ما إن قرأت خبر الحادث المروع الذي وقع صباح أحد أيام الأسبوع الماضي علي الطريق الدائري وراح ضحيته 12 قتيلا بريئا و20 مصابا بعضهم كان بين الحياة والموت حتي أصبت بفزع شديد لنزيف الدم هذا الذي تشهده شوارع وطرق مصر صباح كل يوم وأيقنت أن الحديث والكتابة عن مشكلة المرور أو كارثة المرور في مصر لابد أن يستمر ولا يتوقف حتي يرتفع الوعي المروري ويتأكد لدي الجميع سواء المواطنين المتعاملين مع المشكلة أو رجال المرور وخبرائه المنظمين لها. حصاد حوادث المرور في مصر شيء مفزع ومروع حيث تشير آخر إحصائية لمنظمة الصحة العالمية إلي أن عدد ضحايا حوادث الطرق في مصر وصل إلي 12 ألف قتيل العام الماضي بالإضافة إلي عشرات الآلاف من الجرحي والمصابين. حتي آخر إحصائية متواضعة صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تشير إلي أن مصر شهدت في العام الماضي 2009 وقوع أكثر من 22 ألف حادث سير بزيادة قدرها 8.9٪ عن العام السابق 2008، كما أشارت ذات الإحصائية إلي أن حالات الوفاة لكل ألف مركبة تقدر مابين 20 إلي 25 حالة.. كما رصدت إحصائية أخري صادرة عن مركز بحوث وحدات المرور بوزارة الداخلية إلي أن 6487 شخصا لقوا مصرعهم العام الماضي كما أصيب 35 ألفا في هذه الحوادث. أما الخسائر المادية الناجمة عن هذه الحوادث فهي خسائر مهولة بلغت في العام الماضي أكثر من 15مليار جنيه وذلك إلي جانب الفاقد الاجتماعي نتيجة الأضرار التي تتعرض لها أسر الضحايا خاصة أن معظم ضحايا هذه الحوادث في الدول النامية من ذوي الدخول المنخفضة. وتؤكد الدراسات والأبحاث المرورية سواء في مصر أو في دول العالم الأخري ومنها العالم المتقدم أيضا أن العنصر البشري يعد من أهم أسباب ارتفاع معدلات الحوادث.. في حين تصل نسبة مسئولية العنصر البشري في الحوادث علي الطرق المصرية إلي 80٪ فإنها لا تختلف كثيرا عن باقي دول العالم حيث تصل إلي 76٪. والحادث المروع الأخير الذي وقع علي الطريق الدائري أمام منطقة باشتيل الأسبوع الماضي وراح ضحيته 12 مواطنا بريئا و35 مصابا كانوا في طريقهم إلي أعمالهم إنما يؤكد صحة هذه الحقيقة تماما والتي سبق أن أشرنا إليها في مقال سابق علي صفحات هذه المجلة.. فالمتابع والمدقق لوقائع هذا الحادث يري أن هذا الشاب المتهور إلي جانب أنه كان يقود سيارته بسرعة خارقة غير قانونية إلا أنه وهذا هو الأخطر حاول أن يسبق سيارة النقل التي كانت تسير أمامه من علي يمينها وهو خطر مروري جسيم يتم بصورة منتظمة وسبق أن حذرنا منه مرارا وتكرارا وطالبنا بضرورة التوسع في »الدوريات الراكبة« وتكثيف نظام »الكونستبلات« الذي كان له تأثير فعال علي مدي سنوات طويلة مضت حيث أثبتت التجربة أن قائدي السيارات لا يهابون القانون إلا في وجود ممثله.. كما أن الدوريات الراكبة بإمكانها كشف المخالفات المرورية في الحال فور وقوعها وتوقيع الغرامة المقررة فورا علي مرتكبها ولكي تكون أيضا رادعا مفاجئا لكل قائد مركبة. ويرجع لجوء بعض قائدي المركبات وهم كثيرون إلي تخطي السيارات التي أمامهم من جهة اليمين حتي أصبح ذلك عرفا سائدا علي الطرق السريعة يعرفه الجميع إلي جانب إصرار بعض قائدي السيارات علي السير ببطء علي الحارة اليسري المخصصة للسرعات المرتفعة وهو مايتنافي مع أبسط قواعد المرور ويؤدي بالقطع إلي حدوث تصادمات قاتلة ومثل هذه الأخطاء القاتلة لا يمكن تفاديها إلا من خلال تكثيف الدوريات الراكبة المتخفية أي التي تنطلق في سيارات لا تحمل علامات وإشارات الشرطة حتي يكون عنصر المفاجأة للسيارات المخالفة حال وقوع المخالفة جبرياً ومؤثراً علي المخالف وغيره من قائدي السيارات. ولا شك أن رفع الوعي المروري أمر ضروري لضبط منظومة المرور في الشارع المصري والتقليل من عدد الحوادث ووضع حد لنزيف الدم علي الأسفلت وهو ما دعا إليه الرئيس حسني مبارك مؤخرا.. وهنا تلعب مدارس تعليم القيادة دورا بارزا في هذا الصدد ولهذا فلابد من الاهتمام بهذه المدارس من قبل الدولة والمجتمع المدني وذلك عن طريق دعمها وتقديم المساعدات المادية والفنية لها وتشجيع المواطنين وخبراء المرور علي المساهمة في هذه المدارس.. كما أنه لابد أيضا من وضعها تحت الرقابة والمتابعة الشديدة حتي تؤدي دورها علي أكمل وجه في تخريج دفعات من قائدي السيارات علي درجة عالية من الفهم والإدراك لأصول المرور وأخلاقيات القيادة ولكي نتفادي كل هذه الخسائر البشرية والمادية ونظهر بصورة راقية ومتحضرة أمام العالم كله.