يجد الكثير من الفقراء في مصر قوت يومهم فقط بل إن بعضهم لا يجد غطاءً يحميه من برد الشتاء القارس وبخاصة في الصعيد، ولذا تعمل بعض الجمعيات الخيرية علي شراء بطانيات رخيصة الثمن تسمي "البطانية الشعبية" والتبرع بها للفقراء ودور الأيتام في المحافظات المختلفة، لكن الكارثة هي أن ضعاف النفوس والباحثين عن الكسب السريع يغشون هذه البطاطين في مصانع مشبوهة بحشوها بمخلفات المصانع وبقايا الأقمشة التالفة، ليصبح الفقير عرضة لأمراض خطيرة تصيب الجلد والجهاز التنفسي. التحقيق التالي يزيح الغطاء عن هذه الكارثة. د. مدحت عبدالخالق: تحتوي علي مواد كيميائية تؤثر علي الرئة تقوم العديد من مصانع بير السلم ومنها مصانع مشبوهة في محافظة الغربية بإنتاج كميات من هذه البطاطين الشعبية التي يتلقفها فاعلو الخير للتبرع بها للفقراء والمحتاجين والأيتام، نظراً لرخص سعرها، حيث تعتمد هذه الورش والمصانع علي فرم مخلفات الأقمشة والبلاستيك وحشو هذه البطاطين بها، والادعاء بأنها مصنوعة من الصوف. في "وكالة البلح" بوسط القاهرة تجولنا بين المحال التجارية المتخصصة في بيع هذه النوعية من البطاطين الشعبية، ولاحظنا تدفق مندوبي الجمعيات الخيرية علي هذه المحال، وتعاقدهم علي شراء كميات كبيرة منها، حيث يبدأ سعر البطانية الواحدة من 20 جنيهاً ويصل إلي 90 جنيهاً. يقول رأفت ذكري تاجر بوكالة البلح: سعر البطانية الشعبية يبدأ من 40 جنيها ويصل إلي 95 جنيهاً حسب جودة الخامة المصنعة أي "الفرم" وهي عبارة عن جمع بقايا كل ما هو نسيج وفرمه وإضافة مخلفات بلاستيكية إليه لتصبح نسيجاً جديداً، ولأن هذا الفرم درجات فقد يصل وزن البطانية إلي خمسة كيلوجرامات وبذلك تستهلك نسيجاً كثيراً لكنها في الحقيقة لا تشعر مستخدمها بالدفء مهما زادت كمية النسيج لأنها عبارة عن بقايا نسيج المصانع ومخلفات المصانع من أكياس بلاستيك يتم فرمها وإضافة مواد كيميائية إليها واستخدامها كنسيج مجدداً. ويوضح رأفت أن سعر البطانية الجيدة يبدأ من 165 جنيهاً، والبطانية غامقة اللون سعرها مختلف عن الفاتحة فاللون يدل علي درجة الغزل المصنعة منه، واللون الفاتح أغلي ثمناً لأنه يدل علي نسبة استخدام مواد بلاستيكية وكيميائية أقل، كما يختلف السعر حسب مقاس البطانية، وساهمت العام الماضي في مشروع المليون بطانية التي أعلنت عنها الجمعيات الخيرية وهي توزيع مليون بطانية علي فقراء الصعيد والأقاليم وكلها كانت من البطانية الشعبية لأنها الأرخص سعراً، وقمت بتوريد كميات كبيرة لبعض الجمعيات الخيرية الشهيرة. نبيل بطرس تاجر بوكالة البلح يعرض البطاطين الناعمة، ويقول: "أعرض البطاطين الناعمة في المحل وأخفي المغشوش "الإكليريك" في المخازن، حيث أعلم جيداً أضراره ولكن ربحه سريع لأن الزبون يشتري منه كميات كبيرة بالجملة رغم أن هذه النوعية من البطاطين مصنوعة من فرم بقايا النسيج في المصانع والخيش والأجولة ورائحتها كريهة، لذلك لا أعرضها في المحل ولكن إذا طلب زبون كميات كبيرة أوردها له من المخازن. أما عن سعر البطاطين الشعبية في شارع 26 يوليو فإنه يزيد نوعاً ما عن وكالة البلح لأنها تباع مغلفة وهذا ما تفضله الجمعيات الخيرية. هذا ما قاله محمد جمال بائع بأحد المحلات مشيراً إلي أنه لا فارق في الجودة بين البطاطين هنا وبطاطين الوكالة باستثناء التغليف فقط، حيث يعتقد الزبون أن البطاطين هنا أفضل لكنها نفس الجودة فأسعارها تتراوح بين 40 و70 جنيهاً وقد تصل إلي 140 جنيها وهي درجات فقط. بعد انتهاء جولتنا تواصلنا مع محمد أبوطالب صاحب مصنع لإنتاج البطاطين الشعبية في منطقة بحيرة أبو علي بالمحلة الكبري في محافظة الغربية، حيث قال إن هناك نوعين من البطاطين: "الميلتون" وهي البطانية المصنوعة من بقايا الأنسجة وأوبار الأقمشة مخلوطة ببقايا الأجولة البلاستيك والخيش يعاد تدويرها وفرمها وصبغها وسعرها من 30 إلي 40 جنيهاً، أما النوع الأعلي درجة يسمي الإكليريك وهي البطانية المصنوعة من الألياف الصناعية مضافاً إليها خام البوليستر وهي الأعلي سعراً، لأنها تشبه الصوف ويتجاوز سعرها 50 جنيهاً، وعموماً نتعاقد مع تجار الجملة بوكالة البلح ونبيعها للتجار جملة بسعر 30 إلي 60 جنيهاً حسب كمية الألياف وجودة البطانية وتقاس الجودة في الفرم بمدي تماسك الأنسجة. وكان علينا أن نستطلع رأي الطب في هذه النوعية من البطاطين التي يستعملها الكثير من الفقراء وتصل عبر الجمعيات الخيرية إلي دور الأيتام، حيث تقول الدكتورة هناء إمام أستاذ الأمراض الجلدية بالمركز القومي للبحوث: أبسط ما تسببه هذه المواد الكميائية التي صنعت منها هذه البطانية هو حساسية الجلد وهو التأثير المباشر لها، فقد تصاب بحكة في الجلد وإحمرار في المناطق التي تغطي بالبطانية، أما الصبغة الرديئة التي تصبغ بها فيؤدي بتكرار استخدامها إلي سرطان الجلد لأن تعرض الجلد لأي مادة كيميائية لفترة طويلة يسبب سرطان الجلد. في السياق يقول الدكتور مدحت عبدالخالق أستاذ الأمراض الصدرية بمستشفي قصر العيني إن أي أقمشة مصنوعة من مواد صناعية تحتوي علي مواد كيميائية تؤثر علي الرئة بمجرد استنشاقها حتي أننا ننصح الأمهات بعدم تغطية وجه الطفل بالبطانية فبمجرد استنشاق رائحة البطانية تسبب حساسية في الصدر، وهذه هي أقل ضرر يمكن أن يتعرض له الإنسان من استخدام هذه البطانية الشعبية، بالإضافة إلي التليف الرئوي الذي يحدث نتيجة استنشاق مواد كيميائية لفترة طويلة، خاصة أن هذه البطاطين تصنع من الألياف الصناعية سواء كانت البوليستر أو المعاد تدويرها، وننصح باستخدام البطاطين المصنوعة من الألياف الطبيعية وتعريضها للشمس باستمرار، ولا نستطيع أن نحكم أن أي شيء يتسبب في حدوث سرطان إلا بإجراء دراسات علمية علي المدي الطويل ومعرفة تأثيرها لكن يمكن أن نجزم أن مادة الإكليريك مع استنشاقها أو التعرض لها علي المدي الطويل تتسبب في الإصابة بسرطان الرئة لأنها عبارة عن أقمشة مصنوعة من مواد صناعية معالجة كيميائياً.