية علي التمييز بين الثابت وما هو تقليد أو عادة أو تراكم مفاهيم اجتماعية قابلة للإلغاء والتجاوز.. ومجتمعاتنا العربية ومنها مجتمع المحروسة ابتليت مؤخرا بمحاولة ترسيخ مفاهيم دينية واجتماعية وحياتية عند بعض شبابها وشاباتها أنتجت تطرفا وعداء وحقدا ورفضا وانسلاخا عن المجتمع وحياته ومفاهيمه وتوجهاته نحو البناء والتحديث والتنمية وإحلال الجديد من أفكار وممارسات في المسار الحياتي للإنسان وذلك نتيجة للخطاب الوعظي والتربية الخاصة التي تتولاها المؤسسات التعليمية والمناهج الدراسية التي نمارس تلقينها للطفل والشاب.. ولعل أكبر شاهد علي توجه شبابنا وشاباتنا نحو ممارسة مفاهيم بالية والانسياق خلف محدودية المفاهيم وانسياقهم والتفافهم وإيمانهم بأشخاص مرتبطين بفكر ظلامي مستبد وشرس وإقصائي تكفيري مثلما حدث فيما أطلق عليه بثورات الربيع العربي ولا أنسي مثلا مرات رفع فيها المتظاهرون في ميدان التحرير صور حسن البنا والقرضاوي وسيد قطب وغيرهم من رموز التكفير بدلا من رفع صور التنوير كطه حسين ورفاعة الطهطاوي والعقاد ومحمد عبده وغيرهم، وهذا بالطبع كان مشهدا محزنا للغاية أعطي دلالات بأننا نعيش في زمن ونقيم في آخر بكل ما في ذلك الزمن من تخلف وجهل في مفاهيم عيش وحياة بالية.. الظاهرة تحتاج لمراجعة الكثير من ممارسات وتوجهات وأهداف وبرامج مؤسساتنا التربوية والتعليمية لكي تبدد ظلام الإرهاب ونروي صحراء حياتنا الجافة بقطرات الندي العذب والصدق والمحبة والأخلاق الفاصلة.